مغرية بـ صراحة، الشكل والفكرة والإسقاط والحكاية. كل شيء فيها مغري، بـ نتكلم هنا عن “العشاء الأخير”.
حسب الإنجيل، إنه في الليلة اللي اتصلب فيها المسيح، اتعشى هو والتلاميذ، وكان ميعاد عيد الفصح اليهودي وقتها، والعشاء ده تم تسجيله من خلال لوحات فنية كتيرة أشهرها لوحة ليوناردو دافنشي اللي عملت ضجة، وكانت الأساس لـ رواية شفرة دافنشي.
الكل قاعدين على مائدة مستطيلة في صف واحد، على خلاف الشكل المعتاد لـ الموائد، والمسيح في النص، والتلاميذ كل واحد واخد وضع، وإحنا في آخر عشا قبل المحاكمة اللي هـ تنتهي بـ الصلب ظلما، وإن المسيح يبقى الضحية والفداء.
أعمال فنية وأدبية كتير استعارت الموضوع، أو جزء منه، سواء بـ شكل مباشر أو غير مباشر، وعندنا مثلا ملحمة “أدهم الشرقاوي” في معالجة الإذاعة المصرية، أدهم تعرض لـ الخيانة من صاحبه بدران (يهوذا)، فـ بـ نسمع إن بدران جايب له العشا، قبل ما يسلمه لـ جنود الاحتلال الإنجليزي، فـ أدهم بـ يقول له الجملة الشهيرة: “يا خوفي يا بدران، لـ يكون آخر عشا”. وجملة “يا خوفي يا بدران” بقت تقريبا مثل.
وشفنا “السبع وصايا” وغيرها من الأعمال، ومنها “أحمر شفايف”.
بـ نشوف عيلة إبراهيم أفندي بـ تتعشى آخر عشا، قبل ما يروح لـ صليبه الخاص، ويتعرض لـ المحاكمة الظالمة، معنديش شك واحد في الألف إن استعارة “العشاء الأخير” مقصودة من صناع الفيلم، خصوصا إن العشا، ومناسبته (نجاح الطفل) محشورين في الفيلم حشر، علشان نشوف المشهد بـ الطريقة اللي شفناه بيها.
بس صليب إبراهيم أفندي مكنش فداء لـ حاجة، ولا تضحية، هو مجرد ضحية مجانية لـ مجموعة ظروف ذاتية وموضوعية:
ضحية الحياة البديلة اللي عاشها كـ مواطن من الطبقة الوسطى، الفيلم ده من أعظم الأعمال اللي تناولت الطبقة دي ومأساتها، اللي بـ تتلخص في إن المواطن بـ يعيش حياة مش بتاعه، علشان يعجب ناس هو بـ النسبة لهم مش مهم.
كل الحاجات بـ تحصل حوالين الأب، بس لـ إنها بـ تحصل، بس لـ إن الناس بـ تعمل كده: البنت بـ تاخد درس بيانو، لـ إن ولاد الناس بـ يعلموا ولادهم مزيكا، ورغم إنه هو شخصيا بـ يفرق بين البيانو والعود، بس هو لا يتذوق اللي البنت بـ تدرسه، ولا يهتم بـ الموسيقى أصلا، لا هو ولا قرايبه، المعزومين على العشا وبـ يسمعوا مزيكا، هم بـ يحبوا الرقص البلدي بتاع سامية جمال.
مفيش حاجة في الفيلم بـ تدل على إنه بـ يحب مراته، بس هي بنت أخت صاحب الفابريكا اللي بـ يشتغل فيها، زائد العيال، فـ هو ملتزم علشان عيب ما يبقاش ملتزم.
هو صحيح ما غلطش مع قمر، لكنه كان عايز يغلط، والمشهد اللي هي بـ تمسح فيه البلاط بـ يقول كل حاجة، أول ما ييجي يطردها، يلاقيها حلوة وشهية، فـ يتراجع.
حتى في الليلة المشئومة، هو كان رايح يشرب، بس برضه كان عايز يروح لها الأوضة، وفضل متردد، رغبته هي اللي خلق عند البنت الفرصة لـ الإغواء، مفيش إغواء من غير رغبة، وهو ما صدق، جري عليها، فـ هو يجوز مظلوم، بس مش مظلوم قوي.
مفيش يهوذا في العشاء الأخير، بس فيه غدر، غدر من مراته اللي كانت مترصدة له، وتقريبا مستنياه يغلط، وغدر من الحية إبليس اللي أغوته وبعدين أنكرته، وده هـ ينقلنا من صليب المسيح لـ خطيئة آدم اللي طردته من الجنة، وخلت سوءاته تبان ومرمطته، وأي مرمطة.
إنها المرار الطافح
إنها المشهد الجي
تابعونا