«إنهم كثر، لكن لا أحد».. أيا كانت المناسبة التى قيلت فيها تلك العبارة، فإنها تنطبق تماما على هذا الفيلم، جملة وتفصيلا، ابتداء من الأفيش المكتظ بأكثر من عشرة أبدان من النوع «العتل» الثقيل، يرتدون الزى الرياضى، نساء ورجالا، يضحكون على شىء ما.. غالبا، على من سيتم استدراجه إلى قاعة العرض، حتى لو كان ناقدا يرى فى الأفلام الرديئة دروسا مفيدة، تستحق الاستيعاب.
«عيال حريفة» يتحدى التصنيف، فلا هو غنائى، برغم احتوائه على عدد من المطربين، ولا هو استعراضى، وإن تضمن فقرات متواصلة من الرقص الشرقى التقليدى، بلا خيال أو تصميم أو معنى، وثمة حارة، بها جزار، وبائع خضراوات، وسابلة، وصبى مقهى، وشيشة، لكن لا علاقة له بالواقعية، ولا تدخله صورة السيسى مع مجاميع تردد أغنية «بشرة خير»، فى باب الأفلام السياسية، بقدر ما تحشره فى خانة أعمال التملق الفج.. ولأنه ثقيل الظل، فإنه يبتعد تماما عن الكوميديا.
الفيلم، بعد تفكير، يندرج فى خانة الفهلوة الخائبة.. الواضح أن مخرجه، محمود سليم، فى أول عمل له، لم يعتمد على سيناريو، برغم أنه منسوب لسيد السبكى، فهنا، لا وجود لقصة، ولا إثارة لقضية، ولا بناء للشخصيات التى تبدو، بممثليها، كما لو أنها جاءت من الطريق العام، لتقف أمام الكاميرات، لتثرثر بكلام فارغ.
صافينار، الراقصة الشهيرة، التى نقرأ عنها فى صفحات الحوادث، أكثر مما تطالعنا على صفحات الفن، لا تعرف اللغة العربية، تظهر فى الحارة، بقوامها الممشوق، متجهة إلى دكان والدها الجزار «بيومى فؤاد»، حيث يزعم أنه تزوج من والدتها الايرلندية، ولم يتبادل معها، كلمة واحدة، طوال معاشرته لها.. الطريف، أن «بيومى»، فى طريقة أدائه، يبدو أنه غير مقتنع بهذا المنطق، فينظر بخجل نحو كاميرا تفضح إحساسه بالحرج.
إلى جانب صافينار، ثمة الراقصة «اليسار»، والمطربة «بوسى»، وعدد من نجوم الصف الثانى، والثالث: نيرمين ماهر، سليمان عيد، حسن عبدالفتاح، حسن الخلعى، بدرية لطفى، وآخرين.. كل منهم أقرب إلى الكومبارس الناطق، بلا ملامح إنسانية، مجرد زحمة وكمالة عدد، ولأن أحدا لم يوجههم، فقد ترك لهم الحبل على الغارب، هذا يفتح فمه ويبعد شفتيه كى تظهر أسنانه التى ضربها السوس، وذاك يحرك عجيزته بعنف، متوهما أنه يصنع كوميديا، وثالثة تتصنع البلاهة.
عدوى الاستخفاف، تنتشر بين الجميع، بما فى ذلك محمد لطفى، والعاقل، سامى مغاورى.. أولهما، مدرب كرة قدم فاشل، يضع باروكة صفراء على رأسه، وشارب كثيف بذات اللون، يأتى بمجموعة من بنات، متخلفات عقليا، لتكوين فرقة نسائية تشارك فى بطولة دولية.. والثانى، يطلق على نفسه اسم «الفساد»، ويعمل من أجل ألا يرتفع اسم مصر عاليا.. طبعا، مع محمد لطفى، أثناء التدريبات، تنهمر على الشاشة، حركات الهزل الغليظ، وماتسمية سامى مغاورى باسم «الفساد» إلا تمهيدا للقطة التملق المذكورة سابقا.
نقطة أخيرة جديرة بالانتباه، تتعلق بطريقة تقديم الرقصات الشرقية، وطبيعة الكلمات المستخدمة فى الأغنيات المصاحبة، فبدلا من أداء سامية جمال، نعيمة عاكف، تحية كاريوكا، رقصاتهن، على أنغام محمد عبدالوهاب، فريد الأطرش، محمد فوزى.. أصبحت الآن، تقدم على طريقة أسواق الجوارى، فى الأزمنة الغابرة ـ البعض يريد إعادتها ـ حيث يستعرض النخاس مفاتن الجارية المزمع بيعها، أمام حلقة من أصحاب العيون الشرهة وأكياس النقود المنتفخة.. هنا، الآن، تتمايل صافينار، مبتسمة فى بلاهة، بينما يعدد المطرب مميزاتها الجسدية: قالوا وسط أستك/ مش بلاستك/ عودها ولعة/ ونارى والعة/ قوامها فالتة/ مافهش غلطة/ بنت قادرة/. عملة نادرة.
هكذا.. قيمة «عيال حريفة» أنه يمنح الفرصة للمتابع أن يقول للجيل الجديد: لا يليق أن تفعلوا هكذا.