"حكاية أرض"، و"منشأ اليهود"، و"النكبة"، و"تاريخ فلسطين"، و"أصل الصراع"، مصطلحات كثيرة نالت اهتمام الناس، وظاهرة انتشرت في وسائل الإعلام العربية والغربية، على حد سواء، منذ بدء حرب إسرائيل وعناصر المقاومة في حماس في السابع من أكتوبر الماضي، من خلال إعادة سرد تاريخ فلسطين والحكايات حول أصل ومنشأ إسرائيل، وتفنيد الأكاذيب التي يروجها اليهود حول حقهم في الأرض ودعوتهم للسلام وغير ذلك، وهي حكايات كلها معروفة ومثبتة في الكتب والمراجع، فهل تغير التاريخ لنعيد سرده الآن؟
نرشح لك: "حكاية الأرض".. شاهد حلقة الدحيح عن فلسطين
صحوة الحرب
استيقظ العالم في صباح السابع من أكتوبر على خبر عبور عناصر المقاومة في حركة حماس للخط الحدودي لقطاع غزة نحو المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وقتل وأسر العشرات من الجنود الإسرائيليين، وهو الخبر الذي نال ابتهاجًا كبيرًا بين جموع الشعوب العربية يقابله إدانة واستنكار واسع النطاق لهذا "الهجوم الإرهابي"، وفقًا لوصف وسائل الإعلام والصحف العالمية.
ومنذ ذلك الحين، قامت إسرائيل بهجمات وحشية وقصف جوي بالصواريخ والطائرات لجموع المدنيين في قطاع غزة المحاصر بعد قطع إمدادات المياه والكهرباء والوقود عنهم، لتشهد الساحة السياسية العالمية جدالًا عنيفًا وأخذٍ ورد بين مؤيد لأفعال إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها، كما يقول القادة الغربيون، وبين إدانات واسعة النطاق، فيما وصفته بعض المنظمات الحقوقية بأنه "إبادة جماعية وجرائم حرب".
فلسطين.. حكاية الأرض
وفي خطٍ موازٍ للجدل السياسي على الساحة الدولية، تأتي ظاهرة مثيرة للاهتمام وهي إعادة سرد تاريخ فلسطين، وأصل الصراع بين العرب واليهود، والتي يأتي أحدثها في إحدى حلقات أحمد الغندور، الشهير بـ "الدحيح"، عبر قناته على يوتيوب التي يتابعها أكثر من 3 مليون مشترك حتى الآن، والتي ناقش فيها بأسلوبه البسيط الممزوج بروح الفكاهة والسخرية في كثير من الأحيان، تاريخ فلسطين، وكيفية قيام دولة إسرائيل على أنقاض وجثث السكان العرب الأصليين.
الحلقة التي جاءت بعنوان "فلسطين.. حكاية الأرض"، محققةً حتى الآن أكثر من مليون ونصف مشاهدة في أقل من 24 ساعة من عرضها، استعرضت كذلك بعض المصطلحات الرائجة مثل الصهيونية واليهودية، كما تطرق كذلك لبعض الأكاذيب التي يروج لها الإسرائيليون عبر التاريخ؛ مثل أسطورة الاضطهاد، وأسطورة أرض بلا شعب، وداوود وجالوت، والديمقراطية المزعومة، وغيرها، فضلًا عن تاريخ "النكبة" في حرب عام 1948.
أصحاب الأرض
الأمر ذاته تطرق له الإعلامي باسم يوسف في مقابلته الثانية مع المذيع البريطاني بيرس مورغان، التي جاءت بعد مداخلته التي حققت انتشارًا واسعًا ولاقت صدى كبير في الأوساط العربية والغربية كذلك، حيث سجلت 15 مليون مشاهدة بعد ساعات قليلة فقط من عرضها، حتى إن مورغان وصفها بأنها "المقابلة الأكثر مشاهدة على الإطلاق منذ إطلاق برنامجه Piers Uncensored".
في اللقاء الثاني مع بيرس مورغان، كانت مفاجأة باسم يوسف هي عرض "قصة شيقة"، وفقًا لتعبيره، عن تاريخ نبذ اليهود واضطهادهم حول العالم، في حيلة حاول من خلالها أن يثبت للغرب أن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض، وأن اليهود قوة محتلة كانت مشتتة حول العالم بدون وطن يجمعهم، فيما أسماه "تاريخ تهجير اليهود في أوروبا"، مستعرضًا بالأدلة أنهم كانوا جماعة منبوذة في الدول الأوروبية والمؤسسات الدينية في ذلك الوقت، وتم تهجيرهم من بلد إلى أخرى، وصولًا لاستقرارهم في أرض فلسطين.
المؤرخ جوجل
ليس هذا فقط، فعلى مدار نحو شهر تقريبًا من اندلاع حرب السابع من أكتوبر، تصدر محرك البحث جوجل عبر بلدان مختلفة عبارات مثل "فلسطين"، و"إسرائيل"، و"قطاع غزة"، و"أصل الفلسطينيين"، و"حماس"، و"سبب العداء بين إسرائيل والعرب"، و"تاريخ فلسطين"، و"تاريخ اليهود وإسرائيل".
شملت عبارات البحث كذلك العديد من المصطلحات المتعلقة بالسياسة والهوية، مثل "إيران"، و"النكبة"، و"أبو عبيدة"، و"مسيحيو غزة"، و"نبوءات اليهود"، و"التهجير"، وغيرها من كلمات البحث التي تهدف جميعها إلى التنقيب عن أصل وجذور الصراع الدائر، الذي يروي كل طرف من أطرافه قصة مغايرة عن الأخرى.
جذور الصراع
ليس في العالم العربي فحسب، وإنما حرصت وسائل الإعلام الغربية كذلك على استعراض جذور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والتي يأتي أبرزها في عدة مقالات في موقع صحيفة الجارديان البريطانية، واصفةً الأحداث الأخيرة بأنها تتويج لصراع دام عقودًا في منطقة الشرق الأوسط المتنازع عليها بين الإسرائيليين والعرب، ناقش أحدها "تاريخ العنصرية ومعاداة السامية"، فيما جاء الآخر بما أسماه "دليل الخبراء" للمساعدة في فهم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ومن الهجرة اليهودية في أواخر القرن التاسع عشر هرباً من المذابح وغيرها من أشكال الاضطهاد في أوروبا الشرقية، وصعود الصهيونية، إلى إعلان بلفور الذي أصدرته الحكومة البريطانية عام 1917 لدعم "وطن قومي لليهود" في فلسطين، والصراعات التي تلت ذلك مع المجتمعات العربية هناك، حتى تصويت الأمم المتحدة في عام 1947 على تقسيم الأراضي الواقعة تحت الانتداب البريطاني على فلسطين إلى دولتين؛ واحدة يهودية والأخرى عربية، حاولت تقارير الصحف العالمية؛ مثل بلومبيرغ ورويترز وBBC وواشنطن بوست وغيرها، تقديم لمحة شاملة عن الأسباب الحقيقة التي أفضت إلى الوضع الحالي.
أخبار أم بروباغاندا؟!
"اكذب، ثم اكذب، ثم اكذب حتى يصدقك الناس"، قانون البروباغندا الشهير المنسوب إلى النازي جوزيف غوبلز، وزير الدعاية السياسية في عهد أدولف هتلر، يتردد صداه الآن بعد ما يقرب من قرن من الزمان ليؤكد جدواه في عالم السياسة والإعلام، وتتلخص في سؤال حول ما نشاهده يوميًا على شاشات وسائل الإعلام، هل هو أخبار أم بروباغندا؟!
وتأتي الإجابة من خلال تجربة عملية لشخص في أمريكا حرص على متابعة الأخبار على عدة محطات محلية أمريكية، وبدأ في مقارنة المصطلحات التي تستعملها كل محطة عند تناول قضايا تنطوي على شك بوجود رغبة خفية لخلق انطباع عام موحد بشأنها عند عموم الناس، وجاءت النتيجة مذهلة، من خلال ملاحظة تكرار ببغائي لنفس الجمل والعبارات بشكل مخطط له لصناعة رأي عام بواسطة وسائل الإعلام، التي استنتج البعض أن مهمتها ليس الإبلاغ بما حدث، وإنما بما يُراد للجمهور أن يعتقد أنه حدث، والتمهيد لما ينبغي لهم قبول حصوله بالمستقبل.
وربما يكون هذا هو السبب في أن التعرف على تاريخ فلسطين هو عملية مستمرة لدحض الأساطير التي تروج لها إسرائيل، والتي من أكثرها مكرًا فكرة أن فلسطين كانت صحراء جرداء قبل أن تجعلها الهجرة الصهيونية "مزدهرة".