صدر حديثًا كتاب (خطوب ودروب) للكاتب محمد شبراوي، عن دار يلدز للنشر والتوزيع، في 200 صفحة من القطع المتوسط، ولعلّ أول ما يطالعنا في الكتاب عنوانه وصورة الغلاف، أما العنوان أو ما يسمى بـ”النص الموازي“، فإن فك شفرته تتأتّى من قراءة مقالات الكتاب وعددها 19 مقالًا، إذ ترتبط جميعها مع العنوان بخيط ناظم، يوحي ذلك بالمجهود المبذول فيما يُعرف ضمن النظرية النصّية بالتماسك النصي، في حين أن تصميم الغلاف ببساطته الشديدة يخاتل القارئ، غير أنه بمجرد أن يصافح بعينيه مادة الكتاب فإنه لا يملك إلا أن يعيش رحلة شديدة الخصوصية والتفرّد.
اختار شبراوي أن يبدأ كتابه بمثل عربي فصيح، يقول ”بقدر سرور التواصل تكون حسرة التفاصل“، المثل أورده الميداني في سِفره الماتع (مجمع الأمثال)، ويعكس بدرجة أو بأخرى ما يواجهه شباب عصر ثورة المعلومات، يبدأ الأمر بتواصل عبر الفضاء الإلكتروني، ثم لسبب أو أكثر يقع الخلاف في الرأي والتباعد، لا يخلو الأمر من بلوك، فينقلب التواصل إلى تفاصل مصحوب بحسرة، وللعرب مثل آخر يقول ”وفي طول المعاشرة التقالي“.
على ذكر الأمثال، يذخر (خطوب ودروب) بجملة من الأمثال العربية الفصيحة، فضلًا عن طائفة أخرى من الأمثال المصرية والخليجية، بما يجسّد التناص الثقافي والأدبي ضمن مجموعة من الموضوعات، ينطلق معظمها من العالم الافتراضي إلى الواقع المَعيش، وتتسع دائرة التناص لتشمل عددًا من النصوص الدينية والتاريخية والفكرية وغيرها.
يأتي فهرس الموضوعات بداية الكتاب، يجد القارئ نفسه أمام أكثر من مستوى، فالمستوى الأول يتمثّل في عناوين تراثية مثل السموأل المصري، وحل القلم، التواصل والتفاصل، هل تعست العجلة؟، المستوى الثاني لعناوين شبابية منها: مخصماك.. فرش الملاية على الطريقة الفنلندية، باظت خالص.. لقطة يا صاحب اللقطة، فرانسواز ساغان، في حين يجمع المستوى الثالث بين التراث والمعاصرة، من ذلك عناوين: شقلب واقلب.. على قلق كأن الريح تحتي، كأنك مفيش.. الوزير الذي أراد أن يكحّلها، أبو القاسم الطنبوري.. وفي رواية الحظ أعمى.
في المقدمة نطالع هذه الفقرة ”ليس لعاقل أن يجحد أهمية منصات التواصل في عصرنا الراهن، وإن كنا من حين لآخر نحنّ -في فورة النوستالوجيا- إلى ماضينا العذب، لكننا لن ننسلخ من واقعنا أو نتنكر له. يُمضي كثيرون ساعات على تلك المنصات، تتنوع البواعث ويتباين التأثير والتأثر، في الجملة فإن الانفكاك من هذا الواقع ليس منطقيًا، ولا سبيل لحجب الشمس بغربال“.
ويضيف ”نطوف بين دفتي هذا الكتاب في مواقف شتى، نتوسل بالتراث والمعاصرة لرصد أحداث وثيقة الصلة بالعالم الافتراضي، كيف تفاعل روّاد منصات التواصل مع قضية بعينها؟ ما انعكاسات أزمة ما أثيرت عبر المنصات على شخصية أو جهة أو مؤسسة؟ تداخلات العلاقة الشخصية وآلام ما بعد الفركشة، الغرام والانتقام في دنيا المشاهير من خلال ذلك العالم، الثقافة الاستعجالية في القراءة والكتابة والنقاش، وأشياء أخرى ندور في فلكها“.
اللافت كذلك في الكتاب أنه يجمع بين الطارف والتالد، فيأخذنا في جولة مع الجاحظ وابن قدامة والمبرّد والقالي مرورًا بطه حسين والمازني ونجيب محفوظ والسحّار ورجاء النقاش وصولًا إلى أحمد مراد والكتّاب الجدد. من تحدي القراءة إلى ورش كتابة الرواية، وتحفظات عدد من الأدباء الكبار على ورش الكتابة، من هؤلاء الراحل أحمد خالد توفيق وغابريال غارسيا ماركيز، الأمر ذاته نجده حاليًا لدى عبد الرحيم كمال، ثم ينطلق بنا إلى هوس كثيرين بكتابة الرواية دون أن يملكوا أدواتها الأساسية، لنجد أنفسنا بعد قليل في رحاب برامج التوك شو العربية والغربية، مع التعريج على قضايا ملحّة.
يذهب كاتب هذه السطور إلى أن شبراوي أفاد من النظريات الحديثة مثل التداولية والأسلوبية والنظرية الحجاجية، جنبًا إلى جنب ملامح عدّة من البلاغة القديمة، يتبدّى ذلك في معالجة الأفكار وطريقة طرحها، وعلاوة على اللغة السلسلة والمتأنقة، فإنه آثر أن يرتكز على تعدد المستويات اللغوية، لا سيّما في المواقف الحوارية، تأسيسًا على مبدأ أن الحوار يعكس نبض الحياة اليومية.
محمد شبراوي صحفي مصري، يكتب في مجال النقد الأدبي والتاريخي، لا يخلو أسلوبه من لمسة تهكميّة، صدر له (كنّاشة الراوي)، (رسالة الإمام.. التاريخ والدراما في منصات التواصل)، ومجموعتان قصصيتان (بجعة المحروسة) و(سندريلا الحميّات).