مريم عبد الحافظ
“ليه نروح القاهرة ندور على فرصة؟ ما احنا ممكن نخلق الفرصة دي عندنا هنا، أصل الفكرة مش في القاهرة، احنا عايزين الناس تبص علينا وتشوفنا هنا، في المنيا”.
هكذا بدأت فكرة “تياترو الصعيد” من جنوب مصر في المنيا، لتُصبح إحدى أهم الفرق المسرحية المُستقلة التي سُرعان ما تطورت بإنتاج ومجهودات ذاتية، وتحولت إلى شركة إنتاج فني بسيطة في المنيا، تعمل على تقديم الدعم للفنانين المُستقلين، وتُصقل خبراتهم من خلال خلاصة تجربتهم التي مرت بالكثير في رحلة بدأت منذ 9 سنوات.
تواصل “إعلام دوت كوم” مع المخرج والكاتب كيرلس صابر، مؤسس “تياترو الصعيد”، للتعرف أكثر على فكرة الفرقة ومشاريعهم الحالية.
تحدث “صابر” عن “تياترو الصعيد” وأنها شركة إنتاج فني في المنيا، مُهتمة بتوفير مساحات بديلة للفنانين المُستقلين الموجودين في المنيا مثل المسارح ومنصات العرض، والمُعدات المُستخدمة في العروض، وأنهم بدأوا في 2014 كفرقة تمثيل مسرحي مُستقلة، كانوا يمتلكون غرفة صغيرة للتدريبات ومن ثم تطورت إلى صالة أكبر، حتى وصلوا إلى “البدروم” الذي أنشأوا فيه حاليًا مسرحًا وقاعات للتدريب.
تابع أنهم يُقيمون معارضًا للفنون التشكيلية وعروضًا مسرحية، وأنهم قدموا حتى الآن أكثر من 30 عرض مسرحي على مدار 350 ليلة عرض في المنيا والمحافظات المختلفة، كما تضم فرقتهم مُشاركين من محافظات الصعيد مثل أسيوط، بني سويف، وقنا، ولكن يظل القوام الأساسي لـ “تياترو الصعيد” هو أبناء محافظة المنيا.
أكمل أنه مُهتم بمجال الفن والتمثيل منذ عام 2005، وأن مثله كمثل كل الأشخاص فكر هو أيضًا في السفر إلى القاهرة للبحث عن فرصة جيدة، وبالفعل مكث هناك قُرابة الـ 3 سنوات ولكنه قرر العودة بعد ذلك لخلق الفرصة في بلدته المنيا، موضحًا: “ابتديت افكر ليه أدور على فرصة هناك؟ ما احنا ممكن نخلق الفرصة عندنا هنا، خصوصًا إن عدد الناس اللي شبهي واللي مهتمين يدورا على فرصة فعلًا كتير مش قليل، وابتديت افكر إني مش محتاج أروح القاهرة، أنا محتاج أعمل ده عندنا والناس تشوف إن في مسرح بيتقدم في المنيا”.
أضاف أن الفرقة تتكون من 6 أو 7 مجموعات تُقدم عروضًا مسرحية بشكل دوري بالتعاون مع جهات مختلفة، ومع مرور الوقت تطورت أفكار أهالي المنيا وأدركوا وجود مسرح مُستقل وأصبحوا من رواده وجمهوره، وكان ذلك من أكبر الصعوبات التي واجهتهم، موضحًا: “أكبر صعوبة واجهتنا هي إنك تقنعي حد في الصعيد إنه ما يشتريش بالفلوس اللي معاه أكل ويدفعها عشان يتفرج ويحضر مسرحية”.
تابع أن فكرة المسرح التجاري صعبة بشكلٍ كبير في الصعيد، وأنها فكرة غريبة على مجتمعهم، بالإضافة إلى افتقارهم إلى التمويل الخارج وأن الإنتاج وكافة المجهودات المبذولة ذاتية حتى وقتنا الحالي، ولكن مع الوقت أصبح لـ “تياترو الصعيد” جمهورًا واسعًا وهذا ساعدهم قليلًا، ولكن ما زال الإنتاج ذاتيًا في أغلب الوقت، فعدم وجود جهة تمويل ثابتة من أكبر التحديات التي تواجههم.
أكمل أن مشاركة الفتيات في التدريبات و”البروفات” حتى وقتٍ مُتأخرٍ كان عائقًا كبيرًا بالنسبة لهم خصوصًا في محافظة صعيدية مثل المنيا، بالإضافة إلى اعتقادهم الخاطئ أن المسرح للفتيات يعني رقص، وأن البنت ستُصبح راقصة إن ذهبت للمسرح، ولكن وصلت الآن نسبة الفتيات المُشتركات في فرقة “تياترو الصعيد” إلى حوالي 60% من العدد الأساسي، وجاء هذا بعد دعوة الأهالي لحضور العروض المسرحية ومُشاهدة نتاج التدريبات المُستمرة لأيامٍ طويلة، فأدرك الكثير منهم في نهاية الأمر أهمية محتواهم الفني، وفتيات كثيرات التحقن بالفرقة بعد هذا الأمر، وأنهم أصبح لديهم الآن “تياترو كيدز” لتعليم الأطفال وتدريبهم على التمثيل وتقديم عروض موجهة للطفل من خلال مُمثلين أطفال.
أضاف أن أغلب العروض المُقدمة تكون نتاج ورش كتابة يقوم بها أعضاء الفرقة، وتتناول وتُناقش مشكلات تخص المنيا والمجتمع الصعيدي، وأن لا زال تقبُل وجود العروض المسرحية ومشاركة الفتيات فيها مشكلة عند نسبة ليست بقليلة من أهالي المنيا، ولكنهم استطاعوا تغيير آراء وأفكار الكثيرين، ولديهم أملًا أن تتغير تلك الأفكار قريبًا، موضحًا: “عندنا أمل إنه مع الوقت الناس كلها تبقى مصدقة فينا وفي الموضوع ده”.
تابع أنهم يعملون الآن على مشروع “حاضنة تياترو الصعيد” للفرق المُستقلة، فبعد أن بدأوا في ٢٠١٤ تتابع تكوين وإنشاء الفرق من بعدهم، والذين يواجهون نفس التحديات والمشاكل التي واجههوها هم في بدايتهم، لهذا قرروا توفير الدعم اللازم وكافة المساعدات لتلك الفرق، من خلال البحث عن جهات تمويل خارحية لمساعدة الفرق الجديدة، وتقديم ورش دعم فني يقوم بها رواد كِبار في مجالات فنية مُتعددة.
أكمل أنهم نفذوا تدريبات مع أسماء مهمة في عالم الفن، مثل المخرجة عبير لطفي، والمُدرب سامي داوود، والمؤلف والمخرج محمود جمال الحديني، والفنان أبو بكر شريف، والمُدربة طاهرة طارق، وإيمان زكي، والذين يُقدمون تدريبات في الإخراج المسرحي، التمثيل، السينوغرافيا، والإدارة الثقافية لتعليم الفنانين والشباب كيفية بناء فريق العمل، البحث عن تمويلات، وكيفية المحافظة على الفرق واستمرارها، بجانب التكنيكات الفنية.
أضاف أنهم يعملون أيضًا على مشروع بعنوان “صحارة” وهى كلمة من التراث الصعيدي، وهى عبارة عن خزنة مصنوعة من الخشب يتم من خلالها حفظ مخزون الطعام والأشياء القيَّمة، وأن اختيارهم لهذا الاسم جاء من نفس فكرة عمل “الصحارة” فالفنون أيضًا تحتاج إلى مكان يحفظها للعمل فيها والمحافظة على بقائها، وهذا المشروع بالتعاون مع الصندوق العربي للتنمية والفنون بلبنان “آفاق”.
وبسؤاله عن أحلام ورغبات “تياترو الصعيد” في المستقبل، أوضح “صابر”: “نفسنا نتشهر أكتر والناس تبتدي تشوفنا وتشوف احنا بنعمل إيه، احنا شاركنا في مهرجانات كتيرة في أكتر من محافظة، لكن رؤيتنا وهدفنا إن الناس تشوفنا هنا في المنيا، إن الناس تعرف إن في مسرح بيتعمل في المنيا وبيقدم عروض وفنون مختلفة”.