عندما تفقد كل شئ تستطيع الاختيار، يختار أخيرا الدكتور "يحيى" الحياة التي أرادها بعد أن يعرف أن ما تبقى له ليس بكثير حينما شُخص بمرض "الزهايمر" فأصبح حراً ليختار، ليترك أشياء تبدو أهداف للغير ولكنها لا تناسبه لأنها فرضت عليه وكان أول تلك الأشياء اسمه "يحيى" الذي لم يختاره واستبدله بالاسم الذي يحبه "شجيع" ثم تنازله عن مهنة الطب واغتنامه لفرصة أن يصبح ملاكم محترف أخيرا بعد ممارسته لرياضة الفنون القتالية في عالم المراهنات.
ثم بالتبعية لا يحاول مرة أخرى مع طليقته ويستبدلها بفتاة أخرى تحولت لفتاة ليل بسببه يشعر تجاهها بما لم يشعر به تجاه زوجته كذلك يستبدل سيارته بسيارة أخرى أقل جودة منها ولكنها تشبهه حتى إننا نشاهد الفانوس الأمامي للسيارة منطفئ كالعين العوراء مثل عيناه التي أصيبت أثناء القتال.
لنجد أننا أمام بطل يحارب في حلبة الحياة مثلما يحارب خارجها ليعيش الحياة التي أرادها ولو لأيام قليلة قبل أن يلتهمه المرض.
الاهتمام بالتفاصيل وبناء الشخصيات أهم ما يميز "جولة أخيرة".. أهم ما يميز "جولة أخيرة" عن المعروض هو الاهتمام بالشخصيات فكل شخصية في العمل يمكن أن تكون لها عمل منفرد بدءا من صفاء الطوخي حتى أحمد السقا "يحيى" حتي أحمد فهمي "سند" ضيف الشرف له قصة وتاريخ يمكن أن يخرج منها عمل وإذا فكرنا في كل شخصية على حدا سنجد ذلك أيضا كشخصية الدكتور "نور الدين" رشدي الشامي وشخصية "فريدة" ملك فهمي وطبعا الشخصية الأبرز والأصعب التي قدمها بشكل استثنائي علي صبحي شخصية "شبكة" والفضل لذلك يعود للمؤلف "أحمد ندا" الذي اهتم ببناء قوي للشخصيات، كذلك الاهتمام بالتفاصيل كتفصيلة السائق الأصم الذي عينه شبكة لأمه وزملائها (أمهاته) لحرصه على عدم سماع أحاديثهم ومن التفاصيل الملحوظة أيضا استخدام "الموسيقي" كالآلة زمن للانتقال بين الأجيال فنسمع "رشدي الشامي" يسمع "أم كلثوم" و"يحيى" يسمع "منير" و"منيب" ثم ابنته "فريدة" تسمع أغاني الأندرجراوند الحالية ويشكل هذا المثلث النقطة المفصلية لدافع وخوف البطل فيحيى يُعلم ابنته كيف تعامله بصبره على أبيه الذي ليس على وفاق معه قبل أن يصاب بالزهايمر والسبب في حياة لا يحبها مثلها فهي ليست على وفاق مع أبيها أيضاً وهي من سوف ترعاه حينما يصل إلى تلك المرحلة من المرض ولكنه يحاول أن يكسب حبها قبل الوصول إلى تلك المرحلة "الشئ الذي لم يفعله أبوه معه".
من الأشياء الملفتة والجميلة أيضا في المسلسل هي "الاقتباسات" التي تجعلنا نشعر وكأننا نقرأ عمل أدبي على سبيل المثال:
"مش كل الناس تملك رفاهية الاختيار"
"الدنيا نفق مظلم كحل"
"طريق نجاتها وطريق موتها سكة واحدة"
"المكسب في الحياة إنك تطلع بأقل الخساير"
السقا وأشرف عبد الباقي كيمياء بلا حدود
ليس جديد على السقا المغامرة والتجديد ولكن الجديد أن نشاهد أشرف عبد الباقي مع السقا في عمل يجمعهما كذلك بشخصية لم يقترب من تجسيدها من بعيد قبل ذلك شخصية الكوتش "التامبي" التي أجادها بشكل يجعلنا نتساءل لماذا لم نشاهده في مثل تلك الأدوار من زمان؟
لعل أفضل أداءات السقا في المسلسل هي لحظات الانكسار والهزيمة والمثابرة والانتصار في حلبة الملاكمة ربما لأن ذلك ملعبه الذي يحب "الأكشن" وظهرت الكيمياء بينه وبين أشرف عبد الباقي في تلك المشاهد بشكل ممتع للعين.
استطاع السقا أخيرا أن ينجح في الدراما كما نجح وينجح دائما في السينما بعد هجوم شديد على أدائه في الدراما التليفزيونية من جيل ربما لم يعاصر أداءات السقا الاستثنائية في السينما "تيتو" "إبراهيم الأبيض" ثنائية "الجزيرة".