رأيتُ في سياق مستقل أنّ "الشائع أنّ لكلٍّ منّا نقطة ضعف؛ الأرجح أن لكلٍّ منا نقطة قوة".
مع آدم تجاه حواء تحديداً ما أكثر نقاط الضعف، وعليه فربما كان الأولى أن يكون عنوان هذا المقال هو "سحب الرجل إلى نقاط ضعفه" لولا أنّ حواء ليست بحاجة في العادة إلى استنفاد رصيدها من الأسلحة في مواجهة خصمها الوجودي التقليدي، فنقطة ضعف واحدة يُجرّ إليها المغرور المسكين كفيلة بتحقيق الانتصار الذي تنشده حواء في معظم (كل؟) المواجهات على اختلاف أشكالها ودرجاتها.
نرشح لك:رمضان 2024.. يسرا ومحمد فراج وشيرين رضا في إعلان جديد
نقطة ضعف آدم التي تعرف حواء كيف تحاصره فيها هي في الواقع نقطة قوّتها؛ وتجاه آدم تحديداً تكاد المقولة التي بدأنا بها الحديث تنقلب عند تطبيقها على حواء بحيث يُلفَى لديها العديد من نقاط القوّة مقابل نقطة ضعف واحدة؛ وقد رأينا في مقال قريب أنه ليس جمال حواء فقط هو ما يكمن في ضعفها وإنما قوّتها أيضاً تكمن في ذلك الذي يراه آدم ضعفاً أنثوياً جديراً بأن يشمله بحمايته وشهامته وعنايته.
في مقال لها - طرقناه تحت عنوان "حواء والتفاصيل" - نقلاً عن مجلة National Geographic (ناشيونال جيوغرافيك العربية عدد يناير 2017)، تقول آن ماري سلوتر Anne-Marie Slaughter المحامية الدولية الأمريكية وأوّل امرأة تشغل منصب مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية، تقول: "لكن الخصائص الأحيائية ليست قدراً محتوماً، لا على الرجال ولا على النساء. والنساء ما زلن أسيرات ومضطهدات في مختلف أنحاء العالم، ومرغمات على الانصياع لأوامر الرجال. بيد أن الرجال – بالمقابل – هم كذلك أُسارى ومجبرون على الالتزام بالأدوار التي تفرضها عليهم ثقافتهم المحلية. وذكر براون أن البنين يُحرَّضون على أن يكونوا شرسين وقساة "كي ينفّذوا واجباتهم التقليدية المتمثلة في التكاثر وتحصيل الرزق وحماية العائلة" على حدّ قوله".
بعيداً إذن عن جمعيات المطالبة بحقوق الرجل التي يُنادَى بها تهكّماً لا يخلو من الجدّ أحياناً، من الواضح أن أدوار الرجال كما يرسمها المجتمع تُوْقِعهم في بعض صور الأسر التي لا تروقهم بقدر ما تُرضي غرورهم المرسوم سلفاً. وبتأمّل ما ورد في الاقتطاف عن مقال آن ماري، مما تنسبه بدورها إلى براون (لم تشر إليه بأكثر من ذلك)، نتساءل عن القوّة "الخفيّة" في المجتمع التي تفرض أدواراً على الجنسين لا ترضي أيّاً منهما. في الواقع، ورغم أن الكلام حول الأدوار المفروضة على الجنسين مما لا يُرضي أيّاً منهما لا يخلو من الصدق، فإن وجهة نظر آن ماري/براون تبدو بصورة موازية رؤية/صراع ثقافة مقابل ثقافة وليست فقط معركة صرفة على صعيد انتزاع الحقوق بين الجنسين اللدودين.
مهما يكن، وباختلاف المجتمعات وحظوظ كل جنس فيها من الحقوق والواجبات، تبدو حواء بصفة عامة بارعة في تحديد نقطة/نقاط قوتها – التي هي نقطة/نقاط ضعف خصمها التقليدي في المقابل - والتمسّك بها إنْ لم يكن لإحراز المزيد من المكتسبات فعلى الأقل لتجنّب المزيد من الخسائر، وذلك بالنظر إلى طبيعة كل مجتمع وطبيعة وحجم كل معركة بصورة موازية.
في كتابه HOW TO GET YOUR MAN TO WEAR THE PANTS... SO YOU DON'T HAVE TO، الصادر في ترجمته العربية عن مكتبة جرير بالرياض سنة 2023 بعنوان "كيف تدفعين زوجك لتحمُّل المسؤولية... حتى لا تضطرين إلى القيام بذلك"، يعرض المؤلف إليوت كاتز Elliott Katz في الفصل الخامس – تحت عنوان "كيف أُقنعه باتخاذ القرارات؟" - بضع "استراتيجيات" لحث الرجل على اتخاذ زمام المبادرة أو على الأقل الاستجابة لفعل شيء عندما تريد منه المرأة ذلك وهو لا يحرّك ساكناً. يوصي السيد كاتز بحِيَل/استراتيجيات من قبيل: "أخبريه بأنه من الرجولة أن يكون حازماً: أظن أنه من الرجولة أن تتخذ القرارات، فأنا أحترم الرجال الحازمين، وتعجبني شخصياتهم"، "قولي ما يلي: أريد منك حقاً أن تتخذ المزيد من القرارات"، "قولي له: ما أريده هو معرفة ما تريده أنت"، "يمكنك قول: أحب الرجل الذي يعرف ما يريده".
لا يخلو الكتاب - سواء في هذا الفصل أو ما سبقه وما يليه - مما يمكن أن يكون مفيداً؛ فهو صادر من رجل يعرض على النساء من النصائح ما يُدغدغ مشاعر الرجال ويثيرهم لاتخاذ خطوات يتباطؤون حيالها لهذا أو ذاك من الأسباب. ولكن - في المقابل – ودون أية رغبة في النيل من قيمة مثل هذه الكتب أو أي مجهود "فكري" يُبذل على هذا الصعيد، لا أزال مصرّاً على أن حواء تعرف بالفطرة كيف تسحب آدمها إلى نقاط ضعفه بحيث ينهض عنها/من أجلها بما تريده في مواقف أشدّ تعقيداً وحدّة من "ترف" المشاكسات اليومية المتكررة بين قرينين في مجتمع متحضّر.
حواء تعرف جيّداً كيف تستفزّ آدمها حين تريد، والأهم من الاستفزاز مجرّداً هو دفعه إلى القيام بما تنشده من أجل "المصلحة العامة"، مصلحة الأسرة وليست مصلحتها الشخصية كما يجب أن يفهم الرجل من تلقاء نفسه.
ليس من الحكمة القول بأن الحوار المنطقي/العقلاني الصرف هو من أظهر ما تبتعد عنه حواء في معاركها النفسية والفكرية و"الوجودية" مع آدم؛ ولكنها على كل حال تعرف كيف تُلبس أيَّ حوار منطقيّتها/عقلانيّتها الخاصة؛ وهي في الغالب لا تدع مطالبها تتأخر إلى ما يستدعي حواراً معقداً - من أي قبيل - تعرف ابتداءً كيف تتلافاه بإجراءات وخطط استباقية محكمة.
يتجلّى أبرز مهارات حوّاء على ما يبدو حين لا يكون ثمة بدّ من الاصطدام في حوار معقّد تشير كلُّ الدلائل إلى أن معركتها بصدده خاسرة؛ حينها تغدو المثابرة في الإلحاح هي سلاح حواء الفتّاك، مثابرة هي مزيج من الإصرار/العناد والمرونة/المراوغة؛ فإذا تعذّر النصر خلال المعركة الحالية فمن الحكمة إعطاء آدم فرصة الزهو بنصر عابر ترقّباً لتحقيق نصر مؤكّد في مواجهة قادمة هي بمثابة "مباراة الإياب" كما في عرف بطولات كرة القدم؛ وانتصار "مباراة الإياب" لا بدّ أن يكون حاسماً بما يجبّ النصرَ الذي تركت حواءُ آدمَها يهنأ به أياماً معدودات عقب "مباراة الذهاب".
والحال كتلك، ماذا تبقّى من مكامن القوة لآدم في مواجهاته مع حوّائه؟ ألا تبدو حواء قادرة على أن تجعل من كل النقاط بينها وبين آدمها نقاط قوة لصالحها؟