محمد أبومندور يكتب: دستورك أمانة

في غمار الدراسات العليا طلب من الدارسين إجراء مقارنة بين دساتير الدولة المصرية منذ بداية العهد الدستوري المصري وحتى آخر الدستور الحالي المعروف بدستور 2014 من حيث فاعلية المعاهدات والاتفاقيات الدولية بالنسبة لكل تلك الدساتير. وجد الدارسون أنفسهم امام مهمة مليئة بالقراءة لعدد من الدساتير تبدأ من دستور 1923 والذي أصدره الملك فؤاد في 23 ابريل عام 1923 والذي قام هو نفسه بتعطيله في 30 أكتوبر 1930 ووضع دستور جديد بناءاً على طلب الوزارة الممثلة في رئيسها اسماعيل صدقي (وكان يشغل منصب وزير المالية ووزير الداخلية ورئيس الوزراء في آن واحد).

من المثير في الأمر أن الإعلان عن دستور 1930 شمل أيضاً وضعاً لقانون الانتخابات وتحديد عدد المقاعد النيابية لكل محافظة طبقاً لعدد السكان وشروط التقدم لعضوية البرلمان بغرفتيه، وكذلك آلية عمل البرلمان بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ). ومن الأمور اللافتة للنظر تحديد المخصصات الملكية بمبلغ 150000 جنيه مصري سنوياً والتي وردت نصاً في الدستور.

وجد الدارسين نفسهم أمام كم من المواد التي تشابهت نصوصها منذ العهد الملكي وحتى قيام الجمهورية والتي تمثلت بداية من الإعلان الدستوري الذي صاحب قيام ثورة يوليو في 1952 والذي أصدره القائد العام للقوات المسلحة بصفته رئيس حركة الجيش، والذس أتي بعبارات تعبيريه تصف الوضع السياسي القائم وتبرير حركة الجيش لتطهير البلاد ولا ينطوي على نصوص قانونية أو ما شابه، حيث أنه لا يعدو سوى إعلان لسقوط الحكم الملكي. بعد استقرار حكم ثورة يوليو تم إصدار دستور 1953 والذي جائت نصوصه مشابهة لحد كبير ما كان موجوداً كدستور في العهد الملكي وذلك لعدة عوامل منها أن الأمر متعلق بنفس البلد، وأن من تم استشارته دستورياً كانوا ممن ساهموا أو تتلمذوا على يد من كانوا مشاركين في الصياغة السابقة، ولأن العديد من الأوضاع لم تتبدل وغدت تسري بشكل تلقائي. في دساتير تلت تلك في أعوام 1962 و 1963 كانت هناك بعض المواد الخاصة التي تبرز فيها سطوة النظام القائم وقتها وانعكس في نصوصها التوجه الاشتراكي للبلاد وتزكية كل ما ينحو في هذا الاتجاه، دون رفض صريح للرأسمالية. يستطيع من يقرأ تلك النصوص أن يسمع صوت الرئيس جمال عبد الناصر في رأسه بنبرته المميزة وهو يتلوا القرارات الحاسمة، حيث غلبت نبرة الحزم والصرامة على صياغة المواد الدستورية تلك.

انتقل الدارسون إلى مرحلة تالية ليجدوا انفسهم أمام دستور 1971 والذي وضع مع بدايات حكم الرئيس أنور السادات، ووجدوا نبرة أقل حدة، وأكثر تحديداً. حرص السادات على إلى إعطاء انطباع إنسني هاديْ ومسالم بدا جلياً في وثيقة إعلان ذلك الدستور والموقعة من السادات، وتعمد ابراز قيم الانسانية، السلام، الوحدة العربية، وكرامة الفرد والوطن.

وبالتعريج على عهد حسني مبارك لم يكن هناك سوى تعديلين دستوريين في أعوام 2005 و2007 سيء السمعة والذي عرف بتعديل التوريث، وكان بحق بداية لنهاية حكم مبارك.

وعلى مر تلك الإصدارات المختلقة والتي تتباين في ظروفها من حيث نظم الحكم والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية كان هناك حرص دائم غير منقطع في كل تلك الدساتير على ابراز التزام مصر بكل المعاهدات والاتفاقيات الدولية. مما حدا ببعض تلك الدساتير لوضع مواد تؤكد على استمرارية سريان التزام مصر بتلك المعاهدات والقوانين بوضوح بإقرار سريان نتائج كل ما سبق إصداره من قوانين وإجراءات. في الدستور الحالي يبرز نص المادة الخاصة بالمعاهدات عدم جواز التنازل عن اي من أجزاء إقليم الدولة، كرد فعل لما كان ينوي مرسي عمله من التنازل عن حلايب وشلاتين للسودان وجزء من سيناء لسلطة حماس في غزة.

بعد هذا كله قفز لذهن الدارسين تساؤل لكل من يتوقون لدخول مجلس النواب ويملئون أعيننا بلافتات الدعاية الانتخابية ويصرخون في آذاننا بأغاني الترويج الانتخابي لدعمهم في الانتخابات، بقي في النهاية سؤال هل قرأت دستور بلادك من قبل؟ ولمن سيقومون بالإدلاء بأصواتهم، عليكم بأن تقرأوا دستور بلادكم وأن تعرفوا مدى صلاحية من تنتخبه للحفاظ عليه وتنفيذ ما أتى فيه من مواد.

للتواصل مع الكاتب من هنا 

اقرأ أيضًا:

محمد أبو مندور يكتب : أكتوبر من 42 سنة ‎

محمد أبو مندور يكتب: السارينة الزائفة   

محمد أبو مندور يكتب: صفحات بعيدة عن الأضواء في مشوار نور الشريف

محمد أبو مندور : إعلام “التكاتك” الموازي

محمد أبو مندور: إعلام مؤيد أم معارض

محمد أبو مندور: (طرق مصر).. يرصد، يعرض، يسخر، ويُبكي

.

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا