ليس من سمع كمن رأي، القول الشهير يمكن أن ينطبق على حال هؤلاء الذين يحاولون تقديم صحافة جادة في مصر، لكن مع التعديل إلى ليس من كتب موضوعات جيدة عن قضايا مهمة كمن حصل على فرصة قراءة إحصاءات زوار المواقع .
نحاول في إعلام دوت أورج وغيرنا الكثير من الزملاء في مواقع أخرى أن نجتهد كل يوم لانتاج عدة تقارير ومقارنات وتحليلات تستاهل “دماغ الزبون” ، لكن نفاجئ كل ساعة أن الأخبار المصنفة بالساخنة التي ننشرها لأنها في صُلب اهتمام الموقع ونحاول من خلالها أن نعكس ما يدور داخل الوسط الإعلامي، هذه الأخبار لاتزال تجذب الجمهور بكل قوة، الناس لم تمل من قراءة أخبار رئيس الزمالك، ولا أسئلة ريهام سعيد لجمهورها، ولا تصريحات سما المصري وصافيناز ثم تعليقات تامر أمين عليها.
دائرة مفرغة تؤدي بنا ليأس يومي نبدده ببسمة أمل تأتينا ليس من عمرو خالد ولكن من عدة قراء وزملاء يثنون على الموضوعات الحصرية التي تكلفنا الوقت والجهد، بينما الالاف القراء يفتحون الروابط التي ربما نكتبها ونجهزها للنشر في أقل من 5 دقائق، تماما كما يقبل الأطفال على وجبات المطاعم السريعة المليئة بالأمراض فيما أكل البيت دائما غير ممتع.
ليتكرر السؤال التالي كل يوم، هل المواقع الإخبارية هي المسئولة عن شيوع ظاهرة “الترافيك الحرام” أم القراء الذين يقبلون عليه بشراهة، هل لو توقفت كل المواقع عن نشر الأخبار التافهة والتصريحات المسيئة والأراء الشاذة سيقبل القراء على الموضوعات الجادة لعدم وجود غيرها ويدركوا أي حضيض كانوا يعيشون فيه ، أم يغادرون المواقع بحثا عن هواهم في اتجاهات أخرى، طيب هل يدعم هؤلاء الذين رفضون “الترافيك الحرام” و”أفلام السبكي” المواقع الجادة، أم أنهم يكتفون بسب “مواقع الترافيك “في بوستات الفيس بوك وتويتر، دون أن يدعموا الأفلام المحترمة بقيمة التذكرة، أو يجربوا الدخول على مواقع جاد وفتح كل الراوبط لاهداء العاملين له “ترافيك حلال” .
هل العيب في الصحفيين أم في الناس، أم أن الصحفيين والناس أبناء مجتمع واحد، وهل الحل انتظار زيادة الوعي ، أم دورنا الصمود من أجل أن نرفع نحن هذا الوعي برفضنا القاطع للسباحة في وحل “الترافيك الحرام” وهل سيتذكرنا أحد عندما نغلق الأبواب بسبب غياب العائد، وهل تذكر أحد ممن يهاجمون السبكي كل مخرج وسينارست جاد فشل في تمويل فيلمه؟
كل الأسئلة السابقة هاجمتنا بضراوة بعد انطلاق أزمة الفنانة انتصار وتصريح المواقع الإباحية، نشرنا الخبر على مضض، باعتبار أننا نتابع غرائب ما يصدر عن نجوم شاشات التلفزيون، لتنهمر القراءات على موقعنا الصغير، فكيف الحال بالمواقع الكبرى التي يدخلها الملايين، يعني لو أن هذا الخبر حقق لدينا 50 ألف قراءة، كم عدد القراءات الإجمالية إذا جمعنا كم حقق الخبر نفسه في كل المواقع؟
نشرنا الخبر ونحن نظن أنه تصريح وهيعدي، لكن أكثر من هاشتاج، ثم البلاغات، ثم ردود الفعل من كل الجهات، ومواقع أخرى بدأت تستطلع رأي الدين والطب وكأن انتصار أعلنت عن تنظيم مهرجان دولي للأفلام الإباحية على أرض مصر.
لست مع انتصار فيما قالت، لكنني لن أستطيع نفى أن 4 مواقع إباحية عالمية من بين أكثر 100 موقع يدخلها المصريون، ولسنا بحاجة لمزيد من الإحصاءات، احنا ولاد بلد واحدة ومش هنكذب على بعض، لكن ما يجب أن نصارح أنفسنا به، أن المبالغة في ردة الفعل تجاه تلك الأمور تعكس شيزوفرينيا باتت خانقة لكل من يحاول أن يرتب أولويات هذا المجتمع، أن ينتفض الآلاف عبر مواقع التواصل الإجتماعي للإعتراض على التصريح، أن يدشنوا أكثر من هاشتاج من بينهم حملة لمقاطعة قناة القاهرة والناس ، لو أن حملات المقاطعة تفيد أحد ما تجرأت سلعة على رعاية أي قناة أو برنامج مستفز للناس، لأن الناس وهم يتظاهرون بالاستفزاز يروجون لتلك السلع .
في اجتماع فريق تحرير الموقع الذي لا ينتهي أبدا لأنه ينعقد أونلاين فكرنا كيف نثبت أن على القراء أيضا مسئولية، قلت لزملائي أنني أفكر في نشر رابط عنوان “شاهد صورة نادرة لوالدتك” ، طبعا ليس لدينا صورة نادرة لوالدة أي قارئ، لكن نحن على يقين من أن الكثيرين سيدخلون للقراءة ويفاجئون بالصفحة بيضاء، عاصفة انتصار جعلتنا نغير العنوان إلى ” قائمة المواقع الإباحية التي تفضلها انتصار” وعندما يدخل القارئ سيجدنا كتبنا بالداخل أن مجرد دخولك معناه أنك مهتم برأي انتصار، وأنه لو فرضنا أن هذا الرابط حقق 100 ألف قراءة، فأين المعارضون إذن لو الكل ضغط ليقرأ ولو على سبيل الفضول، هذا الفضول لم يعد مقبولا كمبرر أمام هوجة الترويج للتصريحات التي تضرب في الثوابت وللأشخاص الذين يستفزون الجمهور عبر الشاشات .
أصابنا القلق من أن تؤدي التجربة إلى نتائج عكسية، حولناها إلى عنوان مقال ها أنا أكتب سطوره الأخيرة بالنيابة عن زملائي في الموقع وخارجه، أقول للقراء الأعزاء بوضوح، لن يتحمل الصحفيون بمفردهم مسئولية “الترافيك الحرام” طالما استمرت ردة فعلكم المبالغ فيها، سيتوقف الصحفيون عن عناوينهم المضللة، ومتابعاتهم التافهة لقضايا أتفه عندما تترفعون عن تعاطي “الترافيك الحرام” وحتى ذلك الحين، ننتظركم قريبا في أزمة أخرى وتصريح مماثل وكل “ترافيك” وأنتم بخير.