السيلفي والذكاء الاصطناعي.. من يمتلك الصورة الموبايل أم الكاميرا؟

"كل ما في الأمر هو أن تجازف.. لن تستطيع أن تصبر" استمعت للجملة في حوارٍ لم أكن جزءاً منه لكنها استوقفتني للغاية، قالها المصور جاسم العجمي عضو مجلس إدارة الجمعية الكويتية لفنون التصوير، في نقاش كان محتدماً مع زميله المصور عبد الله المحارب والمصورة السعودية أماني القحطاني، ضمن مجموعة من المصورين المحترفين، انتبهت وأردت أن أكون جزءاً من الحوار الممتع، والمحصلة أنني استمتعت بعدد كبير من الصور التي تم التقاطها بالموبايل في لمحة بصر.

أن تحاول التقاط صورة وسط مجتمع من المصورين، يعني أن ينطبق عليك المثل القائل "بتبيع المية في حارة السقايين"، لكنني على الأقل حاولت، وأنا أستمتع بصحبة العدد الكبير من المصورين المشاركين والحاضرين، ضمن المهرجان الدولي للتصوير - إكسبوجر الشارقة 2024 في دورته الثامنة، والذي نظمه المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة.


كان النقاش ثرياً طوال أيام المعرض بسبب العدد الكبير من الصور المشاركة لعدد غير قليل من المصورين القادمين من أنحاء العالم كافة؛ فكان طبيعياً أن تتنوع الأذواق وتكنيكات التصوير، وكذلك الرسائل التي حملتها الصور، ما لفت نظري بشكل كبير هو المساحة المخصصة للصورة الاحترافية المنتجة بالموبايل، وورش العمل والندوات التي ناقشت جودة وقيمة تلك الصور بأكثر من زاوية، ووجدتني أستكمل نقاشاً دار بيني وعدد من المهتمين الهواة، حول ذلك الأمر قبل أن أحضر من القاهرة، إلا أنني وجدت الأمر أكثر عمقاً حين استمعت لنقاشات المتخصصين، حتى أنني ضحكت كثيراً حين قلت للبعض منهم، هذا السجال يذكرني بالمعارك الكلامية بين مستخدمي نوعي الموبايل الأكثر شهرة على مستوى العالم.


استخلصت من نقاشات عديدة حول هذا الأمر، صورةً مكتملة للتعامل مع الموبايل للصور الاحترافية، وما يفرقه عن الكاميرا، خاصةً بالنسبة للمصور الصحفي، في حين تظل الكاميرا بما فيها من إمكانات متقدمة هي الأداة الأقوى في تنفيذ تكنيكات متنوعة، والمدهش أن الموبايل قادر على المنافسة حتى في التصوير الليلي والتصوير الفضائي، وأهم ما في الأمر هو التخطيط المُسبَق، والتأكد من تطبيقات السوفت وير المستخدمة ومتابعة الأرصاد الجوية.


وفي حين حصلت الصور المنتجة بالموبايل على مساحة عرض واسعة، وفرعاً من جوائز المهرجان؛ إلا أن القلق من استخدام الموبايل للتصوير دون بُعد جمالي كان هاجساً حاضراً، على سبيل المثال دار ذلك النقاش في ورشة نقاش جماعي حملت عنوان "إعادة تعريف التصوير الفوتوغرافي"، فوفقاً لآراء المشاركين، والمتحدثان الزوجان المصوران جوناثان وأنجيلا سكوت، يُمثل التصوير "السيلفي" خطراً على "القيمة الجوهرية" للصورة، وما تسببه من عدم إدراك "لجماليات اللحظة"و "عمق التجارب" الإنسانية.

أدهشني كثيراً ما استنبطته خلال المعرض من قدرة المصور..كل مصور، على استيعاب اللحظة! القيمة الجمالية في زمنٍ خاطف، القدرة على توظيف عناصر الإضاءة، سواء الخارجة عن سيطرته أو التي يتحكم فيها، وسط صخب العالم الذي يُحَرض على السرعة ويُعلي من قيمة التسرع.هذا هو ما تحصل عليه إن استمعت لوجهات نظر مصورين من جميع أنحاء العالم، عبر صورهم الراسخة في قيمها الجمالية ومواقفها الإنسانية الحاسمة.

ورجوعاً لما تعكسه النقاشات الدائرة في المعرض حول صورة الموبايل واستخدام تقنيات التكنولوجيا في إثراء الصورة، كان ملفتاً الحديث عن الذكاء الاصطناعي، ما استوقفني ليس الخوف الحاضر عند الحديث عنه، وهو الأمر السائد "كموضة" هذهِ الأيام، وإنما ما استطاع المصور المصري حسن رجب، الذي صور وصمم كمهندس معماري بذوق فني عالي صوراً وتصميمات في معرضه الذي حمل عنوان "سوف تلاحقك المدينة".


صمم رجب معرضه باستخدام أدوات "الذكاء الاصطناعي"، وقسم معرضه إلى عنوانين: "المدينة عبارة عن ترام"، و "رسومات القاهرة"، وشرح من خلال جلسته التي حملت عنوان "الذكاء الاصطناعي التوليدي: نهج بديل للفن والعمارة من خلال الإنسانية"، كيف يرى المدينة من خلال بيوتها ووسائل نقلها، عبر الحياة اليومية بعين فنان وأدوات الذكاء الاصطناعي، لقد استطاع بالفعل تطويعها لجعل صوره وتصميماته أعمالاً فنية متكاملة.


الرحلة الشيقة عبر أيام المعرض منحتني ثراءً ثقافياً، وتغذيةً بصرية، ورؤية أوسع لما يحمله العالم من هموم، والأهم.. قدرة الكاميرا أياً كان نوعها على رؤية الجمال وإبرازه وتوثيقه، وأن الصورة هي الأداة الأهم لمساندة البشرية في معركتها للبقاء.

نرشح لك: فاطمة خير تكتب: هل تنقذ الصورة عالماً يحترق؟