تدفعنا الحياة إلى طُرق مختلفة عما خططنا لها، فيُمكن أن تكون أحلامنا متواضعة مثل الوقوع في الحب وتكوين أسرة بسيطة نعيش معها في هدوءٍ وسكينة، ولكن كما قيل قديمًا: "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"، فنجد أنفسنا فجأةً ودون أي مُقدمات في موقفٍ لم يخطر على بالنا أبدًا، سائرين في دربٍ غير ذلك الذي كنا نُريده، لنأخذ أحلام غيرنا، ويعيش الآخرون أحلامنا.
هذا بالضبط ما حدث مع شخصية "شيماء" التي تُقدمها الفنانة سلمى أبو ضيف خلال أحداث مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة" الذي يُعرض الآن خلال السباق الرمضاني 2024، فأحلامها لم تتخط حدود الزواج من شخص تُحبه ويُحبها وتكوين أسرة صغيرة معه، على عكس شقيقتها الصغرى "نسمة" التي تُجسدها الفنانة ليلى زاهر، فلا يشغل تفكيرها سوى حلم الشهرة والنجومية، ولكن يشاء القدر أن يجعل "شيماء" تعيش في الحياة التي طالما تمنتها شقيقتها، وتُصبح مصدرًا لعنائها فيما بعد.
تواصل إعلام دوت كوم، مع الكاتبة سمر طاهر، مؤلفة العمل، والتي تحدثت معنا عن كواليس كتابتها للمسلسل، وأسباب اختيارها للنهاية التي قررت أن تطرح فيها سؤالًا بدلًا من أن تُعطي المُشاهد إجابة على تساؤلاته في الحلقات الأخيرة المُعتادة في أغلب المسلسلات.
الدراما سؤال وليست إجابة
قالت "طاهر" إن مخرجة العمل، ياسمين أحمد كامل، تواصلت معها وأخبرتها عن رغبتها في تقديم مسلسل يتحدث عن سعي بعض الفتيات وراء المكسب السريع من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والذي قد يضعهم في النهاية تحت طائلة القانون، وإنها تحمست للفكرة لأنها كانت مهتمة بهذا الموضوع وأبعاده النفسية والاجتماعية وعن انشغال الناس وتفكيرهم وهوسهم المُنصب على هذه المواقع، موضحة أنها كانت حريصة ألا يتحول المسلسل إلى تلقين مُباشر للجمهور وتحذيره من مواقع التواصل الاجتماعي لأنها تراها وسيلة مهمة ومفيدة للتعبير عن الرأي.
تابعت أنها لم ترغب في تلقين الجمهور حكمًا أو مواعظ، ولكنها تُحب إثارة خيالهم وتحفيزهم على التفكير والوصول لمغزى ومعنى العمل بشكلِ غير مباشر، لأن الموعظة والنصح ليس مبدئها، ولكنها تؤمن دائمًا أن الدراما يجب أن تكون سؤالًا وليس إجابة، لافتة إلى أنها كانت حريصة على تقديم قصة عن أشخاص حقيقيين وليس عن"تيك توك".
أردفت أن "تيك توك" بالنسبة لها هو أداة مُحركة للأحداث وجزء منها فقط، لهذا اهتمت ببناء كافة الشخصيات وليس فقط شخصية البطلة، حتى يشعر المشاهد أنه أمام عائلة طبيعية وحقيقية، مُضيفة أن هذا ما جعل الشخصيات غير نمطية والقصة غير تقليدية، وأنها كانت سعيدة بقرار شركة الإنتاج بأن يكون المسلسل 15 حلقة فقط لأنها ضد المط والتطويل.
السبب وراء اختيار "أعلى نسبة مشاهدة"
وبسؤالها عن سبب اختيار اسم "أعلى نسبة مشاهدة" للمسلسل، أوضحت "طاهر" أنها تناقشت مع مخرجة العمل طويلًا وتم طرح أسماء مختلفة، وأن الاستقرار عليه جاء بسبب أن هذه هي الجملة التي يستخدمها الجميع بالفعل، وبدلًا من أن يكون اسمه "تريند" على سبيل المثال، قرروا استبداله بالترجمة العربية، مضيفة أنها كانت سعيدة بالتعاون مع "كامل" لأنها مُستمعة جيدة وكانت تتناقش معها لإظهار العمل بأفضل شكل، وهو ما شعر به الجمهور عند عرض الحلقات.
التعاطف أهم شيء في الدراما
أردفت أنها ترى "أبو ضيف" فتاة لها ملامح مصرية، وجمالها ذو طابع مصري أصيل يجعل من يراها يشعر أنها تُشبه ابنة الجيران أو زميلته في الجامعة مثلًا، علاوةً على كونها ممثلة مجتهدة وتُطور نفسها باستمرار، لافتة إلى رغبتها في أن يُحب الجمهور شخصية البطلة ويتعاطف معها حتى وإن أخطأت، وأن "سلمى" تمتلك هذه المقومات فهي طبيعية ومريحة، موضحة: "إن الجمهور يحب الشخصية دي أول حاجة للتوحد مع القصة".
أكملت أن دور "شيماء" يُعتبر تحديًا كبيرًا بالنسبة لسلمى أبو ضيف، ولكنها تدربت كثيرًا مع المخرجة لتتمكن من تقديمه بهذه الصورة، كما أنها بالتأكيد شعرت بالشخصية وبدوافعها وأحبتها وآمنت بها، فهي ليست مجرد ممثلة تمتلك تكنيكًا قويًا في التمثيل، ولكنها تعاطفت مع القصة وتوحدت معها.
أشارت إلى حرصها الدائم في أن يُحب الجمهور شخصية "شيماء" ولا يكرهها أو يُدينها، وأن أهم شيء في الدراما هو التعاطف حتى مع الشخصيات الشريرة، فلا يوجد شر مطلق وحتى شخصية "بندق" شقيق والدة "شيماء"، فعلى الرغم من المشاكل الكبيرة التي تسبب فيها إلا أننا لا نستطيع كرهه عندما نراه معها، لأننا نراه من خلال نظرة "شيماء" وحبها له بطريقة غير مشروطة، لافتة إلى أنه عندما يُحب الكاتب شخصياته بالفعل، يُصدقها الجمهور ويتعاطف معها، ونفس الشيء عندنا يحب المخرج الممثلين، يظهرهم بأفضل صورة.
احذر مما تتمنى
يجب أن نأخذ حذرنا دائمًا من دوافعنا، لأنها يُمكن أن تدفعنا نحو الطرق الخاطئة إن لم نقم بترشيدها جيدًا، هذا ما قالته لنا "طاهر" عندما سألناها عن شخصية "نسمة" التي تُقدمها الفنانة ليلى زاهر، موضحة أنها تعمدت أن يُحبها الجمهور بسبب خفة ظلها وذكائها، ولكن عندما بدأت تصرفاتها تتحول إلى الأذى المباشر، فكان يجب أن يتحول تفكير المُشاهد معها هو الآخر، لأن دوافعها قبل الحلقة الـ 10 وحُبها للشهرة كان عاديًا ومفهومًا، ولكنها تغيرت بعد ذلك وأصبحت أفعالها أكثر غيرة وأقوى شرًا.
تابعت أنها رأت ردود أفعال كثيرة بعد عرض مشهد مواجهة الشقيقتين "شيماء" و"نسمة" في الحلقة 11، وأن الناس علقت عليه بأنه حقيقي وبالفعل يُمكن أن يقوم الشخص بأذى أشقاءه بسبب الغيرة، موضحة: "ده بيحصل لما الغيرة بتعمي القلوب، وده موجود في القصص من قديم الأذى، يعني حتى من أيام قابيل وهابيل".
صوت الشخصيات أعلى من صوت الكاتب
أوضحت أن صدق المشاهد جاء بسبب إيمانها بنظرية بناء الشحصيات بطريقة جيدة جدًا، لتتمكن كل شخصية من تقرير مصيرها بنفسها، لافتة إلى ضرورة عدم فرض شخصية الكاتب على شخصيات العمل، وأن يتركهم يتحدثون بصوتٍ عالٍ في ذهنه ليكونوا صادقين معه، مما يجعل كل شخصية تُفصح عن نفسها فتكون حتى كتابة الحوار لها سهلة فتظهر بهذا الصدق والواقعية.
أكملت أن هدف المشاهد المُسبقة التي تُعرض في بداية كل حلقة هو تشويق الجمهور، موضحة: "كان في خوف من أنها تحرق الأحداث، لكن احنا عملناها بطريقة تخليها حتى لو حرقت جزء بسيط من الأحداث فما تحرقش الصورة كاملة"، علاوةً على أهميتها في جعل المشاهد يرغب في متابعة باقي الحلقات لمعرفة كيف وصلت الأحداث إلى هذه النتائج".
كلنا بشر.. لسنا معصومين من الخطأ
تابعت أن شخصية "حمدية" الأم، والتي تُجسدها الفنانة انتصار، موجودة بكثرة في أرض الواقع، فهي لا تقوم بالتفرقة بين أبنائها بدافع الشر ولكن أحيانًا لا نتمكن من التعبير عن حُبنا بالطريقة الصحيحة، فهي تشعر بتشابه شخصيتها مع ابنتها الكبرى، والصغيرة تستطيع التحدث معها بكلمات معسولة، وبين هذه وتلك تُظلم الابنة الوسطى، وأنها تُريد لفت أنظار الآباء والأمهات إلى خطورة التفرقة بين الأبناء لأنها أساس كافة المشاكل التي تواجههم، فبسبب عدم شعور "شيماء" بقيمة ذاتها وحُب عائلتها لها، فانعدم تقديرها هي أيضًا لنفسها.
أشارت إلى أنها أرادت اختبار "حمدية" عندما وضعتها في موقف ضد مبادئها، وعلى الرغم من أنها تبدو شخصية محافظة وتُدين الجيل الجديد على تصرفاته، وأنها غضبت من ابنتها بسبب ما تفعله، إلا أنا وقعت هي شخصيًا في الخطأ، ففي النهاية جميعنا بشر غير معصومين من الخطأ، موضحة أن ظهور الفتيات عبر السوشيال ميديا وتعبيرهن عن أنفسهن بالغناء والضحك لا يعيبه شيء في حد ذاته، وهذا ليس الهدف من كتابة هذا العمل، ولكنه أحيانًا قد يكون بابًا لمشكلات أو تعقيدات أكبر بسبب غيرة أو صراعات ألقوا عليها الضوء في العمل.
وأضافت أن شخصية "علي" التي يُجسدها الفنان إسلام إبراهيم، من الشخصيات النادرة التي قد تبدو انها لا تمتلك ما يجعل المُشاهد يتعاطف معها، فهو شخصية ضعيفة ومهزوزة وثقته في نفسه تكاد تكون منعدمة، لهذا يقوم بتغطية هذا من خلال استغلال وابتزاز من حوله، وعندما أخبرته زوجته بأنها لا تراه رجلًا ثار غاضبًا وقام بتعنيفها، فعلى الرغم من أنه يبدو قويًا من الخارج، ومن تصرفاته الخالية من الأخلاق، إلا أن هش نفسيًا، وهذا هو البُعد الآخر لشخصيته، لافتة إلى أن الفنان إسلام إبراهيم تمكن من تقديم الشخصية بطريقة متميزة، احتوت على كوميديا مُستترة.
مجتمع متناقض
أضافت أن شخصية "هبة تاتو" التي تُجسدها الفنانة إلهام صفي الدين، موجودة بالفعل على أرض الواقع، وأنها تعتقد أن "صفي الدين" تمكنت من إتقان الدور على الرغم من كونه تحديًا صعبًا بالنسبة لها، لأنها من طبقة اجتماعية وثقافية مختلفة تمامًا عن "تاتو"، ولكنها نجحت في هذا التحدي وكانت مُقنعة وصادقة جدًا.
لافتة إلى أنها قررت تقديم نماذج مختلفة لمشاهير "تيك توك" مثل "شيماء، نسمة، هبة تاتو" وأيضًا "كاميليا" التي قدمتها الفنانة هند عبد الحليم، لتُلقي الضوء على التناقضات الموجودة في المجتمع،والتحيز ضد الفتيات بخاصةً في المناطق الشعبية، فلأن "كاميليا" من طبقة أرقى كل ما تقوم به قد يكون مقبول وطبيعي ويفتخر بها وبنجاحها الجميع، على عكس "شيماء"، التي تفرض عليها بيئتها قواعد كثيرة، وأنها أرادت طرح هذا الموضوع بطريقة غير مباشرة بين طيات الأحداث، موضحة: "، لو بنات في الساحل الشمالي رقصوا الناس هتقول الله إيه الطاقة الإيجابية دي، لكن لو بنت في حارة شعبية رقصت هيقولوا هي ازاي مش خايفة على سمعة أهلها؟".
أضافت أنها ترى أن المجتمع يتعاطف مع أي خطأ يقوم به الشباب من الذكور كالتحرش مثلًا، أو انتقامه من فتاة رفضت الارتباط به، ويُبررون تعاطفهم هذا بخوفهم من ضياع مستقبله، بينما لا يوجد تعاطف مُماثل مع الفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي، على الرغم من أن أفعالهن ليست مؤذية للمجتمع.
نسيج من الواقع والخيال
وبسؤالها عن جملة "مستوحى من أحداث حقيقية" المكتوبة على بداية تتر المسلسل، أوضحت أن هذا لا يعني أنه قصة طبق الأصل من قصص أشخاص حقيقيين، ولكنه نسيج وخليط من اللمحات التي نراها ونلاحظها حولنا، وأنها قرأت قصصًا لمشاهير "تيك توك" سواء المؤثرون إيجابيًا أو غيرهم، ولكنها وضعت خيالها أكثر في الأحداث بالتأكيد لأنه أولًا وأخيرًا عمل درامي.
أضافت أنها توقعت في البداية أن الجمهور لن يُشاهد المسلسل بكثافة بسبب كثرة الأعمال الدرامية الموجودة حاليًا، وأنها فوجئت بإشادات النقاد والفنانين بعد عرض الحلقات الأولى، وأنها كانت متوقعة نجاحه عندما يُشاهده ويُتابعه الجمهور، ولكنه نجح بشكل أكبر مما كانت تتخيل، لافتة إلى أن بداية اهتمام المُشاهدين بالمسلسل بدأت بعد طرح الإعلان التشويقي، فشعروا أنه مختلف فعلًا، كما قامت المخرجة باختيار مواقع تصوير طبيعية أحبها الجمهور.
إدانة المجتمع أقوى من حكم القانون
مهما كانت النهاية فهي ليست نهاية القصة ككل، لأن حُكم المجتمع أقوى وأقسى من حُكم القانون، فإدانته تبقى وتستمر ولا يستطيع الشخص التخلص منه مهما حدث، هكذا قررت الكاتبة سمر طاهر التعبير عن نهاية المسلسل، موضحة أنها كانت أمام أكثر من اختيار للنهاية ولكنها قررت أن تكون نهاية تثير تفكير المُشاهد.
أردفت أنها تُريد أن يُفكر الجمهور في مصير الشخصية، وأن تكون النهاية هي حُكم الجمهور وليس حُكمها هي كمؤلفة، موضحة: "اللي يهمنا كصناع العمل الدرامي هو المجتمع هيحكم عليها بإيه مش القانون، لأن حُكم القانون مهم وحكم المجتمع أيضًا مهم، لأن إدانته بتبقى أكبر، وهنسيب ده للجمهور، فيا ترى هي تستحق ايه؟ لأن الفرق بين الغلط والصح أصبح نسبي للغاية مع كل التغيرات والتحديات التي نقابلها".
مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة" بطولة سلمى أبو ضيف، ليلى زاهر، انتصار، محمد محمود، فرح يوسف، هند عبد الحليم، محمد شاهين، إسلام إبراهيم، رحاب الشناط، وإخراج ياسمين أحمد كامل، تأليف سمر طاهر، ومن إنتاج عبد الله أبو الفتوح.
نرشح لك: محمد هشام عبية: "صلة رحم" يثير التفكير لا الجدل.. ودخلت عالمًا سريًا لكتابة الحلقات