محمد قرنه يكتب: الدفاع عن الأرض ليس (جريمة) يا عمرو سلامة

نشر المخرج السينمائي عمرو سلامة أمس تحديثا على حسابه الشخصي على “فيسبوك” يصف فيه الهجمات الفلسطينية على الإسرائيليين بأنها (جريمة)، ويدعو إلى عدم (التعاطف العنصري) مع الفلسطينيين بعيدا عن التحليل (المنطقي) و(الحيادي) للأحداث، على حد دعوته.

ويبدو أن عمرو نسي أو تناسى أثناء كتابته للتحديث ودفاعه عن (المدنيين الإسرائيليين) أن إسرائيل دولة محتلة بالأساس، وأن (مدنييها) هؤلاء يعيشون في مستوطنات تم بناؤها على أنقاض أحياء فلسطينية كاملة بسكانها في بعض الأحيان، في جرائم إرهابية بشعة وإبادات كاملة قامت بها قوات الاحتلال تجاه هذا الشعب الفلسطيني الأعزل.

إن (المستوطن) الذي يرضى ويقبل بالعيش في أرض تم انتزاعها بالقوة وبالسلاح لا يستحق أي حق من (حقوق المدنيين) التي يثور عمرو وغيره دفاعا عنها وشجبا وتنديدا لما يفعله الفلسطينيون بـ(المستوطنين العزل)، فارق السماء من الأرض بين (المدني) وبين (المستوطن)، ومن لا يستطيع استيعاب ذلك فهناك خلل في طريقة استيعابه للأمور بكل تأكيد، ومن يقبل بالعيش على أنقاض غيره يستحق الدهس بالسيارات والطعن بالسكاكين دون أن يؤذي هذا المشاعر الرقيقة للمخرج والسينارست الشاب.

كلنا ندين الإرهاب وننبذه بكل الطرق الممكنة، ولكننا لا ولن نعتبر كفاح الفلسطينيين لاستعادة أرضهم واسترداد ما تم سلبه منهم بالقوة إرهابا، كما يحاول (المجتمع الدولي) وأنصاره بداخل (مجتمعاتنا العربية) الترويج لهذا، إن قلب المفاهيم واللعب فيها هو أخطر ما يتعرض له البشر في العصر الحالي، حيث يتحول (المستوطن المحتل المعتدي والمغتصب لأرض غيره) إلى (إنسان مدني مسكين يتعرض لإرهاب الفلسطينيين دون أن يكون مشتركا في قوة عسكرية).

إذا أراد الفلسطينيون حقا استعادة أرضهم فلا سبيل أمامهم لذلك سوى ما يفعلونه الآن، سوى أن يجعلوا هؤلاء المستوطنين يدفعون ثمن جرأتهم وبجاحتهم للإقامة على أرض مغتصبة وعلى أشلاء أهلها من الفلسطينيين، الفلسطينيون لا يمتلكون جيشا حتى نتحدث عن توجيه القوة ضد الجانب العسكري فقط من ماكينة الاحتلال الإسرائيلي، الفلسطينيون لا يملكون سوى حجارة ومفكات وسكاكين يدافعون بها عن ما تبقى لهم من كرامة وأرض، ويحاولون من خلالها استرداد ما يمكن استرجاعه ولو احتاج ذلك لمعجزات.

تراجع المخرج عما كتبه واعتباره الثورة التي واجهها بسببه هي (سوء فهم من الآخرين) موقف معتاد، فالاستراتيجية هي (محاولة استثارة التعاطف مع الإسرائيليين) عن طريق الهجوم على ما تمت تسميته (التعاطف العنصري) من العرب مع الفلسطينيين كما وصفه المخرج، فإذا لم تنجح المحاولة وواجهت هجوما عليها يخرج صاحبها ليعلن أنه (لم يقصد ذلك)، وأن الناس هم من أساؤوا فهم كلامه، مع رد الهجوم باعتبار الناس (صراصير) و(أغبياء) لا يستطيعون فهم الكلام الإنساني العميق الذي تشدق به.
إن منطق عمرو سلامة الذي يحاول تمريره إلى مجتمعاتنا قائم بالأساس على تشويه الحقائق، وقلب المفاهيم، مع ادعاء الإنسانية والتحضر بالتأكيد أثناء القيام بذلك، ولنفترض مثلا أن الوضع معكوس، وأن العرب هم من قاموا باحتلال إسبانيا حديثا على سبيل المثال وقاموا بقتل وتشريد أهلها وبناء المستوطنات هناك، فهل سنعتبر جهاد الإسبانيين وقتها لاسترداد أرضهم “إرهابا” ولو قاموا بطعن المستوطنين العرب هناك؟؟ وهل سنعتبر تعاطف الأوروبيين مع الأسبان وقتها – إذا كانوا لا يستطيعون تقديم شيء لهم – (تعاطفا عنصريا)؟؟

ما يحدث الآن ومنذ فترة هو (محاولة تهميش القضية الفلسطينية)، هو الدعوة إلى التعامل بعيدا عن الماضي والمجازر التي ارتكبها الإسرائيليون فيه، هو (أنسنة المستوطن الإسرائيلي) ومحاولة إثارة تعاطف المجتمع العربي معه مثلما المجتمعات الغربية، ولكن الهجوم الذي واجهته المحاولة الأخيرة لعمرو سلامة قبل تراجعه عنها يدل على أن طريقهم لتحقيق ذلك ليس سهلا، وأنه على الرغم من كل ما يملكونه من وسائل التأثير في الجماهير لن يستطيعوا (دفن القضية الفلسطينية) كما يتمنون في أعماقهم.

اقرأ أيضًا:

محمد قرنه يكتب: (صوت في الخلفية).. السبكي أسلوب حياة

محمد قرنه يكتب: دوت مصر ..ما جمعه عبد الله كمال يفرقه خالد البري

محمد قرنة: عن بلاعة “السوشيال ميديا”

.

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا