حب وتضحية ومعجزات ربانية.. حكايات مؤثرة على هامش حرب أكتوبر

50 عامًا مرت على نصر السادس من أكتوبر 1973، التي بذل فيها أبناء مصر أرواحهم، فعلى الجبهة، وقف الجنود تاركين ورائهم أسرهم، وعملهم، وحياتهم، متطلعين فقط، لنصرة ذلك الوطن الذي يستحق أن يُضحى من أجله بالغالي والنفيس، ليحيا مرفوع الرأس بين الأمم، وبعيدًا عن الجبهة، كان هناك جنود آخرين، من أبناء الوطن الأبطال كل منهم يجاهد بطريقته.

أيام صعبة، مرت على الجميع، خوف وترقب وتضحية وعطاء، حكايات كثيرة، باتت بين ثنايا ليالي الحرب الصعبة، كل منها يستحق أن يُحكى، وفيما يلي نلقي الضوء على بعضها:

الشهيد سيد بسطويسي وصف آخر أيامه في الحرب في مذكراته

وحيدًا في الحرب، بعيدًا عن أخوته وأبيه، متأثرًا بحزنه على وفاة والدته، ثم أخته التي كانت بمثابة أم ثانية له، اختار الجندي سيد بسطويسي القلم صديقًا له، يدون مذكراته، ويصف خلال السطور كواليس الأيام الصعبة التي يعيشها وزملائه في انتظار الموت أو النصر أيهما أقرب.

مذكرات الشهيد، ظلت أسيرة للعدو الإسرائيلي، إلا أن توصل الصحفي محمد الليثي، المتابع للشأن الإسرائيلي إلى منشور لجندي إسرائيلي نشر صفحات من مذكرات الشهيد، فحاول الوصول إليها إلى أن نجح في إعادتها لوطن صاحبها، ونشرها في كتاب باسم "مذكرات شهيد".

وصف الشهيد أيامه الصعبة في الحرب قائلًا: 

"رائحة الموت كريهة، أنني دائمًا أهرب من الجنازات، أهرب من رائحة الموت، ولكن هل أستطيع إذا كنت أهرب من موت الآخرين، أن أهرب من موتي؟.. لو مت الآن سوف أكون أشد حزنًا.. أشعر أن الموت قريب وأنني قد وقعت في المصيدة".

وفي حديث آخر عن شعوره بقيمة ما يفعله من أجل وطنه وشعبه قال: "متى يعود السلام؟ عندما أرى بسمة أطفالهم وعيونهم البريئة، رغم أنهم يعانون من سوء التغذية وملابسهم الرثة، أؤمن بالحرب، عندما أرى ذلك الفلاح يصمم أن يزرع الأرض، ويعيدها على بعد أمتار من عدو ناصب، أؤمن بالحرب، أؤمن بالحرب من أجل الناس، والأرض والحقول والقنال، من أجل الحب، أحيانًا يكون الأرض ضروريًا لاستمرار الحياة".

أنقذته فتزوجها.. قصة حب في حصار السويس بين ممرضة وجندي

للقدر تدبيراته، وشاء الله أن تقابل الشابة سيدة حسن الكمشوشي شريك حياتها ويصيب سهم الحب قلبه، وسط شظايا الحرب، حيث كانت تعمل هي ممرضة في السويس وقت الحصار، وهو حامد دويدار، أحد الجنود الأبطال، والذي أنقذته من إصابته البالغة، فأحبها وقرر البحث عنها ليتزوجها.

فبحسب رواية "سيدة" قالت إنها درست التمريض في منوف، ولكنها تفاجئت بأن قرار تعيينها قبل الحرب كان في السويس، وبرغم رفض والدها في البداية، لأنها فتاة ومن أسرة ريفية، لكنه اقتنع بأهمية دورها، ومهنتها، فتركها تسافر وحيدة، لترى ما لم يكن في حسبان أحد من أهوال الحرب وصعابه، في وقت حرج تزامن مع حصار مدينة السويس الباسلة.

ووقت أدائها لعملها، في إسعاف المرضى حضر حامد إلى المستشفى، مصابًا، فحاولت إنقاذه ولكن المستشفى كانت فقيرة، تعاني من عجز الأدوية ومستلزمات تمريضهم بسبب الحصار، فسعت لنقله إلى القاهرة، ونجحت في ذلك، مع عدد من المصابين الآخرين، ولم تره مرة أخرى، وظل هو يتلقى العلاج في العاصمة، وهي تمارس دورها تجاه المصابين.

بعد انتهاء الحرب وتحقيق النصر، وتكريم الرئيس محمد أنور السادات لها وزميلاتها، قررت سيدة العودة لمنزل أسرتها، لرعاية والدتها بعد وفاة والدها، حيث وافته المنية وهي تؤدي دورها ولم تره، وفي نفس الوقت ذهب هو بعد تعافيه ليبحث عنها حيث ضربه سهم الحب وصمم أن يتزوجها، فلم يجدها.

لم يتوقف حامد عن البحث عنها، حتى وصل إليها ليكلل قصته بالزواج والإنجاب، وتكوين أسرة سعيدة، بدأت قصتها وتغلبت على الموت والحرب.

رحمة الله تنقذ أهالي السويس من الموت عطشًا

ومن بين حكايات سيدة أيضًا، في الفيلم الوثائقي الذي يحمل اسمها، وأذاعته قناة "إكسترا نيوز" كانت لطف الله بأهالي السويس، والجنود المصابين في المستشفيات والطواقم الطبية، حيث اشتد عليهم الحصار، ولم يجدوا ما يروي عطشهم، ففجر الله لهم عين مياه، كمعجزة أعادت الحياة لهم.

وصفت السيدة، تلك العين بأن لها مياه بيضاء نقية، كسرت "بلاطتين" وانفجرت لتروي عطش المدينة المحاصرة، فهرعت إليها لتحضر مياه للمرضى، وظلت تذكر الله وتكبر تعبيرًا عن المعجزة التي رأتها بعينها.

بطولات لسيدات في الحرب

ولا يخفى على أحد البطولات النسائية لمصريات، كانوا هم جنودًا محاربين في مواقعهم، يساندون المحاربين على الضفة، مثل سيدة والممرضات زميلاتها، فقد تطوعت 5000 امراة مصرية لتمريض الجنود وقتئذ، ومنهن قصة تطوع الفنانة تحية كاريوكا، كممرضة، تناضل كالأبطال.

وروى بعض الجنود، العديد من قصص النساء اللواتي قدمن مساعدات لهن، مثل السيدة التي ذبحت 10 دجاجات للجنود، لإطعامهم، ولم تترك لها وأحفادها في المنزل شيئًا، دعمًا لهم.

ومثلها سيدة، روى عنها أنها كانت تحضر لهم الخبز بشكل يومي، وكانوا يخبرونها بأن توفره لها لصعوبة الحصول عليه، إلا أنها أخبرتهم بأن أبنائها جنود مثلهم، فهي تطعمهم كأنهم هم، لبعدهم عنها.

وفتاة أخرى، تبلغ من العمر 20 عامًا، كانت ترافق والدها، لإطعام الجنود يوميًا، يُحضران لهم العيش واللحم وطعام ظلا يجهزانه طوال الليل، حتى إن التعب يظهر على وجههما من شدة السهر.

أما "فلاحة فايد" التي لها دور بطولي في التجسس على العدو، حيث كانت امرأة طلب منها أحد الجنود أن تتجسس على مواقع العدو فحملت طفلها على كتفها واستخدمته في التمويه للعملية المكلفة بها، لتشركه في بطولته دون أن يعي، وأحضرت للضابط المعلومات المطلوبة، ولم تكتفِ بذلك، حيث طلبت منه قنابل لتزرعها وتساهم في القتال كالجنود.

المصحف أنقذه من الموت في المعركة

وقصة أخرى، روتها د. هالة فودة، ابنة اللواء محمد رضا فودة، عن والدها، في تصريحات صحفية، أن والدها كان قاب قوسين أو أدنى من الموت في المعركة، لولا مصحف كان يحمله على صدره، اخترقته الرصاصة، فلم تصل له، وكتب الله له عمرًا جديدًا، واحتفظ بذلك المصحف طوال عمره، حتى أهدته إياها والدتها، وطلبت منها أن تحفظه هي وأبنائها كإرث غالٍ يذكرهم بحرب النخوة والعزة، حرب السادس من أكتوبر.