مثلما بدأنا تحت عنوان "حواء ضد آدم" بالسؤال: "هل هذا هو الموقف الطبيعي لحواء تجاه آدم: أن تكون ضدّه فيما يتعلّق بدوافعه وأفعاله إجمالاً بوصفه متهماً ابتداءً حتى تثبت براءته؟"، نبدأ تحت عنوان "حواء مع حواء" بسؤال مماثل: "هل هذا هو الموقف الطبيعي لحواء تجاه حواء: أن تتعاطف وتتكاتف مع بنات جنسها ضد أية هجمات محتملة من الرجل؟".
وإذا كنّا قد أكّدنا في مستهل مقالنا عن "حواء مع آدم" أن "حوّاء ليست بالضرورة في حالة "ضدّيّة" صريحة ومستمرة تجاه آدم"، فربما يكون من المناسب في مستهل حديثنا هذا أن نؤكد أن حواء ليست بالضرورة مع بنات جنسها في كل – أو حتى أغلب - الأوقات؛ حواء – كما سنرى بتفصيل في المقال القادم إن شاء الله - تقف ضد حواء في كثير من الأحيان إلى ما قد يغري بالقول بأن حالة "الضدّيّة" هي الأساس في علاقة المرأة بالمرأة، ولكنه تعميم آخر يجب تلافيه؛ والتعميمات إجمالاً مغرية بتبنّيها على كل صعيد في حين أن الدقة والحكمة تكمنان عادةً في الصبر على التفاصيل الكثيرة المتشعبة والمتوارية في غضون أي تعميم.
نرشح لك: عمرو منير دهب يكتب: حواء مع آدم.. الفصل الثاني عشر من كتاب "جينات أنثويّة"
حواء مع حواء ليس فقط ضد الرجل وإنما إجمالاً في مواجهة حالة الضعف الفسيولوجي الأنثوي التي أشرنا إليها من قبل، وإن يكن ذلك يفضي منطقياً إلى إمكانية القول بأن المرأة مع المرأة ابتداءً ضد الرجل، فالضعف الفسيولوجي الأنثوي لا يُخشَى أن يستغلّه كائن بما يتجاوز ما يمكن أن يفعله الرجل، ونتجاوز هنا عن استغلال حوّاء نفسها لضعفها الأنثوي، فذلك استغلال لصالحها كما رأينا من قبل. وجميل أن نتذكّر ما أشرنا إليه من أن الضعف الأنثوي غير مطلق، ليس على الصعيد النفسي فقط وإنما حتى فسيولوجياً، فقد رأينا أن قدرة المرأة على تجاوز الرجل في احتمال الألم المادي حقيقة يؤيدها أكثر من دليل قاطع كصبر حواء في مواجهة متاعب الحمل الجسيمة وآلام المخاض والولادة وما على تلك الشاكلة ممّا يفرّ الرجال من مجرّد تخيّل إمكانية خضوعهم له.
الناس على وجه العموم تتكاتف في حالات ضعفها - خاصة عندما تكون في مواجهة عدو/خصم مشترك – أكثر مما تفعل فيما سوى ذلك من المواقف والحالات. ألا يبدو الرجال بمثابة الخصم (ولا نقول العدو) المشترك الذي يحث النساء على المزيد من التعاطف والتكاتف؟
تقول لويز هاي Louise Lynn Hay في كتابها Empowering Women، الصادر في ترجمته العربية عن دار الفاروق بالقاهرة سنة 2008 بعنوان "سعيدة بكوني امرأة"، تقول: "إن مجموعة "مساندة المرأة" التي يقترحها هذا الكتاب يمكن أن تكون فرصة جيدة للنساء من أجل تمييز أفكارهن المحدودة. وذلك من خلال ممارسة العديد من التمارين واستخدام عبارات الثقة بالنفس بهدف تغيير الأفكار القديمة، والاستمتاع بالتغييرات الرائعة في حياتهن، والمشاركة في عملية التغيير مع الآخرين. إن هذه المجموعة تقوم بمجهود ضخم لدعم هذا التغيير... إن مجموعة "مساندة المرأة" يمكن أن تشمل العديد من النساء الصديقات اللاتي يلتقين بمحض الصدفة ربما كل أسبوع. ويمكن أن تدور موضوعات جلسات هذه المجموعة حول فصول هذا الكتاب، كما يمكنك مناقشة فصل مختلف كل أسبوع، وهناك العديد من الكتب الأخرى التي كتبتُها ويمكنك الاستعانة بها. لا تتخذي من المشاركة في مجموعة المساندة وسيلة للترفيه. اجعلي هذه المجموعة نقطة انطلاق في مرحلة تطورك. فعلى سبيل المثال، لا تقومي بمساندة النساء اللاتي يمثلن نماذج لأفكارك القديمة، أو لا تهتمي بأسوأ ظروف مرت بها إحدى النساء خلال هذا الأسبوع، فلا فائدة من ذلك. استغلي هذه المجموعة لعمل تغييرات إيجابية في حياتك".
لويز مؤلفة ومتحدثة تحفيزية Motivational Author and Speaker كتبت ونشرت العديد من كتب مساعدة/تطوير الذات Self-help Books في مواضيع مختلفة وليست حصرية للمرأة، وعليه فلا يمكن تصنيف السيدة هاي بحال على أنها ناشطة نسوية "تحريضية" “Provocative” Feminist ؛ مما يجعل نصائحها المقتطفة في الفقرة السابقة تدخل إلى صعيد "حواء مع حواء" عبر أكثر أبوابه تسامحاً وليس من خلال الأبواب المحتقنة بالمواقف النسوية شديدة الانفعال.
مع "النسوية" Feminism تحديداً، نقرأ في ويكيبيديا الإنجليزية (بتصرّف طفيف في الترجمة): "يعتبر العديد من الباحثين أن الحملات النسوية هي القوة الرئيسية وراء التغيرات الاجتماعية التاريخية الكبرى في مجال حقوق المرأة، لا سيما في الغرب، حيث يُنسب إليها الفضل – بما يكاد يشمل معظم بقاع العالم تقريباً - في جعل حق المرأة في التصويت أمراً واقعاً، وشيوع اللغة المحايدة بالنظر إلى الجنسين Gender-neutral language، وضمان الحقوق المتعلقة بالإنجاب للمرأة (بما في ذلك استخدام وسائل منع الحمل واللجوء إلى الإجهاض)، والحق في إبرام العقود والتملك".
إذا كان منطقياً أن يظهر بعضُ أبرز مواقف "حواء مع حواء" في الصور المغالية لتجلّيات حركة/مفهوم النسوية، فإنه ربما يكون غريباً أن تتمخض الحركة/الفكرة نفسها عمّا يمكن اعتباره نقيض أهدافها التي قامت من أجلها؛ لنتأمّلْ ويكيبيديا الإنجليزية عبر المقتطف التالي: "على الرغم من أن الدعوة النسوية ركزت بشكل أساسي على حقوق المرأة، فإن البعض يجادل من أجل إدراج تحرير الرجال ضمن أهدافها، فأولئك المجادلون يعتقدون أن الرجال أيضاً تضرّروا من الصورة النمطية للأدوار التقليدية للجنسين".
من الواضح أن حركة "حواء مع حواء" عند احتدامها لم تبخل بالإلهام - في مقام المطالبة بالحقوق المهدرة - على آدم وقد اكتشف أنه ظلّ سادراً في طمأنينته/غروره حيناً من الدهر.
للتواصل مع الكاتب عبر الإيميل التالي: ([email protected])