لم اتأذي نفسيا بسبب إعلان من قبل.. ربما شعرت بغصة في حلقي منذ عامين حين شاهدت “صهيبة” و هي تهتف “أنا عاوزة اعيش” في إعلان عن مركز الدكتور مجدي يعقوب ، أعتقد أن ذلك التأثير كان مقصودا وقتها من صناع الإعلان نفسه.. و لكن هذه المرة فقد شعرت بالإهانة الممزوجة بالحسرة الشديدة.. حين شاهدت ذلك الإعلان الأخير عن تلك الشبكة الجديدة الخاصة بالشباب والتي أطلقتها احدي شركات المحمول الشهيرة ..!
الإعلان يحاول ان يبدو ساخرا ، و يظهر فيه جليا محاولة صانعوه للإستظراف المبالغ فيه.. كل هذا لا يعنيني في شيئ..! فهم أحرار ان ظنوا ان مبتكري إعلاناتهم يتميزون بخفة الدم .. و لكن ما آذاني هو تلك السخرية المتعمدة من بعض الذين ينتمون الي الجيل الذي ننتمي إليه نحن.. و محاولة إظهارهم انهم يبحثون عن مكان لهم بين رموز هذا الجيل .. إن كان لهذا الجيل رموزا من الاساس..!
الإعلان يظهر فيه ثلاثة ممن أسعدونا بفنهم .. فنري المدير الفني لجيل كامل .. إنه حميد الشاعري الذي غير شكل الأغنية في ثمانينات و تسعينيات القرن الماضي.. و الذي كان علامة الجودة وقتها لأي مطرب يبحث له عن مكان علي الساحة الفنية.. و يظهر فيه ايضا مدحت صالح الذي صرح سليم سحاب يوما ان مطربي الوطن العربي بالكامل ينبغي ان يقفوا كورالا خلفه..! كما نري انوشكا التي كانت رمزا لتعريب الاغنية الاجنبية، و الصوت الذي اختاره منير ليعبر عن مصر الحديثة بجواره حين غني “إنتي بلاد طيبة” ..!
الثلاثة قد اخطأوا بالفعل لظهورهم في اعلان يهين من تاريخهم بهذه الصورة.. ومن الذي لا يضعف أمام أموال تلك الشركة الكبيرة.. و لكنهم نسوا ان تاريخهم لا يخصهم وحدهم.. لقد سطروا بفنهم تاريخنا و ذكرياتنا و احلامنا أيضا.. فإذا كان حميد الشاعري و مدحت صالح قد قبلوا أن يسخر منهم هؤلاء الشباب عديمي الموهبة و الامكانيات ، فنحن نرفض ذلك و بشدة!!
المشكلة ان هؤلاء الشباب لا يمثلون جيلا من الاساس..! إنها مجموعة من محاولات التقليد الفقيرة جدا لموسيقي الاندر جراوند الغربية.. دون ان يُدخل احدهم عليها أي نوع من التجديد..، حتي تلك النوعية من الموسيقي قد فشلوا ان يبتكروا فيها ، ربما كانت محاولات جيلنا افضل منهم كثيرا.. فتاريخ الفن في مصر يذكر محمد نوح و الفور إم و هاني شنوده .. و غيرهم من الفرق التي صنعت اغنيات مازلنا نذكرها..!
لقد أهان صناع الإعلان جيلا بالكامل بحثا عن الإستظراف.. و دون أن يقنعونا حتي أن ما يقدمه الجيل الحالي يستحق ان ننصت له..! فمازلت أبحث في أغنيات هذا الجيل عن عمل استطيع سماعه فلا اجد.. و لن اجد في الأغلب!!
ننتظر إعتذارا من حميد و مدحت و انوشكا.. إعتذارا لأنفسهم اولا.. و لكل من شكل تاريخهم الفني جزءا من ذكرياته ثانيا.. ننتظر إعتذارا يعيدهم الينا رموزا .. اعتذارا في شكل أعمال قد تجعلنا نترحم علي هذا الجيل الذي مازال يبحث عن هوية!!