شهرٌ مرٌ مرَ على غزة، بأطفالها وشيوخها ونسائها، نسفت فيه أحلام الكثيرين، وحذفت من المجلدات أسر كاملة، محت القذائف الإسرائيلية مربعات سكنية كاملة، مناطق كبرى لم يعد لها وجود، ولا يزال الشعب يقاوم النيران والأمراض والجوع والعطش، يقاوم الموت والإصابة، وأبواق الاحتلال الكاذبة، بأوجهها الكثيرة، من وسائل إعلام وصحافة ومشاهير، وأيضًا متحدثين رسميين عن الجيش الذي يدكهم بالأرض دكًا، يتحدثون عن أرواحهم كأنهم مجرد سرب نمل دعسته الأقدام!
أفيخاي أدرعي، وريتشارد هشت، ودانيال هاغاري، ثلاثة متحدثين رسميين باسم الجيش الإسرائيلي، أولهم يستفز العرب بلسانهم، وآخرهم يخاطب وسائل الإعلام بلسان عبري، والأوسط قليل الظهور مهمته مخاطبة الغرب، وثلاثتهم وظيفتهم واحدة، تبرير العدوان الغاشم على شعب أعزل.. فمن هم؟
من هو المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الحقيقي؟
خلال السنوات الماضية برز اسم "أفيخاي أدرعي"، كمتحدث للجيش الإسرائيلي ذو أصول عربية، ويتحدث بلسان العرب -سنعود للحديث عنه باستفاضة- إلا أنه خلال الشهر الماضي من الحرب على غزة ظهر شخص آخر يحمل نفس الوصف "المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي" يظهر على كافة المحطات العربية والأجنبية متحدثًا بلغة قومه العبرية، وعلى عكس أفيخاي فهو رجل عسكري جاد صارم لا يبتسم وجهه كزميله في الوحدة المكلف بمخاطبة المواطنين العرب، واسمه الأدميرال دانيال هاغاري، مما خلق خلطًا لدى البعض بينهما، وبين الأقل شهرة منهما ريتشارد هشت، المكلف بمخاطبة وسائل الإعلام الأجنبية، وفيما يلي نحاول توضيح الفوارق بينهم.
ليس ناطق واحد!
بالبحث وراء الأسماء الثلاثة، اكتشفنا أن الجيش الإسرائيلي قد خصص دائرة أو وحدة كاملة، ضمن شعبة العمليات في الجيش، ذات صلة بالعلاقات العامة، ومنها وسائل الإعلام اسمها "الناطق باسم الجيش الإسرائيلي".
وبحسب "مدار.. المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية"، فـ"يترأس الدائرة ناطق باسمها بدرجة عميد. كانت هذه الدائرة خلال نصف قرن منذ تأسيس اسرائيل تحت إشراف شعبة الاستخبارات في الجيش، إلا أنه من منتصف التسعينات وضعت تحت إشراف شعبة العمليات"، ويترأسها حاليًا الأدميرال دانيال هاغاري الذي أصبحنا نشاهده بكثرة على القنوات العربية والأجنبية، خلال الأوضاع الراهنة في غزة.
ولتلك الدائرة مهام عدة خاصة بالإعلام بحسب "مدار"، أولها التواصل مع المراسلين، ومنحهم التصريحات التي يريدونها من مصادر عسكرية، أو مصادر مطلعة بدون ذكر اسمها، وكذلك النشر على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، بالإضافة لتشغيل الموقع الرسمي للجيش الإسرائيلي.
وتحتوي الدائرة عدد كبير من الموظفين، وأبرزهم الناطقين الرسميين بالثلاثة لغات (الإسرائيلية، الإنجليزية، العربية).
وأول من تولى رئاسة الدائرة موشي برلمان(1948-1952) وهو مؤسس الدائرة، حتى وصلت إلى الأدميرال دانيال هاغاري.
دانيال هاغاري.. تولى المنصب حديثًا
هو من مواليد 1976، وهو أميرال بحري في قوات الدفاع الإسرائيلية، ويشغل حاليًا منصب رئيس وحدة المتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي.
وقد شغل سابقًا العديد من المناصب منذ تطوعه في وحدة العمليات الخاصة البحرية التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي عام 1995، وأبرزها: قائد مديرية عمليات البحرية الإسرائيلية، ومساعد رئيس الأركان، وقائد شايطت 13 ومكتب رئيس الأركان، وأخيرًا قائدًا للأسطول البحري، قبل أن يترأس وحدة المتحدث باسم الجيش في 29 مارس 2023.
أفيخاي أدرعي
هو المتحدث بلسان الجيش الإٍسرائيلي للإعلام العربي، وهو ثاني من تقلد هذا المنصب في إسرائيل، بعد إقامة هذه الشعبة عام 2000، أي أنه تحت قيادة "هاغاري".
وذلك يوضح سبب شهرته في الدول العربية، فهو مهمته الحديث مع مواطنيها بلغتهم، خاصة أنه من أصول يهودية عربية (سورية | عراقية).
أفيخاي لم ينضم للجيش الإسرائيلي طواعية في البداية، فقد التحق بصفوف الخدمة العسكرية الإجبارية، وخدم في وحدة 8200 للاستخبارات والتقصي الإلكتروني في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، ليستمر في الجيش بعدها وفي العام 2005 ترأس قسم الإعلام العربي.
ما الفارق بينهما؟
نظرًا لضعف ظهوره عربيًا، خاصة في الأحداث الجارية، فلن نتطرق كثيرًا للحديث عن ريتشارد هشت، وسوف نركز على الثنائي "هاغاري" و"أدرعي".
وبالنظر لأداء كلاهما نجد فروقات كثيرة يمكن تلخيصها فيما يلي:
-بالنسبة للعرب فإن أفيخاي أدرعي نجح في مهمته في مخاطبتهم والوصول إليهم بلغتهم، أما هاغاري، فالكثيرون لا يعرفون من هو، والبعض تعرف عليه لأول مرة خلال الشهر الماضي.
-هاغاري، ظهوره الإعلامي أغلبه رسمي، حيث يلقي الخطابات الرسمية، المدعمة بالأرقام والقرارات ونتائج حرب جيشه على غزة، على عكس أفيخاي الذي دائمًا ما يدخل في مناورات مع المذيعين، ويتحدث بلغة عامية، تحمل الكثير من العبارات الاستهزائية.
-أفيخاي، بيته الأول السوشيال ميديا، وصفحاته بعيدة تمامًا عن الطابع الرسمي والمعتاد للحكومات ومتحدثيها ناهيك عن صفحات المتحدثين العسكريين، فهو يسخر تلك الصفحات للنيل من مشاهير عرب، أو الدخول في مشادات كلامية معهم، ومظاهر الحياة والتسامح بين الأديان في إسرائيل، وغيرها من الأمور الاجتماعية والحياتية أكثر، وقلة قليلة من منشوراته عسكرية أو رسمية، وغالبا تكون إعادة تغريد على (X تويتر سابقًا)، لمنشورات الصفحة الرسمية للجيش الإسرائيلي، أو الحكومة، ومؤخرًا لمنشورات هاغاري، وبالطبع كلها بالعربية.
-صفحات هاغاري رسمية، لا تحتوي على أية أمور شخصية، أو تصريحات غير المنوط بنقلها على لسان جيشه لوسائل الإعلام المتخلفة، وصفحته باللغة العبرية.
-أفيخاي يستقطب المواطنين العرب، هاغاري وسائل الإعلام العالمية.
إذن فـ"هاغاري" هو الناطق باسم الجيش الإسرائيلي "الأصلي" المنوط فعليًا بمهام تلك الوظيفة، أما أفيخاي فهو مجرد واجهة عربية للوحدة، مهمته "جر الشكل" مع العرب.
نرشح لك: كابتن أيلا ومجندات تيك توك.. خطة إسرائيل لخداع العالم!