يجري حاليا وفد أوروبي رفيع المستوى زيارة هامة إلى مصر، وذلك في إطار تعزيز الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي، وتشمل الزيارة كل من أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، ورئيس الوزراء البلجيكي الكسندر ديكرو، ورئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس.
توضح هذه الزيارة مدى أهمية العلاقات المصرية الأوروبية، وذلك في إطار من التكامل والشراكة التي تلبي متطلبات التنمية وفقًا للأولويات والمحددات التنموية الوطنية.
تتزامن زيارة الوفد الأوروبي لمصر مع فترة يشهد فيها إقليم الشرق الأوسط حالة من الاضطراب الشديد بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهى الاعتبارات التى تزيد من أهمية الزيارة، وتعزز الحاجة إلى زيادة أوجه التنسيق والتعاون المصرى الأوروبي.
لذا، فإن السياقات التي ستتناولها هذه الزيارة هي تداعيات الحرب على غزة، والتوافقات المصرية الأوروبية حول تطورات المنطقة، وسيتم خلالها الاتفاق على الشراكة الاستراتيجية الشاملة، كما سيحظى ملف الإصلاح الاقتصادي في مصر بأهمية كبيرة في إطار التعاون الاستراتيجي المصري الأوروبي.
وتشكل الزيارة الحالية للوفد الأوروبي إلى مصر تأكيدا على تعاظم الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، وفي هذا الإطار يمكن القول إن أجندة العمل المشتركة للجانبين خاصة على المستوى السياسي والإقليمي، تشمل في الفترة الراهنة العديد من الملفات والأولويات الملحة.
ويشار إلى أن التعاون بين الجانبين لم يكن وليد اللحظة بل امتدت الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبى على مدار عقود والتى تقوم على التكامل وتلبية الأولويات الوطنية، والاستجابة فى أوقات الأزمات، وهو ما ظهر جليا فى وقت جائحة كورونا، وتم إطلاق إطار الشراكة الثنائية 2021-2027 التى تعمل على دفع جهود التنمية الخضراء والمستدامة، ودفع الاستثمار فى رأس المال البشرى، وتحقيق المرونة الاقتصادية والتحول الرقمى.
فيما تركزت سياسة مصر الخارجية في السنوات الماضية على دعم استقرار المنطقة في محيطها الإقليمي والدولي، وتعزيز مبادئ الاحترام المتبادل بين الدول، والالتزام بالقانون الدولي والعهود والمواثيق التي تنظم العلاقات بين الدول، وهو ما أدى إلى تعزيز مكانة مصر كقوة إقليمية مهمة لضمان استقرار المنطقة، فينظر الاتحاد الأوروبى إلى مصر كدولة محورية للاستقرار فى الشرق الأوسط وبوابة للتجارة مع أفريقيا.
ومن الناحية الاقتصادية والسياسية، يعزز استقرار مصر الاستقرار فى المنطقة بأكملها، كما يسهم فى منع تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الاتحاد الأوروبى، ومع ذلك، فإن التحديات التى تواجهها مصر تتزايد، حيث تضطر للتعامل مع تداعيات النزاعات وعدم الاستقرار فى المنطقة، وتكبد تكاليف إضافية لتأمين حدودها ومواجهة التحديات الناجمة عن الهجرة غير الشرعية.
من ناحية أخرى، يساهم الاتحاد الأوروبي بمساعدات إنمائية لمصر بقيمة تتراوح بين 1.7 إلى 2 مليار دولار أمريكى سنويا، بالإضافة إلى مبادرات مبادلة الديون التى تعفى مصر من سداد بعض ديونها للاتحاد الأوروبى مقابل استخدام تلك الأموال فى تنفيذ مشروعات تنموية، كما تم توقيع اتفاقية بين مصر والاتحاد الأوروبى لتعزيز إدارة الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، وتتطلب جهودًا مستمرة لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتعزيز التنمية الاقتصادية فى مصر، وتعتبر هذه الجهود ضرورية للسيطرة على التدفقات غير الشرعية من المهاجرين وتجنب الأزمات الإنسانية والاقتصادية فى أوروبا.
ويحتل الدور المصري مكانة بارزة في مجال الطاقة وتحديدًا فى إطار منتدى غاز شرق المتوسط الذى يُعدُّ من قبل أوروبا كمصدر رئيسى لتلبية احتياجاتها من الطاقة، وذلك لسد الفجوة التي نشأت نتيجة تقليل الاعتماد على روسيا كمورد للطاقة، وقد لعبت مصر دورًا حيويًا فى توفير جزء من احتياجات أوروبا من الغاز من خلال محطتى إسالة ادكو ودمياط، حيث تم استخدامهما بشكل رئيسى لمعالجة الغاز القادم عبر الأنابيب من حقل تمار الإسرائيلى، ومن ثم شحنه عبر السفن إلى أوروبا بعد إسالته.
هذه الجهود دفعت مصر إلى تحقيق أرقام قياسية فى صادرات الغاز الطبيعى المسال إلى أوروبا، حيث وصل إجمالى الشحنات المصدرة إلى حوالى 8 ملايين طن عام 2022 مقارنة بنحو 7 ملايين طن فى العام السابق، وبلغت قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعى المسال خلال عام 2022 حوالى 8.4 مليارات دولار.
وتعتبر صادرات الطاقة المتجددة أحد أهم مجالات التعاون بين مصر وأوروبا، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم بين الشركة المصرية لنقل الكهرباء وشركة "جان دى نال" البلجيكية الرائدة فى مجال إنشاء البنية التحتية للكابلات البحرية وخدمات سوق الطاقة البحرية.
وبموجب هذه الاتفاقية ستقوم الشركة بدراسة مشروع تصدير الطاقة المتجددة بين مصر وأوروبا، من خلال إنشاء خط ربط بحرى بسعة لا تقل عن 2 جيجاوات، وهو مشروع سيسهم بشكل كبير فى تعزيز التعاون بين البلدين وتنويع صادرات الاقتصاد المصرى إلى أوروبا بما يشمل السلع والغاز الطبيعى وخدمات السياحة والطاقة المتجددة.
يُعد الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات حجمها 7.4 مليار يورو أى 8.08 مليار دولار لمصر تهدف إلى دعم اقتصادها وسط مخاوف من أن يؤدى الصراع فى غزة والسودان إلى تفاقم المشاكل المالية فى البلاد وذلك فى ضوء خطة رئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لاين" لزيارة القاهرة بهدف إجراء مباحثات حول دعم التنمية الاقتصادية فى مصر وتخفيف تأثير الأزمة الاقتصادية الراهنة.
تعد خطة الاستثمارات الأوروبية خطوة مكملة لسلسلة التعاون الاقتصادى بين الجانبين إذ تعد مصر الشريك التجارى التاسع والعشرون للاتحاد الأوروبي، وتمثل 0.7% من إجمالى تجارة السلع للاتحاد الأوروبى مع العالم, فيما يمثل الاتحاد الأوروبى أكبر شريك تجارى لمصر، ويغطى 24.5% من حجم تجارة مصر، وجاءت %25.8 من واردات مصر من الاتحاد الأوروبى وذهبت 21.8% من صادرات مصر إلى الاتحاد الأوروبى.
بلغت الصادرات المصرية إلى الاتحاد الأوروبى نحو 16.17 مليار دولار خلال عام 2022 مقارنة بنحو 1.98 مليار دولار خلال عام 2003 فيما سجلت الواردات المصرية منه حوالى 17.97 مليار دولار مقابل 2.93 مليار دولار فى عام 2003.
وترتكز واردات الاتحاد الأوروبى من مصر فى الوقود ومنتجات التعدين، والمواد الكيمائية, والزراعة والمواد الخام والمنسوجات والملابس والأسمدة، فيما تتمثل صادراته فى الآلات ومعدات النقل والمواد الكيمائية وكذلك الوقود ومنتجات التعدين.
ويعد الاتحاد الأوروبى أحد المستثمرين الرئيسين فى مصر عقب الدول العربية، حيث تعتبر البلاد ثانى أكبر متلق للاستثمار الأجنبى المباشر من الاتحاد الأوروبى فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
كما استحوذ الاتحاد الأوروبى على أكثر من 30% من إجمالى الاستثمارات الوافدة إلى مصر خلال العام المالى 2022/2021 بقيمة تبلغ 6.7 مليار دولار مقابل استحواذ الدول العربية على نحو %37 بقيمة تبلغ 8.2 مليار دولار، وخلال الفترة التى تتراوح بين 2002/2003 إلى 2022/2021، ارتفع الاستثمار الأوروبى الوافد إلى الاقتصاد المصرى من 812.9 مليون دولار إلى 6.7 مليار دولار بنسبة نمو تبلغ 720%.
ولم تقتصر الشراكة على التبادلات التجارية والاستثمارية فحسب بل امتدت لتشمل تقديم منح ومساعدات وقروض ميسرة للدولة المصرية فى مجالات التنمية الخضراء والمستدامة، والتنمية البشرية ودعم التحول الأخضر والرقمى وتطوير الدولة الحديثة والديمقراطية. بالإضافة إلى استحواذ أكبر خمس دول أوروبية مستثمرة بمصر (هولندا - إيطاليا - ألمانيا - فرنسا - بلجيكا) على نسبة تتجاوز 87% من إجمالى الاستثمارات الأوروبية الوافدة وإلى جانب ذلك، تُعد مصر شريك أساسى لأوروبا فى أمن الطاقة، حيث حاولت تعزيز مكانتها كمركز إقليمى للطاقة من خلال تعويض أوروبا عن تراجع إمدادات الغاز الروسية عقب الحرب الأوكرانية، وفى عام 2022 وحده عززت البلاد صادراتها من الغاز الطبيعى المسال لأوروبا لتصل نسبتها إلى 71% من إجمالى الصادرات المصرية من الغاز المسال مقارنة بنسبة 31% خلال عام 2021.
وإلى جانب الغاز المسال، يتعاون الطرفين فى مجال الطاقة المتجددة، وتمثلت أبرز محطة فى مسيرة التعاون فى قمة المناخ (COP27) بشرم الشيخ إذ قرر الجانبان إقامة شراكة استراتيجية بشأن الهيدروجين الأخضر من أجل تعزيز مرحلة انتقال الطاقة.
وفى مايو 2023 وقعت مصر مذكرة تفاهم مع شركة "سكاتك إيه إس إيه" النرويجية لبدء دراسات مشروع تصدير الطاقة المتجددة من مصر إلى أوروبا عبر إيطاليا، وتتضمن مذكرة التفاهم بدء الدراسات تمهيدًا لتنفيذ مشروع تصدير الطاقة المتجددة إلى أوروبا باستخدام خط ربط بحرى بقدرة لا تقل عن 3 جيجاوات.
نرشح لك: في إطار من التكامل والشراكة.. تفاصيل زيارة وفد أوروبي رفيع المستوى إلى مصر