مريم عبد الحافظ أسامة أنور عكاشة
“أنا مدين للمكان والزمن والشخصيات.. أنا السؤال والجواب.. ولا يا حمو التمساحة يلا.. الحياد في الفن أكذوبة.. ساعة ما نعرف إحنا مين، هنعرف إحنا عايزين إيه.. أنا كنت بحاول أعمل عملية رصد اجتماعي لها خلفية تاريخية”.
هكذا، وبمزيج من أقواله وكلمات أشهر أعماله الفنية المحفورة في قلوب المُشاهد العربي، قرر المخرج إبراهيم السيد، أن يبدأ فيلمه الوثائقي عن أحد أهم أعمدة الدراما المصرية؛ والذي يُعد كنزًا من الكنوز الثقافة والفنية لمصر؛ الكاتب والروائي أسامة أنور عكاشة.
عرضت قناة الوثائقية، أمس الأحد، الجزء الأول من الفيلم الوثائقي الذي يتحدث عن حياة الكاتب والروائي أسامة أنور عكاشة، والذي رحل عن عالمنا في 28 مايو 2010، بعد رحلة ثرية بالأعمال الفنية الخالدة في التاريخ، والتي ما زالت حية معنا حتى الآن بالرغم من وفاته.
شارك في الفيلم عددًا من الكُتاب، النُقاد، والفنانين، بالإضافة إلى ابنته نسرين عكاشة، والذين ساهموا في سرد قصة حياة ورحلة صعود أسامة أنور عكاشة إلى قمة هرم الدراما المصرية، وفيما يلي يرصد لكم إعلام دوت كوم أهم ما تم تناوله:
تناول الفيلم حياة الروائي أسامة أنور عكاشة منذ أولى لحظات معاناته عندما فقد والدته التي رحلت عنه قبل أن يتجاوز الـ 7 من عمره بسبب مرضها، ونظرًا لتعلقه الشديد انعزل في غرفة مهجورة ومكث فيها عدة سنوات بين الكتب التي شكلت شخصيته ورسمت ملامحها، الكتب التي كانت تأتي لوالده التاجر الكبير ليحتفظ بها في هذه الغرفة، ومن ثم يجد الطفل أسامة سلوانه وهدوء نفسه في مُطالعة كتب الأدب المختلفة.
ومن بعد صدمته الأولى في رحيل أول من تعلق بها فؤاده، تعرض لصدمة زواج والده، ليكتشف فيما بعد أن قرار والده في الزواج من هذه السيدة كان قرارًا صائبًا، فكانت نِعمَّ العوض السخي لما لاقاه من آلام الفراق، لتُصبح فيما بعد هذه المرأة البسيطة سببًا في ثورة درامية سعت لتغيير نظرة المجتمع لزوجة الأب.
وبين أكوام الكتب المرصوصة والهدوء السائد في الغرفة المهجورة، لم يستطع كسر هذا الصمت سوى صوت الإذاعي محمد محمود شعبان، والشهير بـ “بابا شارو”، ليُقرر الطفل أسامة مُراسلة برنامجه الإذاعي المُفضل “الأراجوز علي لوز” بقصة من تأليفه، سماها “المغامرة العجيبة”، لتكون تلك هى المرة الأولى التي أُذيع فيها اسم الكاتب أسامة أنور عكاشة عبر الإذاعة المصرية.
ترك أسامة بلدته بعد بلوغه سن الشباب ورحل إلى القاهرة، والتي ذكر الوثائقي أنها استطاعت بأحداثها المتنوعة تشكيل شخصيته الفنية، ليلتحق بقسم الدراسات الاجتماعية والنفسية بكلية الآداب، جامعة القاهرة.
وفيما بعد، كتب أسامة أنور عكاشة أول مجموعة قصصية له والتي لم تُحقق النجاح الجماهيري الذي انتظره، ولكنها وقعت بعد ذلك في يد الكاتب سليمان فياض، واختار منها قصة قدمها للتليفزيون كـ سهرة، ونصحه بالتفرغ للكتابة للأعمال التليفزيونية، وبالرغم من إصراراه في بداياته على كتابة الأدب، ولكنه أدرك فيما بعد قوة التلفاز وقرر أن يكون هو الأداة التي سيصل من خلالها تأثيره إلى عموم الجمهور.
حاول الكاتب أسامة أنور عكاشة جاهدًا في تقديم حياة كريمة لعائلته، وتنقل بين عدة وظائف حتى قرر السفر إلى الكويت التي يستطع المكوث فيها بعيدًا عن عائلته سوى شهران، مُتخذا قرار العمل في المجال الذي يقتنع به بالرغم من معرفته أنها مُغامرة، ولكن الأمر يستحق وقد كان.
ليُرسل له القدر تأكيدًا على صحة اختياره، مع المخرج فخر الدين صلاح الذي يعتبره الكثيرون المُحرض الأول لدخول أسامة أنور عكاشة واتجاهه للعمل في الدراما، فبعد قرائته لمجموعته القصصية الأولى نصحه بتحويلها إلى سيناريو، وكان هذا بمثابة الحجر الأول الذي وضعه في حائط أعماله الدرامية.
روت ابنته نسرين عكاشة، عن مقابلته بالكاتب والأديب يوسف إدريس، والذي قام بتشجيعه وطمأنة خوفه من الاستمرار في هذا المجال بعد عدة تجارب بسيطة في الدراما.
ومن بعد ذلك شهد أسامة أنور عكاشة سياسة الانفتاح الاقتصادي، الذي يُعد حدثًا محوريًا وفارقًا في حياته، فيكاد يكون مكث معظم عُمره يواجه، يُحلل، ويُجاهد ما أسفرت عنه هذه السياسة، وتميز بإيمانه بقوة الجماعة التي تستطيع التصدي لمشاكل وقضايا مجتمعية مختلفة، وتجلى هذا بوضوح في أعماله التي حاربت انهيار القيم، وجعلت من الجماعات قوى حقيقة تقف شامخة لمُجابهة ما تواجهه.
بينما روت الفنانة إلهام شاهين عن النقلة التي قدمها لها دور “نجفة” في مسلسل “وقال البحر”، فبعد مشاهدة الفنان عادل إمام لهذا العمل، رشحها لدور “وردة” في فيلم “الهلفوت” والذي يُعد بداية دخولها عالم السينما.
وفي نفس السياق، تحدثت الفنانة صابرين، عن رغبة أسامة أنور عكاشة القوية في قيامها بدور “ليلى” في مسلسل “أبو العلا البشري”، وذلك بالرغم من عقد الاحتكار الذي كان يربطها بإحدى شركات الإنتاج، لكن رأي “عكاشة” من نُفذ بالأخير وفُسِخ العقد، لتُشارك صابرين في واحدًا من أهم الأعمال الدرامية.
يُعتبر قرار أسامة أنور عكاشة في الاستقالة من وظيفته الحكومية، قرارًا أدى إلى تغييرًا جذريًا في حياته، اتخذه للتفرغ التام للكتابة والتأليف ليُقدم في العام التالي لهذا القرار تحفته الروائية “جذور السماء”، والتي عرفها الناس بـ اسم “الشهد والدموع”، وهو العمل الذي صنع نجوميته الحقيقية وخلق الرابط القوي بينه وبين الجمهور.
لتتوالى أعماله فيما بعد ويُقدم لنا رائعته الأدبية “ليالي الحلمية”، والتي اعتبرها الكثيرون السلسلة الدرامية الأنجح والأقوى عبر تاريخ الدراما المصرية، والتي تعلق بها الجمهور بشكلٍ غير اعتيادي، وناقشت العديد من القضايا المجتمعية والسياسية، وأرخت الحركة العُمالية في مصر، لتصنع “ليالي الحلمية” فارقًا في المسيرة الفنية لكافة القائمين عليها.
استطاع الكاتب والروائي أسامة أنور عكاشة، الانتصار لجانب المرأة من خلال أعماله التي قدمتها في صورة الشخصية القوية التي تحاول جاهدة مواجهة العالم وتغييره، وجعلها قادرةعلى استرداد قوتها وعرشها في أعمال مثل: “ضمير أبلة حكمت، عصفور النار، أنا وإنت وبابا والمشمش، النوة، والراية البيضا”.
فقد تحدثت الفنانة لوسي عن رؤيتها لتناول وطرح قضايا النساء في أعمال أسامة أنور عكاشة، واعتقادها بأنه أعطى لنساء العالم حقهُن باختلاف شخصياتهن فمنهن القوية، المتسلطة، الرومانسية، الضعيفة، المسكينة، الغنية، المتوسطة، الشعبية والارستقراطية، والمتعلمة وغير المتعلمة.
وهكذا، استطاعت عدة دقائق أن تعود بكل من شاهدها إلى الوراء، لتسترجع ذاكرته مشهد تجمع العائلة المصرية قديمًا أمام التلفاز فور سماع أولى نغمات تتر “ليالي الحلمية، الشهد والدموع، أبو العلا البشري، أو الراية البيضا”، وغيرهم الكثير من الروائع التي قدمها لنا الكاتب والروائي أسامة أنور عكاشة، الذي لم ولم يتكرر أبدًا.
يُذكر أن الفيلم الوثائقي “أسامة أنور عكاشة.. تأليف وسيناريو وحوار” من سيناريو وإخراج إبراهيم السيد، وإعداد نسمة تليمة، كتابة تعليق بلال مؤمن، وقراءة تعليق حسن الشاذلي، ومن قطاع الإنتاج الوثائقي بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.
وشارك فيه المذيعة نسرين عكاشة، الناقدة الفنية ماجدة موريس، الكاتب الصحفي عبد اللَّه الشناوي، الناقد السينمائي أسامة عبد الفتاح، الكاتب والصحفي سيد محمود، الناقد الأدبي حمدي عبد الرحيم، الكاتب والسينارييت مجدي صابر، الفنان عبد العزيز مخيون، والفنانة إلهام شاهين، صابرين، ولوسي.