إنها "دي" في الثقافة السودانية عندما تكون قريبة مادياً أو مجازاً من مجلس الحديث، وهي " الأولاد" في ذات الثقافة دون الحاجة إلى أن تكون قريبة من أي مجلس، بل دون أن يكون هناك أولاد أصلاً. وهي " الجماعة" في الثقافة المصرية حتى إذا كان "سي السيد" متزوجاً بواحدة فقط. وهي "الأهل" في الثقافة الخليجية ولو كان " السيد" الخليجي متزوجاً بواحدة ولم يكن قد أنجب بعد. وهي، إذا اقتضى الأمر المباشرة، " المـَـرَة" و"الوليـّة" و" الحـُـرمة" في الثقافات الثلاث المشار إليها تباعاً على سبيل المثال العربي.
تلك هي الزوجة كما يحب أن يراها الرجل العربي وهو يشير إليها في مجالس أصدقائه من باب الرجولة والاحتشام، وكنّا سنسهب في حديث مكرور عن تخلّف العرب والمجتمع الذكوري الذي يغطّون في سُباته لولا ما تناهى إلى معارفنا منذ زمان بعيد من أن الياباني عادة ما كان يشير إلى زوجته - إلى وقت ليس بالبعيد - بـ "زوجتي الغبية" في ذات السياق من الاحتشام الرجولي دون أن يجرؤ أحد على أن يرمي اليابان بالتخلّف بطبيعة الحال، أمّا عن كون اليابان مجتمعاً ذكورياً فظنــّـي أن العالم برمّـته مجتمع ذكوري نهاية المطاف، كما سنرى بتفصيل في مقام قريب.
نرشح لك: عمرو منير دهب يكتب: لا أحد أكبر من الوهم.. الفصل الأخير من كتاب "كل شيء إلا الحقيقة"
قال لي مرّة "ماركو" اليوغسلافي إن الأفضل للواحد أن يسعى إلى تأمين قرض ويشتري شقة في دبي بدلاً من إنفاق مبالغ طائلة في استئجار شقة صغيرة للعمل والعيش في ذات المدينة، وتحقيقاً لرؤيته تلك، وبتشجيع مني، ذهب ماركو إلى البنك وأخذ يستفسر عن شروط الإقراض التي كانت أكثر تعقيداً مما تخيّل. قلت له: "وماذا صنعت؟"، قال: "لا شيء، طلبت من الموظف إمهالي قليلاً ريثما أستشير زوجتي في الأمر". مـَـن مـِـن العرب يجرؤ على هذا الكلام؟
شروط الاندماج في أحاديث الرجال العرب المتزوجين – وقد رأينا كيف يشيرون إلى زوجاتهم في ثلاث نسخ مختلفة للمجتمعات العربية - مسألة يمكن الالتفاف عليها بقليل من الحيلة دون أن يفتضح أمر زوج عربي يـُـكنّ لزوجته من التقدير ما يجنــّـبه الإشارة إليها مـُـحقــّـراً أو مـُـهمـّـشاً. لكن ما يصعب الالتفاف عليه هو شروط الرجال المتزوجين – في أي مكان - في أحاديثهم عن الزواج عموماً وليس الزوجات بالضرورة.
إذا كنتَ ممّن يكنّون لزوجاتهم من التقدير ما يجعلهم يستنكفون أن يسبّوا الزواج نفسه، أو يسخروا منه في أبسط الأحوال، فأنت لا شك أهلٌ لأن تبني لك زوجتك تمثالاً على مدخل البيت؛ لكنك مؤكداً لست أهلاً لأن تشارك أزواجاً بائسين مجلساً رجولياً ينفثون فيه آهات المكايد والمكايدات الزوجية ترويحاً وسخرية.
لا تظنّن أن امتناعك عن المشاركة في مجالس الرجال الذين يسخرون من الحياة الزوجية مسألة هيّنة، بصرف النظر عن التقدير الذي تحظى به في المقابل من نصفك الأجمل. إلى ذلك، فإن قبولك في أي مجتمع رجولي آخر لا يتطرق إلى الحياة الزوجية بصورة مكثّفة سوف يكون محفوفاً بالتحفظات، إمّا لأن أقرانك سينظرون إليك على أنك "جوز الست" كما في التعبير المصري الدال على الزوج المنقاد، وإمّا لأن أولئك الأقران لا يحبون أن تضم مجالسهم شخصاً يتعالى عليهم أخلاقياً بتقديس ما يسخرون منه ويسخطون عليه كلما لزم الأمر، وما أكثر ما يلزم الأمر في عرف الرجال المتزوجين مهما يكن ما دعاهم إلى مجلسهم في الأساس بعيداً عن مناقشة شؤون المرأة وسلوكها تجاه الحياة الزوجية.
مِن نِعم الدنيا على الزوجة العربية أنها في المقابل لا تخسر على نفس المستوى - كالزوج العربي - عندما تقرّر أن لا تشارك رفيقاتها مجالسهن الساخطة على الزواج وهي تتطلّع إلى أن يبني لها زوجها تمثالاً على مدخل البيت. قد تكسب الزوجة بعضاً من غيرة رفيقاتها عندما ينظرن إلى صنيعها ذاك على أنه عنوان السعادة الزوجية، لكن ليس في عرف النساء ما يجرح أنوثة سيدة لا تحب أن تذكر الزواج بسوء تقديراً لزوجها، وليس في عرفهن أن يـُـشار إلى الواحدة على أنها "ست الزوج" تعييراً بالانقياد.