"أهلا ومرحبا بكم في هيئة الترفيه وامتاع الآخر، يرجى العلم أنه متبقي 4 دقائق على نهاية فترة الراحة، ومن ثم نعود إلى العمل، شعارنا العمل، العمل وفقط، تذكر أنه لا يتعلق الأمر بالنجاح أو الفشل، ولكن القيمة الحقيقية في العمل".
بهذه الكلمات افتتحت مسرحية "سيزيف - الرجل الذي سرقه السُلم"، عرضها بمسرح د. نهاد صليحة بأكاديمية الفنون، والذي كان يومي الثلاثاء والأربعاء، وهو من تأليف عمر رضا، وإخراج محمد الحضري، وبطولة فرقة "جروتيسك"، والتي تدور أحداثها حول ماذا سيفعل الشخص الذي يبحث عن ذاته ويسرقه سُلم الصعود للمجد، هل سيستطيع حماية حياته الشخصية؟ أم سينجرف مع التيار متناسيا كل الأشخاص الذين دعموه في بداية طريقه؟
مأساة الإنسان الحياتية
هل سألت نفسك ذات يوم عند استيقاظك وذهابك لعملك، ماذا تمثل أنت للوظيفة التي تُعطي لها الكثير من حياتك؟ بالتأكيد لا يركز مديرك على مشاكلك الشخصية، وأهدافك الحياتية، ومأساتك التي تمر بها، فالمهم عنده هو آداء عملك كما ينبغي.
وهو بالفعل ما حدث مع "آدم" بطل المسرحية، الذي كان يريد أن يترك عمله كمهرج بعدما حدثت حالة انتحار من أحد المهرجين زملائه على المسرح، بسبب تعاسته المستمرة، حيث كانوا يلقبونه بالبلياتشو الحزين، فما حدث كان للبطل بمثابة صفعة جعلته يفوق لنفسه، ويفكر أين هو؟ وماذا يريد؟ لذلك قرر أن يترك عمله بحثا عن ذاته، عن نفسه، ولكن يرفض رئيسه في العمل ذلك، نظرا لقيامه بعمل لا يستطيع أحد آخر أن يقوم به، وهو ما أوضحه رئيسه وهو يتحدث مع مديره حتى يقنعه بالعودة عن القرار وإلا سيتم معاقبة المدير!
إغراءات خارجية تجعلنا نستمر
ولكن إذا قررت أن تقدم استقالتك بحثا عن ذاتك ووجدت مديرك يقرر أن يتم ترقيتك براتب مجزي بالتأكيد ستعدل عن الفكرة وتنحيها جانبا، وستُكمل، وهو ما وافق عليه بالطبع "آدم" متحججا لزوجته التي كانت رافضة لذلك القرار بأنه يريد فقط أن يشعر بأي إنجاز في حياته، حتى وإذا كان مزيفا، فماذا يستطيع أن يفعل الغريق سوى التمسك بقشاية للنجاة: "تعبت من إني بحاول ومبوصلش يا فريدة، أنا خايف أموت وأنا بحاول، أنا عاجز عن التفكير بحرية، فريدة إنتي مش واخدة بالك إن أنا بغرق، ومحتاج أي أمل ضعيف إني ممكن ألاقي ناس بتصقفلي حتى لو عديت الشارع صح!"
يسرق السُلم الرجل
يمكنني أن أتكلم عن الغيوم الخانقة، عن الطرق التي لا تنتمي إليها، عن الشوارع التي تقطعك بكل سُكرها وأنت تنتظر الحياة، عن العيون التي تنظر لك وليس فيك، عن الضحك الذي سيُذكرك لاحقا بالبكاء، يمكنني أن أتكلم عن التوحد الذي تشعر، التوحد في الوحدة والهوية، عن اللانتماء الذي تثمله بالكأس.
يتغير "آدم" كثيرا عندما يترقى وينسى حتى زوجته التي كانت لا تمثل له الزوجة فقط بل تعامله أيضا كأمه وتحتويه، وتفضله حتى على نفسها، ويوضح ذلك أحمد نادي الذي قام بدوره في تصريحات خاصة لإعلام دوت كوم، أن "آدم" في البداية كان شخصا عشوائي وتائها طوال الوقت، ولكنه يريد أن يشعر بقيمته، ولا يعرف كيف.
صعود أدى لاضطراب شخصية وفقد المحبوبة
أضاف "نادي" أن تحول الشخصية بعد أن أصبح ذا سلطة كبيرة هو ما جعل تفكيره مضطربا، وأرى أن دوافعه منطقية جدا طوال المسرحية، لأنه شخص ملول وجبان فاستغل أقرب فرصة للصعود التي جاءت له بدون مجهود خاصة وأن حلمه هو الصعود على سُلم المجد ولا يهم له بأي طريقة.
يوضح اضطراب شخصيته على علاقته بزوجته، التي تركها وحيدة خاسرة كل شيء، حتى نفسها، ويظهر ذلك في العديد من المشاهد التي كانت تجمعهما والتي أعتبرها من أقوى مشاهد العرض، حيث كانت نقاشاتهما بعد صعوده للسُلم لا يسمعها ولا يراها سوى الشخص المتحدث، كانت تكلمه فريدة كثيرا وتحاول أن تسأله كيف استطاع أن ينساها بعد كل ما قدمت له، حيث تقول "طب وأنا، أنا فين من كل ده؟!"، بالطبع لا يراها ولا يسمعها آدم ويستمر في صعوده للسُلم متجاهلها.
يرى "نادي" أن القرار الأنسب كان هو أن يرجع آدم عن قراره منذ البداية، ولا يكمل بدونها، مشيرا إلى أن فريدة كانت تبحث دائما عن أسبابه ومبادئه، كانت ترفض عشوائيته.
فن تشكيلي صامت.. وسيزيف الحياة
ركز العرض على العديد من اللوحات الفنية التي كانت تعبر عن الموقف، ويبرر ذلك محمد الحضري مخرج العمل خلال حواره مع إعلام دوت كوم، حيث يقول أنه يحب الفن التشكيلي، حيث إن والديه فنانين تشكيليين فيظهر على مسرحياته التأثر كثيرا به، مكملا: "وأركز في إخراجي على المنهج التعبيري، وهي خروج لوحة مؤثرة تحكي ما يحدث دون الكلام".
"سيزيف" هي أسطورة يونانية لشخص تمرد على الآلهة وحكمت عليه بأن يحمل صخرة ويصعد بها لقمة الجبل وتسقط منه ويهبط للحصول عليها ويصعد بها مرة أخرى وتسقط ويظل يدور في دائرة مغلقة طوال حياته، حيث قال "الحضري" أنها أيضا حياة آدم وهو صعوده للسلم وسقوطه ومحاولاته المستمرة مرات عديدة دون أن يخرج من الدائرة.
أشار "الحضري" إلى أنه يركز على سلسلة مسرحية تحمل اسم "الرجل الذي" وهي عبارة عن 3 مسرحيات تركز على الإنسان الذي يتم استلابه، مردفا: "قمنا بعمل الرجل الذي أكله الورق والرجل الذي سرقه السلم والثالث لم نستقر بعد عليه".
أما عن نهاية العرض المفتوحة فيوضح "الحضري": "لا أفضل النهايات لذلك أحب أن تكون أعمالي بنهائيات مفتوحة، أنا دايما واقع في فكرة الدائرة، بتكلم على إن الحال مستمر، إحنا نفسنا منعرفش إيه اللي حصل لآدم هل هو مات، ولا اتنسى!".
نرشح لك: دفاعًا عن إنسانية "الرجل الذي أكله الورق"