في تجربة سينمائية مثيرة للاهتمام، يخوض المخرج وليد الحلفاوي أولى تجاربه السينمائية كمؤلف، بجانب الإخراج، بـ فيلم "وش في وش"، بطولة أمينة خليل ومحمد ممدوح، مع عدد كبير من النجوم.
الفيلم تدور أحداثه في ليلة واحدة، بداخل منزل 200 متر، في أعلى عقار من عدة طوابق، يوصد بابه على 12 شخصًا وطفل، من خلفيات اجتماعية وفكرية مختلفة، اقتحم 10 منهم حياة فردين كاد خلافهما أن ينتهي لولا شرارة أوقدتها الأم فتحولت لنار كادت أن تهلك أسرة ولكن القدر يتدخل.. فماذا يحدث؟
وش في وش
تصور سينمائي 1
في أفلام الـSingel Location movie أو الـ"One Room-Set"، التي ظهرت في هوليوود من الخمسينات، دائمًا ما يكون التحدي الأول لمثل تلك الأفلام هو الهروب من إحساس المشاهد بالملل، فلا مناظر مبهرة، ولا ديكورات خاطفة، ولا ملابس مختلفة، الجميع يقف في نفس المكان، إذن فالحدث هو البطل، وغالبًا ما يميل ذلك النوع للإثارة والرعب ولحظات الترقب التي تحبس الأنفاس، على شاكلة متسلق الجبال الذي يعلق على صخرة منتظرًا أحد الخيارين إما الحياة أو الموت في "Hours 127"، أو النجاة من القناص الذي يحبس البطل في كشك هاتف مثل "Phone Booth" أو حتى في متجر يعكس فلسفة صراع البقاء مثل "The Mist"، وفي السينما المصرية كان "بين السما والأرض" الفيلم الذي أدخل به المخرج الكبير صلاح أبو سيف تلك النوعية من الأفلام إلى مصر، وكررها في فيلم "البداية"، ونجح في تقديم كليهما بشكل فلسفي اجتماعي مبهر.
إن لم يفلح الحدث هنا في جذب الجمهور، سواء كان لأنه غير معقد أو بسيط، وليس به الإثارة الكافية للاستمرار، مثل حالة "وش في وش" فهنا يصبح الرهان على السيناريو بشكل أساسي ثم الإخراج وأداء الأبطال، وهو ما حدث في "وش في وش".
فالعمل على الرغم من بساطة العقدة الأساسية للأحداث -حسم مسألة الطلاق بين الأسرتين- نجح في تقديم حوار انتقل ما بين الكوميديا والرومانسية وحتى مناقشة القضايا الاجتماعية ببراعة، فمنذ إطلاق البرومو الرسمي للعمل، وحتى الحملة الدعائية له التي اعتمدت على إشارة الأبطال لرسالته علم المشاهد أنه سيشاهد عملًا يتحدث عن المشاكل الأسرية والطلاق، إلا أن السيناريو والحوار بين الأبطال، شكل عامل الجذب الرئيسي فيه، من البداية للنهاية، لا ينتابك إحساس الملل أبدا لعدة أسباب.
لعل أبرز تلك الأسباب التناغم والسلاسة في الحوار بين الأبطال، ونجاح الكاتب في صياغة الكلمات المناسبة بين كل ثنائي مختلف في العمل مما يبرز اختلاف استخداماتنا نحن كبشر بين المحيطين بنا فحديث محمد ممدوح على سبيل المثال كزوج متعالي تارة مع زوجته وحنون تارة أخرى، يختلف تمامًا عن تحفظه مع والديه في اختيار الكلمات، وانفتاحه التام مع أصدقائه، وكذلك الزوجة وانفعالاتها المتغيرة بحسب المواقف فهي أم حنون هادئة مع طفلها، ومترددة أمام والدتها، ومحترمة مع حماها وحماتها، برغم غضبها الشديد من ابنهم، لتصب أخيرًا غضبها على زوجته، والأمر نفسه مع باقي الأبطال.
الأمر لا يتوقف على ذلك فقط، ولا أيضًا على الانتقال السلس حسب المواقف مثلًا: الهزار وسط الموقف الصعب، ملاعبة الطفل رغم الغضب، الاطمئنان على صحة الآخرين برغم الخلاف، وغيرها، ولكن أيضًا على قدرة الكاتب على وضع مجموعة من الأضداد والشخصيات المتنافرة داخل بقعة واحدة، يعبر كل منهم عن فئة بعينها أو مرجعية فكرية واجتماعية مختلفة.
فسنجد مثلًا على مستوى منزل الزوجين داليا وشريف، سنجد الزوج المنفعل بسبب الأموال التي تنفقها الزوجة على "تفاهات" من وجهة نظره، ولكنها ذات ضرورة بالنسبة لها، لاختلاف بيئة كل منهما، وفي نفس الوقت هو يريد تطبيق تجربة والده ووالدته -القوامة للرجل- وهي تستنكر ذلك لتأثرها بعلاقة والديها -الأم المسيطرة والأب الخاضع-، وهذا نفسه تناقض بين أسرتي الزوج والزوجة أيضًا.
اختلاف الشخصيات أيضًا يظهر في علاقة الأصدقاء، فصديقة داليا، فتاة ترفض الزواج دفاعًا عن حريتها وفي نفس الوقت تبحث عن الارتباط، لذلك تقنع صديقتها بالطلاق لأنها ترفض فكرة الخضوع لسيطرة رجل، ما يثير غضب داليا وتتهمها بأنها تغار منها وتريد أن تخرب عليها حياتها، ولكنها تعود لرشدها وتفهم فكرة اختلاف الأفكار.
أما أصدقاء الزوج، فأحدهم وسط تلك العاصفة يبحث عن التقرب من صديقه الزوجة، وتفريغ رأسه من الشجار بـ"جيم بلايستيشن" مع شقيق الزوجة الذي كان يصارعه قبل قليل، ومعهم الصديق "الفلاتي" الذي لا تحبه الأسرة، ومع ذلك جميعهم أصدقاء يدعمون بعضهم.
يظهر من اختلاف رد فعل صديقة الزوجة، وأصدقاء الزوج وشقيقها أيضًا، طبيعة تعامل الرجال والنساء مع الخلافات على طريقة كتاب" النساء من الزهرة والرجال من المريخ".
التضاد أو الاختلاف الأبرز في العمل، وأحد أهم الخطوط التي تعيد لأذهان المشاهد السجالات الفلسفية في "بين السما والأرض" و"البداية" مثلا، بين الطبقات المختلفة، وقد جسد ذلك الخط الثنائي دنيا سامي ومحمود الليثي، الخادمة والسائق، ففي أحاديث المطبخ يتحدثون عن "الأكابر" الذين يعملون لصالحهم بأنهم منفلتين، وتخبرهم بذلك "شيماء" تحت تأثير الحبوب المخدرة الذي شربته بالخطأ، عندما قالت لوالد الزوج "بيومي فؤاد" بأنه "ديوث" لأنه يترك زوجته دون حجاب، في نفس اللحظة التي تخلع هي فيها "حجابها" دون وعي، وتصرخ بعدها "أنا اتعريت"، وأيضًا كلمة والدة الزوجة أنوشكا، بأن بنتها لابد من أن تحصل على حقوقها لأنها "مش خدامة".
وهنا تحديدًا نجح المؤلف في تسيط الضوء بشكل مبسط جدًا على الاختلافات المجتمعية، بين الطبقات، ونظرة كل منهما للآخر، دون الحاجة لشعارات وجدالات واسعة على طريقة فيلم "الضيف" على سبيل المثال، فلم يلجا "الحلفاوي" إلا لمواقف بسيطة، وعبارات متداولة بالفعل في مساحة صغيرة وليلة واحدة فقط لصنع الحالة.