كل عام قبل بدء معرض القاهرة الدولي للكتاب، وخاصة في الفترة الأخيرة منذ ظهور مصطلح الإنفلونسرز أو صناع المحتوى، ودخولهم للمجال الأدبي، يحدث جدلًا كبيرًا حول إصدارتهم.
السبب في هذا الجدل هو رأي شريحة كبيرة من القراء تجاه هذه الإصدارات، وأن انتشار هذه الفئة أو محاولتهم للكتابة وخاصة الأدبية هو أمر مرفوض، وهو ما يؤدي إلى مقابلة أعمالهم بالكثير من النفور والاستهجان منذ بدء الإعلان فقط عن العمل الأدبي وقبل صدوره.
في ذلك الصدد حاول إعلام دوت كوم، أن يبحث في أسباب الهجوم الذي يقابله صناع المحتوى بعد إعلانهم عن إصدار كتابهم، وخاصة قبل أن يُصدر، وما هي أسباب الجدال الدائم حول محتواهم، وخاصة بعد مشاركتهم في الحياة الأدبية، مع أخذ عينة عشوائية لأشهر صانع محتوى في الفترة الحالية قُوبل إصداره بالرفض والهجوم وهي كنزي مدبولي، بعد إصدارها رواية "فرصة من دهب" عن دار همزة للنشر والتوزيع.
السوشيال ميديا صنعت نجومها
"أصبح يوجد ما يُسمى بالإعلام الموازي، بسبب انتشار السوشيال ميديا لأنها صنعت نجومًا خاصة بها، عالم كبير تتجه إليه فئة معينة من الشباب"، بهذه الجملة بدأ الناقد الأدبي محمود عبد الشكور حديثه معنا، فيرى أن الإنفلونسر استطاع أن يكتسب شريحة معينة من الشباب لم يكن لديهم شخص يخاطبهم من قبل، وبالنظر إلى كنزي مدبولي كمثال سنجد أن طريقتها مبسطة ومختلفة في حديثها مع متابعيها، وتتحدث معهم عن نصائح وأفكار مختلفة بأسلوب بسيط وليس أكاديمي.
أوضح عبد الشكور أن ما يحدث بمعرض الكتاب وظهور الإنفلونسر ككاتب هو ظاهرة وليس لها ضرر على الكتب أو الثقافة كما يُروج لها البعض، فكل شخص يبحث عن الكتاب بغض النظر عن مستواه، ومسألة البقاء والجودة يتكفل بها الزمن مع مرور الوقت، فإذا كانت كتبه تستحق بكل تأكيد سيخلده التاريخ، فقبل ظاهرة الإنفلونسرز تم إصدار كتب كثيرة لم تستمر بسبب عدم جودتها، فالمسألة مركبة وليست سطحية بهذا الشكل.
الكتابة للجميع أما النشر للموهوب
يرى أحمد ضيوف، عضو مؤسس في دار كتوبيا، ومدير النشر بمؤسسة سديم، أن الكتابة للجميع بينما النشر للموهوب، لأنه يخضع لمعايير معينة يجب أن تتوافر في أي منتج أدبي، فمثلا لا يجب أن نقوم بكتابة نص أدبي به لغة مسفة، أو لغته الأدبية ليست جيدة.
أكد "ضيوف" على أنه كناشر يقع على عاتقه تحسين ذائقة القارئ وليس التحكم فيه، معللاً سبب الهجوم الكبير الذي يتعرض له الإنفلونسر عقب إصداره لكتابه بسبب تجارب القراء السابقة مع أقرانه من نفس الفئة، واللذين قدموا أعمالًا دون المستوى، وهو ما يجعل القارئ يحكم مسبقًا على الإصدار قبل أن يطلع عليه، وذلك من عيوب السوشيال ميديا بالتأكيد.
من جانبها، أيدت نفس الرأي القارئة نجوان ماهر حيث قالت إن خبرة القراء السابقة في كتابات الإنفلونسرز هي ما تجعلهم رافضين لكل إصدارتهم، مشيرة إلى أن هناك الكثير من دور النشر تعتمد فقط على عدد المتابعين عند نشر الكتاب دون النظر إلى المحتوى.
الوصاية على الأدب
"يجب على الكاتب أن يتقبل كل آراء القراء سواء كانت إيجابية أو سلبية، وما يحدث من هجوم على المنتج قبل حتى إصداره هو نوع من الوصاية على الأدب"، هذا ما أكده محمد صلاح فضل، مدير الحقوق الأجنبية بدار عصير الكتب، موضحًا أن الجمهور يظن أن الشخص المشهور خارج المجال الأدبي عندما يصدر كتابًا سيكون رديئًا لذلك يرفضون العمل قبل صدوره، مؤكدًا على أن الكتابة ليست حكرًا على فئة معينة.
في نفس السياق، يرفض الكاتب الروائي محمد إسماعيل عمر فرض الرقابة على الإبداع، حيث يؤكد على أن القراءة والكتابة من حق من يشاء، وعلى القارئ أن يقرأ ويختار ما يحب وما يكره، أما السبب وراء الهجوم على الإنفلونسرز فهو أنك يمكنك تخيل المحتوى أو تقييمه من شخصية المؤلف، موضحًا أنه يجب أن يدور العمل حول فكرة تؤرق الكاتب للحد الذي يدفعه للكتابة، ولا يشترط أن تكون فلسفية عميقة ثم يأتي دور الأدوات في إبرازها بلا مباشرة وبدون تقديم إجابات هذا إن أردنا عملًا أدبيًا.
من جانبه، يقول الكاتب الصحفي محمد سرساوي، إن الكتابة تساعد الإنسان على تأسيس عالمه الداخلي، والذي يكتشفه حين تظهر آراءه ورؤيته للحياة بعدما يدونها على أوراقه، بينما القراءة بالطبع للجميع؛ حيث إنها تفتح آفاقًا للوعي والخيال، ويجب على الإنفلونسر أن يُدرك أنه سيواجه فئة كبيرة من القراء والمثقفين يريدون معرفة رؤيته للحياة، كذلك خلفيته الثقافية، لذلك يجب أن يسأل نفسه هل عمله سيكون رؤية تقليدية وعادية أم سيقدم جديدًا؟
محاولة لجذب شريحة جديدة من القراء
على الجانب الآخر، قال يوسف محمود، مدير عام دار همزة للنشر والتوزيع، إن هناك الكثير من الإنفلونسرز يدخلون المجال الأدبي بسبب حبهم للكتابة، وبالنظر إلى كنزي مدبولي سنجد أنها لديها شغف كبير بالكتابة منذ فترة طويلة وليست محض الصدفة كما يرى البعض، وهذا ما شجعهم كدار نشر للتواصل معها لنشر روايتها.
يوضح "محمود" أن رواية "كنزي" مختلفة، لأنها خليط بين الأدب العربي والأدب الغربي فهي شغوفة بهما وتقرأ كثيرًا لأحمد مراد وحسن الجندي فهما سببًا في حبها للقراءة، كما يؤكد على أنه كدار نشر لم يشعر بالخوف من نشر كتاب لصانع محتوى، وذلك لأنه سبق وأن نشر العام الماضي كتاب لـ جو موسى اسمه "رحلتي من النقاش إلى البلوك"، فهو يفكر دومًا في جذب شريحة جديدة من القراء لا تحب الكتب.
كواليس كتابة رواية "فرصة من دهب"
توضح كنزي مدبولي في تصريحات خاصة لـ إعلام دوت كوم، إنها كتبت الرواية منذ عام2020 كسيناريو للكلية، ثم احتفظت به حتى تواصلت معها دار النشر وعرضت "كنزي" عليها ثلاثة أفكار ولكنها فضلت أن تبدأ بهذه الفكرة كبداية ثم البقية تباعًا.
أشارت "كنزي" إلى أن الفكرة جاءت لها عندما كانت في زيارة لمدينة دهب، لذلك قررت أن يكون مكان الأحداث هناك، واستعانت بمصادر كثيرة من الإنترنت، حيث تتحدث الرواية عن العنف الأسري وكيفية تأثيره على الأبناء في المستقبل، بالإضافة إلى معاناة البطل مع نوبة هلع.
ترجح "كنزي" أن سبب الهجوم الذي تعرضت له هو كونها فتاة صانعة محتوى، تكمل حديثها "للأسف المجتمع بينتقد أي بنت صانعة محتوى من غير ما يعرفوا المحتوى نفسه عبارة عن إيه، كلام كل الناس اللي انتقدوا الرواية وقالوا إن فيها أخطاء إملائية، كان قبل ما يقرأوا الرواية، أو يتم نشرها".
نرشح لك: كنزي مدبولي ليست الأولى.. "البلوجرز" ظاهرة سنوية في معرض الكتاب