في كتابه The Basic Laws of Human Stupidity، الصادر في ترجمته العربية عن دار الساقي ببيروت سنة 2022 بعنوان "الغباء البشري"، يقول المؤرخ الاقتصادي الإيطالي كارلو شيبولا Carlo M. Cipolla: "وعلى الرغم من اعتقادي بأن جزءاً من البشر σ هم أغبياء، وأنهم أغبياء بفعل السمات الوراثية، فإنني لستُ رجعياً يحاول خلسة إعادة العمل بالتمييز الطبقي أو العرقي. إنني أعتقد اعتقاداً راسخاً أن الغباء ميزة عشوائية للجماعات البشرية كافة، وأنه يتوزّع توزّعاً متماثلاً وفق نسبة ثابتة. ويُعبّر عن هذه الحقيقة علمياً القانون الأساسي الثاني الذي ينصّ على أنّ: احتمالية أن يكون شخص ما غبيّاً مستقلة عن أي سمة أخرى يتّصف بها هذا الشخص".
وفي كتابه Everybody Lies ، الترجمة العربية بعنوان "الكل يكذب" عن الدار العربية للعلوم ببيروت في نوفمبر 2018، يشير سيث ستيفنز - دافيدوتس SETH STEPHENS – DAVIDOWZ إلى أن "أي نظرية في العنصرية يجب أن تقدّم لنا تفسيراً للغز محيّر في أمريكا، فمن جهة، تعتقد الأغلبية الساحقة من السود أنهم يتعرّضون للتحيّز ولديهم أدلة وافرة على التمييز في مراكز الشرطة، ومقابلات العمل، وقرارات هيئة المحلّفين، ومن جهة أخرى، لا يعترف سوى عدد قليل من البيض بالتمييز العنصري".
يواصل المؤلف: "والتفسير السائد بين علماء السياسة مؤخراً هو أن السبب غالباً ما يرتبط بالتحيّز الضمني واسع الانتشار، فربما قد تكون نوايا البيض طيبة، بحسب هذه النظرية، لكن لديهم تحيز لاشعوري يؤثّر على تعاملاتهم مع السود، ولاختبار هذا التحيز اخترع الأكاديميون طريقة بارعة أطلقوا عليها اختبار الارتباط الضمني... هناك تفسير آخر للتمييز الذي يشعر به الأمريكيون من ذوي الأصول الإفريقية بينما ينكره البيض وهو ما يُسمّى: العنصرية الصريحة الخفيّة، حيث تخبرنا بيانات البحث أنه يمكننا افتراض وجود عنصرية معترف بها ومنتشرة على نطاق واسع يدركها الناس إلى حد كبير ولكنهم لا يعترفون بها، وبخاصة في أجوبتهم على الاستبيانات".
يشير كارلو شيبولا إلى أنه لا يؤمن بالتمييز الطبقي أو العرقي، وتحديداً فيما يتعلّق بموضوع "الغباء البشري" الذي يشكّل عنوان كتابه، مؤكداً أن الغباء "ميزة عشوائية" تطال كل الأعراق والطبقات بنسب متماثلة. ويُفهم من كلام سيث ستيفنز - دافيدوتس أن العنصرية ضد السود حقيقة في المجتمع الأمريكي بغض البصر عن مدى صراحتها وشدّة تأثيرها وما يمكن أن يُطلق على أشكالها من مسمّيات، وبصرف النظر عن التفسيرات التي يتبّرع بها الباحثون لتشريح كل مسمّى أو نظرية بخصوص عنصرية بعض (كثير من؟) الأمريكان البيض المتوارية في الغالب من الحالات.
في المقابل، يعرض ويل وإيريال ديورانت Will and Ariel Durant في كتابهما The Lessons of History، الصادر في ترجمته العربية عن دار عصير الكتب في القاهرة سنة 2020 بعنوان "دروس من التاريخ"، عدداً معتبراً من الآراء العرقية الصريحة - يحاول بعضها أن يؤصّل/يؤكّد ما يُعرف بالعنصرية العلمية scientific racism - لكتّاب ومفكّرين غربيين على شاكلة الفرنسي جوزيف آثر دو جوبينو Joseph Arthur de Gobineau والبريطاني/الألماني هيوستن ستيوارت تشامبرلين Houston Stewart Chamberlain والأمريكي ماديسون جرانت Madison Grant، وذلك قبل أن يخلصا – في فصل يحمل عنوان "الأعراق والتاريخ" – إلى أن مسألة التأخّر الحضاري مرتبطة على الأرجح بالمناخ والجغرافيا: "محاولات إيجاد علاقة بين الحضارات والأعراق عن طريق حساب مدى ارتباط المخ بالوجه أو بالوزن أسقطت قدراً ضئيلاً من الضوء على المشكلة الحقيقية. إذا لم ينتج الزنوج الأفارقة أي حضارة؛ فذلك في الغالب لأن الظروف المناخية والعوامل الجغرافية أحبطت كل محاولاتهم. هل كان أيٌّ من "الأعراق" البيضاء سيُبلي أحسن منهم في تلك الظروف نفسها؟ من المذهل كم الزنوج الأمريكيين الذين نبغوا في أماكن رفيعة من وظائف وفنون وأدب في المائة عام الماضية على الرغم من وجود آلاف المعوّقات الاجتماعية... لا يحدّد العِرق طبيعة الحضارة، بل بالعكس تحدّد الحضارة طبيعة الناس الذين يبنونها: الظروف الجيولوجية والاقتصادية والسياسية هي التي تخلق الثقافة، والثقافة بدورها تؤثّر على خصال وطباع الناس".
على الرغم من أن عالمنا اليوم يبدو أفضل بكثير من الماضي – بعيده وقريبه – فيما يتعلّق بالتعامل مع مسألة العنصرية، فإن الإيمان بأفضلية التميّز رجوعاً إلى "أفضلية" العرق لا يزال ذا حضور لا يمكن تجاوزه بحال، حضور تفضحه - على سبيل المثال - بيانات البحث من وراء ستار الإنترنت الحديدي كما رأينا مع متخصص كسيث ستيفنز - دافيدوتس.
مهما تتباين المواقف دعماً أو رفضاً للعنصرية، سواء بالرجوع إلى ما يراه البعض بمثابة الحقيقة العلمية أو استناداً في المقابل إلى قيم أخلاقية يراها آخرون جديرة بالاتّباع ابتداءً بحيث يصبح مجرّد التفكير في الإيمان بالعنصرية جريمة نكراء، ودون الحاجة إلى أن ينقّب كلٌّ منّا داخله نبشاً عن مواقفه الخاصة على هذا الصعيد، فإن الجدير بالتأمّل هو أن الخالق لا يصطفي أمّة بميزة إلّا ليعوّض غيرها من الأمم - التي تبدو كما لو أن تلك الميزة قد فاتتها – بغيرها من المزايا، وذلك بحيث لا يصبح لدى أيّة أمّة عذر يمنعها من البروز إذا انتبهت لما خصّها به الخالق من المزايا، سواء التي يُظنّ أنها وراثية خالصة أو تلك التي تحدق بها من هبات الطبيعة الخالصة بدورها.
غير أن تحدّي العنصرية لن ينقشع بسهولة على ما يبدو، فالمشكلة الأساسية ليست بالضرورة في إثبات أننا جميعاً سواسية من حيث ما وُهِبناه من صفات وقدرات ولا هي في البرهنة على نقيض ذلك بأدلّة علمية قاطعة؛ فنزعتنا إلى التميّز هي على الأرجح من العمق بما يجعلنا نوغل بعيداً فننبش عن أصول ومسوّغات تفرّدنا في جذورنا العرقية بدوافع نفسية خالصة يفصح عنها البعض ويضمرها آخرون كثيرون، لكن تجلّيات دوافع أولئك العنصريين الكتومين تعود فتطلّ بدورها إمّا من خلال فلتات عقولهم الباطنة أو عبر وشاية بيانات الإنترنت وتطبيقاته التي لا تطيق كتمان أسرار مستخدميها مهما يبلغ اجتهادهم في ضبط إعدادات الخصوصية المتقدّمة على أجهزتهم الإلكترونية الشخصية.