الذكاء الاصطناعي
رباب طلعت
على هامش فعاليات الدورة الثامنة عشر لمعرض مكتبة الإسكندرية للكتاب، شهدت مكتبة الإسكندرية أمس الاثنين، ندوة هامة حول الذكاء الاصطناعي، تماشيا مع الجدل الدائر حول تطوره ومخاوف الكثيرين منه، وقدم الندوة نخبة مميزة من ذوي الخبرة العلمية والحقوقية في ذلك المهام وهم: الأستاذ الدكتور حسين أمين، مدير مركز كمال أدهم بالجامعة الأمريكية، والأستاذ الدكتور محمد زهران، أستاذ هندسة وعلوم الحاسب بجامعة نيويورك، والدكتور محمد حجازي، مستشار غرفة صناعة المعلومات وخبير التشريعات الرقمي، والأستاذة مها بالي، أستاذ ممارس بمركز التدريس والتدريب بالجامعة الأمريكية، وسلمى الغيطاني، مساعد تنفيذي بمركز كمال أدهم، وأدار الندوة أحمد عصمت، مدير منتدى الإسكندرية للإعلام واستشاري تكنولوجيا الإعلام والتحول الرقمي.
ناقشت المنصة العديد من الأمور الهامة حول مستقبل الذكاء الاصطناعي، وسط حضور كبير، كان أبرز ملامحه وجود عدد كبير من مواليد الألفينات، شباب وأطفال، ممن كانوا حريصين على التعرف أكثر عن مستقبلهم الوظيفي والمعيشي في عصر الAI.
وفيما يلي نحاول رصد أبرز محاور الجلسة، وكيف يرى المختصين تأثير الذكاء الاصطناعي علينا وعلى حياتنا ومستقبلنا.
هل يفقدنا الذكاء الاصطناعي وظائفنا؟ هل تتحكم فينا الروبوتات؟ هل نحن في عصر الآلة؟ هل تحولت الآلة لوحش يلتهم الإنسانية؟ هل خصوصيتنا وآماننا الرقمي والحياتي في خطر؟ كل تلك المخاوف والتساؤلات وصفها د. حسين أمين بأنها مخاوف طبيعية لأي تطور تقني عاصرها بنفسه في بداية دخول الكمبيوتر في مصر، وبعدها انطلاق القمر الصناعي نايل سات الذي شارك فيه، لافتًا إلى أن البشر يميلون للتخوف من كل ما هو جديد عليهم، مؤكدا أن الأمر لا يستحق كل ذلك القلق، فاي تطور له مميزاته وعيوبه، ويجب النظر للميزات، ومحاولة تفادي العيوب.
ووافقه في الرأي د. محمود حجازي، الذي وصف الذكاء الاصطناعي بأنه سكين ذو حدين، فالسكين له استخدامات عدة مفيدة، ولكن يمكن أن يساء استخدامه بالقتل مثلا، مؤكدا على ضرورة صياغة قوانين حديثة خاصة تلك المتعلقة بالحقوق الأدبية للحفاظ على مصالح أصحابها، وأكد أن للكثيرين الحق في تخوفهم من الاستخدامات السلبية للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا التي تستخدمه، ومن أهم تلك الأمور بجانب الحقوق الفكرية، مسألة “المسؤولية على من تقع؟” إذ ما حدث حادث ما أو اتخذ الذكاء الاصطناعي قرار أضر بصالح إنسان أو حتى أودى بحياته؟
وفي تلك النقطة تحدث أيضا د. محمد زهران، الذي أعطى مثالين يعكسان مدى خطورة ذلك الأمر، أولهما حادث اصطدام إحدى السيارات آلية القيادة، والتي اصطدمت بشاحنة كبيرة، وجدوا أن السبب في ذلك هو أن نظام الذكاء الاصطناعي لم يتم تزويده بمعلومات ومقاييس تلك النوعية من السيارات، حيث إن هناك فراغ بين لوحة الشاحنة، وجسمها، رآه الجهاز الحساس للسيارة على أنه فراغ، فاصطدمت بها.
وعن الافتراضية الأشد خطورة من ذلك، هو “ماذا لو وقع الذكاء الاصطناعي في خطأ طبي أودى بحياة إنسان؟”، وهنا أكد أنه قادر على تشخيص الأمراض بشكل صحيح بنسبة ٩٨% مقابل ٩٢% للطبيب البشري، ولكن نسبة ٢% الخطأ للآلة تتجاوز خطورتها نسبة ٨% للطبيب البشري، فهي أخطاء قاتلة.
وعن سبب تمكن أنظمة الذكاء الاصطناعي في التعرف على الأمراض بشكل أفضل من البشر، خاصة المتعلقة بالأشعة والتحاليل، قال لأنها قادرة على التصنيف بشكل جيد جدا، نظرا لتمرينها على ذلك من خلال إعطائها مئات الأشعة السليمة والمريضة، فتبدأ في المقارنة واتخاذ القرار، ولكن على من تقع مسؤولية ذلك القرار؟ موضحا أنهم لاحظوا في المعامل أن الروبوتات التي تم الدفع بها لعلاج المرضى وقت جائزة كورونا، بدأت بالتعاطف مع المرضى وآلمهم، والتخوف الأكبر هو أن ذلك التعاطف يدفع الآلة لقتل المريض، لترحمه من تلك الأوجاع، وأعاد السؤال “من هنا المسؤول؟ على من تقع المسؤولية القانونية؟ هل للمبرمج؟ أم الشركة المنفذة للنظام؟ أم الطبيب الذي يشرف عليها؟”، وهو ما طرحه د. حجازي مؤكدا على ضرورة وضع قوانين جادة تنظم تلك الأمور، لتحديد من المسؤول في مثل تلك الأمور.
من أكثر المخاوف التي تحدثت عنها المنصة هي فكرة الخطر المحيط بالكثير من الوظائف، وقد أكدوا أن تلك المخاوف حقيقية، ولكن في المقابل فإن أنظمة الذكاء الاصطناعي تتيح وظائف أخرى حديثة.
على سبيل المثال، ما ذكره د. زهران في مجال هندسة البرمجيات، من الممكن أن تختفي مهنة البرمج نظرا لأن تطبيقات مثل chat gpt يمكنها كتابة أي كود تطلبه منه، ولكن ستظهر مهنة جديدة، تحتاج لأن يتقن صاحبها كيفية إجراء سؤال صحيح على chat gpt ليعطيه الكود الصحيح المناسب لطلبه، مؤكدا أن أغلبية الوظائف سوف تعاد صياغتها من جديد في عصر الذكاء الاصطناعي، وستظهر الكثير من الوظائف التي تحتاج لمهارات أكثر من سابقتها، وذكاء أعلى.
وتعليقا على ذلك قال .أمين، ود. حجازي، أن المستقبل سيكون مفتاح لمن يستطيع تعليم نفسه ذاتيا بشكل أسرع، ويمكنه التعامل مع التطورات التكنولوجيا.
في سياق متصل وفي الحديث عن الوظائف، تحدثت سلمى الغيطاني عن الصحافة والإعلام، المجال الأكثر تخوفا على وظائفه من الذكاء الاصطناعي، خاصة في عصر عدم الثقة في وسائل الإعلام.
وقالت الغيطاني، أن مجال الصحافة يعاني تحديا كبيرا أمامه، فبجانب إتقان الصحفي لمهارات الصحافة التقليدية، بات ضروريا أن يتعلم كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتيسير أعماله، مثل أدوات تحرير الصورة والفيديو، وتحويل الصوت لنص والترجمة ومراقبة تفضيلات الجمهور، والإحصاءات وما إلى ذلك، فالصحفي الذي ينجح في استغلال الذكاء الاصطناعي لن يخسر وظيفته بل على العكس، سيحتفظ بمكانه، ويطور منه، وذلك على حساب الصحفي الذي لا يواكب ذلك التطور.
وعن تأثير الذكاء الاصطناعي في المجال، قالت إن الأمر الأخطر من الوظائف هو تأثير الذكاء الاصطناعي على مصداقية الصحافة وثقة الجمهور في الأخبار، التي تصنعها الآلة، مشيرة إلى أن هناك تجارب إعلامية غربية بدأت بالفعل في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تحرير بعض الأخبار، وقراءتها.
واستشهدت بتجربة أحد المجلات الأجنبية، التي عينت نظام AI لقراءة النشرة، وحدث به ثغرة ما جعلته يقرأ على المستمعين حوادث مفبركة لم تحدث في الواقع، والمشكلة الحقيقية، أن إدارة الموقع وجدت أن الجمهور صدقها، ولم ينتبه أنها كاذبة، أي أنه نجح في خداعهم، وذلك يشكل خطرا على المصداقية.
وعن تعميم تجربة الذكاء الاصطناعي، أوحت إلى أنه من الممكن أن نصل إلى مرحلة تسويق بعض المواقع الصحفية بأنهم ينتجون قصص أخبار بيد بشرية فقط، بسبب ندرة ذلك الأمر، لافتة إلى أن المؤسسات لم تعمم بعد تلك التجربة، نظرا لفقر الموارد المالية، وعدم قدرتها على تحمل أعباء تلك الأنظمة، خاصة في مصر، بجانب عدم وجود كفاءات صحفية تستطيع التعامل مع الذكاء الاصطناعي بشكل جيد، غير بعض الاجتهادات البسيطة من الصحفيين.
وأشارت إلى نفس مخاوف المتحدثين عن حقوق الملكية الفكرية، متسائلة “لو لجأ الصحفي للذكاء الاصطناعي لكتابة القصة الصحفية، وكتبها له بناء على الاقتباس من أعمال صحفية سابقة لزملاء آخرين عن نفس الموضوع فلمن تنسب حقوق ملكية القصة؟ للصحفي الذي راجعها؟ أم للتطبيق الذي كتبها؟ أم المصادر الحقيقية للقصة التي لا يذكرها البرنامج؟
وفي بارقة أمل أكدت أن الذكاء الاصطناعي لا يستطيع توليد قصص جديدة، فكل ما يفعله هو البحث عن قصص سابقة عن نفس الخبر أو الموضوع ويجمعها ويسردها في قصة، وذلك يحفظ للصحفيين تميزهم الطبيعي بانفرادهم على الحصول على قصص جديدة وأخبار هم من أول من يتحدث عنها، والأمر نفسه ينطبق على الكتاب والمؤلفين.
وتعليقا على نقطة حقوق الملكية، قال د. حجازي، إن في مصر وكثير من دول العالم قانون يمنع الاقتباس من أي عمل أدبي، للحفاظ على حق كاتبه، وورثته، مما يحافظ على مستحقاتهم المادية، وذلك ينطبق على الصحافة، والأعمال الأدبية بالطبع، وهناك قوانين قيد الدراسة في مصر لتطبيقها في هذا الصدد، وخاصة بأمور الذكاء الاصطناعي.
هل الجميع يجب أن يتعلم الذكاء الاصطناعي؟ ومن يستخدمه وكيف؟
إجابة على ذلك السؤال، تحدثت د. مها مدبولي، عن بعد في محاضرة تفاعلية شارك فيها الجمهور بالإجابة على تساؤلاتها، قائلة، إنه يجب تشكيل وعي معلوماتي بالذكاء الاصطناعي، لدى الطلاب، والكبار أيضا، الأمر الذي أكد عليه دكتور حسين أمين، مؤكدا أنه بدأ بالفعل في رسم ملامح مبادرة في مصر لتعليم الذكاء الاصطناعي في مراحل التعليم الأساسية والجامعية ما وصفه مدير الجلسة أحمد عصمت بأنه “يقود ثورة عملية جديدة في التعليم بمصر”.
في سياق متصل، أكدت مها مدبولي، على أهمية معرفة من يمكنه استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وأبرزها chat gpt الذي بات حديث العالم كله مؤخرا، لافتة إلى أن الخبير في مجاله مثلا هي كمعلمة يمكنها أن تتعرف على المعلومات الخاطئة والصحيحة في مجالها بسهولة، فيمكنها استخدامه لوعيها وقدرتها على التميز ما بين الصحيح والخاطئ، بينما يصعب ذلك على طالب حديث التعلم في المجال، نظرا لأنه من الممكن أن يضمن معلومات خاطئة في بحثه، لاعتماده على الذكاء الاصطناعي الذي لا يزال عاجزا عن تدقيق المعلومات، والسبب الرئيسي في ذلك هو عدم قدرته على الولوج لكافة البيانات في العالم، مضيفة، أن بعض الطلاب ممن لديه وعي نسبي يمكنه الاستعانة جزئيا به، ولكن البعض الآخر لا.
ومثالا على فكرة تضليل الذكاء الاصطناعي، وخطورة الاعتماد عليه في الأبحاث، قالت إن الذكاء الاصطناعي عنصري، نظرا لأن أغلب المعلومات التي يحصل عليها من أجانب، ذكور، وبيض، مما شكل لديه وعي عنصري، يمكنه التغلغل في أفكار مستخدميه ممن ليس لديهم الإدراك الكافي بالمعلومات، فمثلا، إذا طلب أحد الطلاب من chat gpt، بحثا عن ثورة ٢٣ يوليو، فذلك الطالب من الممكن أن يقع ضحية التزييف، نظرا لأن الحقائق تختلف باختلاف مصادرها، فالمصادر الأجنبية لها وصف مختلف تماما للثورة عن المصادر العربية، وكذلك في كثير من الأمور الأخرى، خاصة مع ندرة المعلومات العربية، لصعوبة التعامل مع اللغة العربية.
وتعليقا على نفس الفكرة، قال د. زهران أنه سأل تطبيق جوجل مفتوح المصدر “بوند” الشبيه ب chat gpt، عن اسم مدير مؤتمر هو رئيسه، فقال له اسم رئيس سابق، فتواصل مع أحد مدراء Google وهو صديقه مازحه قائلا إن التطبيق أجابه إجابة اعتبرها “شتيمة”، وفهم منه أن التطبيق تم إطلاقه لمنافسة chat gpt ولم يكن تأكدوا من صحة معلوماته بعد بمبدأ “شغال نزله” على حد تعبيره، وذلك ما تفعله الكثير من شركات الذكاء الاصطناعي، حيث يتم إطلاق البرنامج قبل التأكد من صلاحيته.
ورجوعا لفكرة هل الجميع يجب أن يتعلم الذكاء الاصطناعي؟ قال د. زهران “لا” فالذكاء الاصطناعي هو أحد فروع علوم الحاسب والبرمجيات، وبلوغه ذلك القدر من الأهمية حاليا، لا يعود لتطوره هو فقط، فما نراه منه الآن متواجد منذ ثمانينات القرن الماضي، ولكن ما حدث هو تطور “الهاردوير” الأجهزة التي يعمل عليها الذكاء الاصطناعي، ما مكنه من إطلاق مارده، ما يعني أننا في حاجة لمن يتعلم علوم الحاسب والهاردوير بجانب الذكاء الاصطناعي، وأيضا علوم اجتماعية جديدة تدرس تأثيره على البشر، بجانب العلوم الإنسانية التي لا غنى عنها، فالآلة لن تعمل وحدها أبدا.
اتفق المتحدثين على منصة الندوة، على إجابة ذلك السؤال، بأنه سلاح ذو حدين، فهو يجعل التزيف أسهل، والخداع أكثر، لكنه وسيلة جيدة لتسهيل الحياة، وللتغلب على مشاكله، لابد من وضع قوانين واضحة لردعه، مع زيادة الوعي المجتمعي نحوه، واستخدامه.