من روائع المسـرح الإيطالي اختار الدكتور محمـد عبد المنعم، المخرج المسرحي الشاب وأستاذ التمثيل والإخراج بقسم المسـرح جامعة الإسكندرية النص المسرحي “جريمة في جزيرة الماعز” من تأليف أوجوبتي، وترجمة سعد أردش، وقام بإخراجه على مسرح مكتبة الإسكندرية بطولة طلاب قسم المسرح.
وعن أسباب اختياره هذا النص يقول دكتور محمـد عبد المنعم: “استشعرت داخل هذا النص حالة إنسانية روحية استثنائية تصور معاناة المرأة في غياب الرجل وكذلك في وجوده، كما وجدت جريمتين داخل النص إحداهما (الجريمة الدموية) التي تصور موت المتشرد “أنجلو”، والأخرى (الجريمة الأخلاقية) التى تصور استغلال الرجل لاحتياج المرأة إليه؛ فاستبعدت الجريمة الدموية، واقتنصت خط الجريمة الأخلاقية جنباً إلى جنب مع معاناة المرأة ونسجت من ذلك كله توليفة درامية مسرحية متشابكة كى أعالج مأساة إنساننا المعاصر”.
قام ببطولة العرض فيولا فايز في دور الأرملة “أجاتا”، أميرة على في دور العمة “بيا”، باسنت فتحي في دور الإبنة “سلفيا”، وائل لاشين في دور الوافد الغريب “أنجلو”، العرض دراماتورج وأشعار ياسر أبو العينين، رؤية تشكيلية م. وليد السباعي، إضاءة/ إبراهيم الفرن، موسيقى وألحان محمـد شحاتة، كوريجراف/ محمـد صلاح، إعداد موسيقي وتنفيذ/ محمود فيشر، تصميم بوسترات ودعاية / أحمد نوفل، إدارة مسرحية / محمود سعيد ومحمـد خميس طلاب قسم المسرح، مخرج مساعد/ محمد الجوهري وأحمـد فهمي طلاب قسم المسرح.
كما قام بتصميم إضاءة العرض الفنان إبراهيم الفرن، ساحر الإضاءة المسرحية في مصر والوطن العربي، وقد أبدع كعادته في وضع لمسات ساحرة عبر مساقط الضوء بألوانها المختلفة احتوت مسارات العرض كلها وشكلت نقط ارتكاز مهمة تفسر فلسفة المخرج ومقولاته. وليست هذه هى المرة الأولى التى يتعاون فيها المخرج المبدع دكتور محمـد عبد المنعم مع مصمم الإضاءة الساحر إبراهيم الفرن بل تعاونوا من قبل فى عرض (لعنة كارامازوف) الذي قدمته الفرقة القومية بالإسكندرية على مسرح قصر ثقافة الأنفوشى من إخراج الدكتور محمـد عبد المنعم، وكان العرض يمثل نقلة نوعية متطورة على مستوى عروض الثقافة الجماهيرية من حيث الجانب الفكري الأيديولوجي، والجانب الفنى التقنى الإبداعى، فضلاً عن مستوى التكنيك إخراجاً وتمثيلاً ورؤية بصرية سينوجرافية، كعادة المبدع محمـد عبد المنعم فى كل عروضه المسرحية.
ارتكزت خطة الإضاءة فى عرض (جريمة فى جزيرة الماعز) على محاور عدة: (أولها) إنارة قطع الديكور عبر أحزمة ضوئية مسلطة على قطع ديكورية منظرية محددة، كتركيزات من “اللون الأبيض” المسلطة على البئر الصخري لتكشف ملامح القدم التي تطوقه، كما تكشف مدى صلابته ونضوب أو جفاف الماء بداخله؛ مما يعطى إيحاء واضح بأنه أشبه بالمقبرة التى تقبض روح كل من يسقط بداخله. وتركيزات من أحزمة “الضوء الأحمر” مسلطة طوال مدة العرض على واجهة العشة التى تعيش بداخلها النساء الثلاثة للإيحاء بتأجج الرغبة الجنسية بداخلهن نتيجة الحرمان من الرجال.
(ثانيها) إنارة الأحداث الدرامية وبلورة دلالاتها عن طريق فرشات ضوئية زرقاء تغرق منصة التمثيل فى مشاهد الألم النفسى والجمود العاطفي. وفرشات ضوئية حمراء تنتشر فوق خشبة المسرح فى مشاهد الشبق والرغبة الجنسية أو مشاهد الاغتصاب والصراع والتحدى بين الشخوص. فضلاً عن إغراق منصة التمثيل بالضوء الأبيض “إنارة عامة” فى مشاهد المكاشفة والمصارحة بين الشخصيات، ومشاهد التعامل اليومى العادية بين النساء الثلاث.
(ثالثها) تشكيل فضاءات منصة التمثيل باستخدام بقعة ضوئية بيضاء اللون ترتسم فوق أرضية خشبة المسـرح تحتضن مشاهد الضعف والاشتياق التي تجسدها الأرملة أجاتا حين كانت تحكى لأنجلو عن كرهها لزوجها الذى خانها. وتحتضن مشاهد المواجهة والمكاشفة بين الإبنة سلفيا وأمها أجاتا حين تخبر سلفيا أمها بأنها تعلم بحقيقة علاقتها غير الشرعية مع الوافد الغريب أنجلو ومايتردد على ألسنة الناس إزاء هذا الأمر. كما تحتضن الشخصيات الأربعة فى الختام حين تتحول النساء إلى عنزات تسير على أربع ويتحول أنجلو إلى بوهيمى شيطانى المظهر يتلذذ بإذلال هؤلاء النسوة ويصب عليهن شراب الويسكي في مشهد رائع مدهش انفجرت له جماهير الصالة تصفيقاً.
(رابعها) الإضاءة الجانبية التى وظِفَت فى مشهد المكاشفة والمواجهة بين سلفيا وأمها أجاتا، وكانت تلتقط وجه الأم أو الفتاة يميناً ويساراً فى تلاحق بصرى سريع أثناء احتباسهم داخل بقعة الضوء المرسومة على أرضية خشبة المسرح؛ مما ساهم وإلهاب أجواء الإثارة والتوتر التى صممها المخرج لهذا المشهد فى إيقاع حركي صوتي لاهث.
(خامسها) الخفوت الضوئى الذى استُخدِم في لحظات محددة كما فى مشاهد العنف التي مارسها أنجلو على الأرملة أجاتا. أو مشاهد القسوة التي مارسها أنجلو مع الفتاة سلفيا لحظة تجسيده كيفية اغتصابها وإنضاج أنوثتها أمام أمها “أجاتا” وعمتها “بيا”.
فضلاً عن المؤثرات البصرية الأخرى التى وظفها إبراهيم الفرن عبر تطور أحداث العرض ليضيء المغزى الدرامي، ويستبطن معاني الشخصيات ورمزياتها بمهارة فائقة؛ فكان عنصر الإضاءة المسرحية فى هذا العرض بمثابة عنصر إيجابي فاعل في سياق الأحداث ساهم في بلورة المعانى واستبطانها في كل لحظة بوعي شديد، كما كان بمثابة أداة نابضة أنضجت مسارات العرض وحققت رؤى المخرج وأهدافه.