خبر صغير تراه يقفز وسط طوفان القصف الإسرائيلي المتواصل على غزة، ملخصه أن مكتب نتنياهو يعكف على صياغة مشروع قانون يخضع بموجبه وزراء الحكومة المشاركين في الجلسات الحكومية لجهاز كشف الكذب، في محاولة لمنع التسريبات إلى الصحافة.
بموجب التفاصيل المتوافرة سينجو نتنياهو من فحص الكذب ليس لأنه من زمرة الصادقين وإنما من المتوقع حصوله على شهادة إعفاء بسبب جهاز تنظيم ضربات القلب المزروع في صدره الذي ينبض كما رأت عينيه لافتة "الموت للعرب" عندما شاهدها في التسعينيات من القرن الماضي رفضًا لإسحاق رابين وخطواته نحو تسوية مع منظمة التحرير الفلسطينية.
إذا مددت بصرك لما قد يكون وراء تلك الأنباء، ستجدها منشورة بالتزامن مع تسريبات صحفية نشرتها "هآرتس" نقلًا عن تقييم أمني للشرطة الإسرائيلية يفيد بـ"نيران صديقة" نفذتها مروحية تابعة لجيش الاحتلال ضربت إسرائيليين في حفل موسيقي.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل زاد الحصار على الدعاية الإسرائيلية وفي قلب الغرب الذي تحاول السيطرة عليه لجر الرأي العام نحو مصلحتها التي تحميها أمريكا باعتبارها ضمن الولايات التابعة لها دون أي اكتراث بالويلات التي تسببها في حق أطفال ونساء وسقوط ما يقرب من الـ15 ألف شهيد في نحو 45 يومًا من العدوان الذي تتكشف تفاصيله يومًا بعد يوم عبر منصات التواصل الاجتماعي بإفادات عدة وبلغات أجنبية من بينها ما يردده الصحفي الأمريكي ماكس بلومنتال الذي تعتبره تل أبيب مناهضًا لها.
بلومنتال الذي يمكنك مشاهدة الفيديو الخاص به إذا نجوت من فخ الخوارزميات سيخبرك والتفاصيل على مواقع إخبارية بأن الجيش الإسرائيلي هو من قصف المنازل في "كيبوتس بئيري" بالدبابات "بأوامر عليا"، وبنى فرضيته على تصريحات الأمن الإسرائيلي نفسه، في سردية ستجدها تتشابه مع ما تنقله وسائل إعلامية عن الطيار العسكري الإسرائيلي نوف إيرز الذي يقول إنه من المحتمل أن تكون القوات الإسرائيلية نفذت "بروتوكول هانيبال" خلال تعاملها مع هجوم حركة "حماس" في 7 أكتوبر 2023، وفق ما باح به إلى "هآرتس".
قد تسأل نفسك ما هو "بروتوكول هانيبال"؟
باختصار ترى إسرائيل أن تنفيذه يستدعي المخاطرة بحياة مجنديها وجعلهم قتلى أفضل من كونهم أسرى، وهو ما قد يفسر لك سر الارتفاع في عدد من سقطوا بين صفوفهم في الساعات الأولى من "طوفان الأقصى" ثم الهجوم المستعر علي قاطني البنايات السكنية والمستشفيات والمدارس في غزة دون هوادة بمزاعم تسقط في اختبار الصدق كما حدث في أنفاق "الشفاء"، وحديث إيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مع كريستيان أمانبور التي أبدت دهشتها علي شاشة CNN بعد حديثه عن المخابئ التي بناها إسرائيليون أسفل مستشفى الشفاء، وهو ما يعني علمهم بكل التفاصيل التي تمكنهم من معرفة مفاتيحها كافة وتجعلهم يقدمون ما لديهم من أدلة واهنة تتدثر بالقنابل وتبحر في دماء الفلسطينيين بدعاية تغذي آلة الحرب للتلاعب بعقول الغرب، والدفع نحو تصفية القضية بتهجير قسري وقصف ممنهج يمحي تاريخًا من المقاومة والهوية بقوة السلاح الغاشم.
وليس بجديد على إسرائيل اللجوء إلى المؤامرات لتنفيذ مخططاتها كما كان العهد في فضيحة لافون التي كشفتها مصر في الخمسينيات من القرن الماضي، ولك أن تقرأ وتبحث عن تفاصيلها التي قادت الصدفة إلى كشف خلية التجسس المنفذة لها وضربها في مقتل ومنع عدوانها أو التعرض للوحدة الوطنية كما حدث في بداية السبعينيات من القرن الماضي في تفاصيل كشف عنها عندليب الصحافة المصرية محمود عوض في واحدة من كتبه القيّمة "وعليكم السلام"، إذ "في الوقت الذي كانت فيه مصر تشهد مظاهرات طلابية تضغط من أجل شن الحرب التي طال الاستعداد لها لتحرير سيناء، فجأة وخلال وقت وجيز عقب المظاهرات، استقبلت صناديق البريد المنزلية لعدد معروف من الشخصيات العامة منشورات تطالب لأول مرة بحقوق سياسية للأقلية القبطية في مصر التي تتعرض لاضطهاد من الأغلبية المسلمة".
وسرد محمود عوض أن "الأجهزة المعنية في مصر لاحظت أن المنشورات مطبوعة بحروف وعلى ورق ليس من الأنواع التي تستخدم في مصر أو تنشر في مطابعها، وبالاستمرار في البحث تبين أنها مطبوعة في إسرائيل، وقد سربها إلى مصر عملاء لجهاز الموساد".
وعندما تتبع تفاصيل لافون أو ما باحت به صفحات "وعليكم السلام" ستجد أن الأمور قد طالت إلى سنوات لحين الوقوف على تفاصيلها التي تتكشف وسط عتمة من مؤامرات ترعاها تل أبيب، لكن الضوء الذي يمكن ملاحظته الآن في الوقت الذي نعيشه أنها ومع كل كذبة تجد من يلاحقها وبنيران صديقة في ساحة الحرب الرقمية التي تخصص لها ملايين الدولارات لتبييض سمعتها، وهو ما قد يفتح الباب نحو ضرورة تدشين مرصد يجمع ضلالاتهم ويفندها ليس بالعربية فقط وإنما بكل اللغات طالما أن المواجهة حاليًا ساحتها الكلام.