في كثير من الأحيان يتحول الشخص المجني عليه إلى شخص جاني، بحثا عن انتقامه أو أخذ ثأره ممن تسبب له في أذى، خاصة إذا كان الأذى نفسيا ومعنويا، واستمرت نتائجه عدة سنوات، مؤثرة على حياته الاجتماعية والنفسية والشخصية.
وهو بطبيعة الحال الأمر الذي حدث مع "باولينا" بطلة مسرحية "العذراء والموت"، والتي ظلت تعاني من أثر تعرضها للاعتقال والاغتصاب منذ 15 عاما وأصبح الموضوع يؤرقها ولم تستطع التخلص منه، والذي أدى بدوره إلى دخولها في "PTSD" (اضطراب الكرب بعد الصدمة)، نتيجة لما تعرضت له.
فمنذ المشهد الأول لـ "باولينا" والتي قامت بدورها الفنانة سماء إبراهيم والمسرحية أيضا من إخراجها، والتي أظهرت مدى قدرة الفنان على الامساك بزمام الأمور عندما يكون البطل والمخرج في آن واحد، حيث تظهر عليها جميع أعراض "PTSD"، فكانت خائفة فقط عند عودة زوجها من العمل، وظنت أنه شخصا آخر، وتذكرت بالطبع كل ما حدث لها.
سماء إبراهيم مع محررة إعلام دوت كوم
وحالة الفزع والاضطراب التي تأتي إليها فجأة، في العرض الذي قدمته فرقة "إيماء السماء" كاملا باللغة العربية الفصحى يوم الأحد والإثنين الماضيين على مسرح الفلكي الرئيسي، بالجامعة الأمريكية بالتحرير، وهو من تأليف آريل دورفمان.
نرشح لك: عرض "مع الشغل والجواز".. أن تكون دائما الطرف المخطئ
رجل قانون قليل الحيلة
بالرغم من أن زوجها "جيراردو سكوبار" الذي قام بدوره الفنان إيهاب محفوظ، يعمل محاميا أي رجل قانون فلم يستطع أن يحول كل من تسبب في إيذائها للعدالة، فالأحداث تدور بعد الثورة في تشيلي وانهيار ديكتاتورية بينوشيه، وظهور الحكومة الجديدة، وعلى الرغم من أن زوجها ترقى لمنصب كبير يؤهله إلى أن يصبح أصغر وزير للعدل في السنوات القليلة المقبلة فإن اللجنة الموقرة قررت ألا تحقق في قضايا الاعتقال إلا التي أدت إلى الموت فقط، وهذا يعني أن قضيتها لن يتم التحقيق فيها.
حادثة طريق وصدفة قدرية
أحيانا يلعب القدر دور الدليفري، الذي يوصّل لك كل ما كنت تبحث عنه طوال الفترة الماضية، فـ "باولينا" التي كانت تتمنى أن تأخذ ثأرها ممن تعدى عليها، تجد نفسها أمامه فعليا، بعد أن تدور الأحداث وتتعطل سيارة زوجها لم يجد غير شخص واحد فقط يوافق على إيصاله للمنزل وهو "روبرتو".
مجني عليه يتحول لجاني
بكل تأكيد تعرفه "باولينا" من صوته فقط، فتحاول أن تتخلص منه وتأخذ حقها وتنصب له محاكمة، وتحاول مرارا وتكرارا اقناع زوجها أنه هو الطبيب الذي كان يشرف على المعتقلين في السجون، ويحدد مقدار تحمل كل معتقل قدر كاف من العذاب، ليس ذلك فقط بل وشارك في تعذيبهم واغتصابهم، حيث عندما كان السجناء يموتون بين أيديهم فكانت الدولة بحاجة إلى أطباء مصدر ثقة ليقرروا ما مدى تحمل السجناء أنواع التعذيب المختلفة وخاصة الصدمات الكهربائية دون أن يؤدي ذلك إلى الوفاة.
"لم أكمل دراستي بسببك أنت، بالرغم من أن الجامعة سمحت للطلاب المفصولين باستكمال دراستهم إلا أنني لم أستطع بسبب الفوبيا يا دكتور"، تقول "باولينا" في محاولة منها لمواجهة الطبيب وهي تهدده بانهاء حياته وأخذ حقها الآن، بعد إجباره بالاعتراف بما فعل، والتي يحاول زوجها منعها ويتهمها بأنها مريضة نفسيا وترى الجميع الشخص الذي تعدى عليها، وأنه مظلوما ويجب تركه ولكنها تبرر ما تفعل بأنها لا زالت تتذكر صوته وطريقة حديثه، ورائحة جسده، لون بشرته.
لحظات الاعتراف بين الأبطال كانت الأقوى على الإطلاق، خاصة لحظة اعتراف الطبيب "روبرتو" الذي قام بدوره الفنان يوسف المنصور، فبالرغم من أنه جاني إلا أنه كان ضحية يوما ما فعندما قامت الثورة حرق الثوار أرض والده مما أدى إلى إصابته بالشلل الأمر الذي جعله يتمنى الانتقام وينتهز أول فرصة تأتي له.
حيث يبدأ حديثه بالتبرير عن سبب سماع الضحايا للموسيقى أثناء تعذيبهم فيقول: "كنت أسمعهم هذه الموسيقى لأنها كانت تساعدني على القيام بدوري، وكانت أسلوبا ناجحا لكسب ثقتهم والتخفيف عن معاناتهم، أنا وافقت لأسباب إنسانية قلت لنفسي أنها فرصة لإنقاذ حياة الناس".