مجرد سؤال.. هل حقا جيل الفنانين الحالي أقل موهبة وإنتاج من نجوم السينما القدامى مثل أحمد زكي وعادل إمام ونبيلة عبيد وغيرهم؟
رغم أن الأرقام ومستوى الأعمال وتصريحات فناني الجيل الحالي عن أنفسهم يؤكد ذلك، إلا أن ثمة عوامل أخرى ظهرت في معرض المقارنة بينهما ينبيء عن ظواهر مرعبة وخطيرة في الوسط الفني الحالي لم تحدث مطلقا من قبل أفرزها قانون السوشيال ميديا الحاكم بأمره وإحداثيات التعامل معه من قبلهم:
1- الرافضون للنقد:
اتجاه جديد من قبل الفنانين وبالأخص نجوم الشباك، منهم بدا واضحا في التعامل مع انتقادات الجمهور على مواقع التواصل بل والأخطر من ذلك حين وصل الأمر لحد التطاول على فئة النقاد المحترفين عبر تصريحات رسمية.
فمنذ متى ظهر هذا الفيروس في عقل الفنان حين يتصور أن خلف انتقادات أعماله كتيبة من اللجان الالكترونية والكائنات الفضائية والمؤامرات الكونية والخطط الأمنية التي تتجمع لشن الحرب عليه؛ وهل سمعنا ذات مرة أن نور الشريف أو عادل إمام أو أحمد زكي دخل في تراشق لفظي ووصلات سباب عبر الصحف والمجلات أو التلفزيون لأن أحد النقاد هاجم أفلامهم بضراوة؟ ومنذ متى دخلت عبارة (مؤامرة) في المعادلة بين الفنان والناقد؟
والأغرب هو تصريحات هذا الجيل الواعد عن هذا النقد بعدة كليشيهات ثابتة وجاهزة إليك بعضها:
هجوم غير مبرر - مؤامرة من منافسين - ماشافوش الفيلم وبيتكلموا – السوشيال ميديا مش مقياس ومش مسطرة – مصر كلها بقت نقاد.
2– كتيبة الدفاع والرد:
هذه الظاهرة تكاد تكون من تخصص أسماء معينة تنبري للدفاع عن الفنانين الذين يتعرضون لهجوم نقدي أو تقييم مزعج على السوشيال ميديا، فينصبون أنفسهم كتيبة دفاع ومحاماة للوسط الفني بمجرد أن يدخل أحدهم بؤرة الضوء ويدخل التريند ويوضع عمله الفني في مرمى سهام السوشيال ميديا الحارقة والمتنمرة أحيانا بلا ضوابط.
مهمة الدفاع هذه باتت فرصة جيدة لبعض الفنانين المقلين في أعمالهم نتيجة لأزمة الإنتاج الدرامي وبيزنس المنصات وندرة الإنتاج السينمائي؛ فكيف يعوض غيابه عن الساحة ويظهر مجددا للجمهور إلا من خلال تصريح ناري مثير للجدل يدخل به معركة لا ناقة له فيها ولا جمل.
وللموضوعية والأمانة علينا أن نكون منصفين ونعترف بأن حكم السوشيال ميديا على الفنان غالبا ما يكون غير عادل وقاسي ومتنمر ويضرب بلا قوانين تحت الحزام، ولكن في ذات القوت علينا أن نقر بقاعدة أشبه بميثاق شرف أقسم عليها كل من دخل الوسط الفني ومجال الشهرة بأن شرف الفنان وعرضه وحياته الخاصة في مرمى النيران
فعليه أن يصمد ويواصل ولا يبال وإلا فليعرض عن الأمر برمته.
إذن، فالنجم كريم فهمي، أحد جانات الدراما الموهوبين واللامعين بقوة، ولا يحتاج للصعود على المسرح في كل مشكلة للدفاع عن صاحبها وعليه التركيز في طريقه الفني الذي يسير فيه بخطوات واثقة وناجحة.
3– نجوم للحفلات والأفراح فقط !
مجموعة من الفنانين الذين تعذر ظهورهم بشكل يضمن لهم البقاء على مسرح الشهرة والنجومية ولديهم (فوبيا الاختفاء) من المشهد ويخشون أفول نجمهم فيحرصون بشكل ثابت ومنظم على حضور جميع مهرجانات السينما في كل أنحاء مصر والعالم العربي، ولا يتركون فرح ولا حفل عيد ميلاد نجم إلا ويكونون في طليعة كاميرا السوشيال ميديا برقصة أو تصريح خاطف أو فستان مثير
فتظهر الفنانة مع أصحاب الفرح أو بفستان مثير للجدل في رقصة لطيفة أو لقطة ملفتة فتصبح بها حديث مواقع التواصل لمدة شهر على الأقل.
هناك مجموعة أسماء معروفة في الوسط الفني هم نجوم متلألئة في فرح زواج ابن أخت النجم الفلاني وخطوبة ابنة النجم العلاني، أين الأعمال؟ ..أين الإبداع السينمائي؟...أين التنافس الفني؟ ...أين الزخم السينمائي؟ ...لا يهم، المهم هو أن يظل النجم في بؤرة الضوء.
المثير للدهشة أن هذه المجموعة تمتلك من الجرأة والثقة بالنفس ما يجعلهم يقفون بجسارة أما الكاميرات ليلقوا بتصريح جدلي يدخلهم دائرة التريند، وفي حقيقة الأمر لا يمتلك أحدهم في رصيده السينمائي أكثر من فيلم أو مسلسل واحد شارك فيهما.
4– موضة سب الجمهور والنقاد
لن ينسى تاريخ الفن -وبكل أسف – التصريح المتجاوز والغريب للكاتب الصحفي محمد الغيطي حين وضع النقاد مسلسله (الضاحك الباكي) عن قصة وسيرة الراحل نجيب الريحاني في الميزان ثم افترست مواقع التواصل العمل بأنياب حادة لا تعرف المعايير الموضوعية ولكنها عبرت بطرقها الخاصة وسلاحيها المؤثران وهو (السخرية + الانتشار)، فلم يتحمل الكاتب النقد فسب الجمهور بأمه.
وتمر الأيام ويتكرر المشهد متصاعدا حين تضمن رد النجم والمطرب التسعيناتي الكبير مصطفى قمر على هجوم الناقد طارق الشناوي عليه تلميحا خارج حدود اللياقة في تطور جديد وسابقة غير معهودة أن يشتم الفنان الناقد، حتى ولو كان طارق الشناوي وفقا لكلام مصطفى قمر يتعقبه شخصيا ولا يحكم بمعايير فنية سليمة فليس هذا مبررا للتطاول، وجميعنا شاهد لقاءات وتسجيلات قديمة للإعلامية سلمى الشماع وهي تهاجم أفلام النجم عادل إمام وهي تحدثه وجها لوجه وهو يرد عليها بثقة ورقي والابتسامة تملأ وجهه !!
ومؤخرا في حملة التنمر غير الرحيمة على الممثلة الصاعدة الموهوبة حقا داليا شوقي، خرجت والدتها ولم تكتف بحقها في الدفاع عن ابنتها ولكن تجاوزت في حق الجمهور واتهمته بأنهم مثل (كفار قريش)، رغم أن داليا شوقي وحدها ردت باحترافية وأدب كافيين لتجاوز الأزمة التي أشعلتها والدتها مجددا، فجمهور السوشيال ميديا غير رحيم وإقصائي إلى مدى بعيد ونسى بالفعل أن هذه الصاعدة لديها موهبة حقيقية قدمتها بقوة في حلقة من حلقات مسلسل (خارج السيطرة) وقامت بدور نفسي مركب يستحق الإشادة.
أخيراً ...نحن أمام تحول جديد يتحرك ككرة الثلج وتأثيره المرعب لم يتجلى بعد، ولكنه أمر لو تفاقم داخل الوسط الفني سيفقد مجال السينما والإبداع في مصر ريادته العربية.. فلننتبه ونتمسك بما تبقى من قوتنا الناعمة.