هل يرفع مختار أبو المجد "الراية البيضا" التي رفض السفير مفيد أبو الغار رفعها؟
هذا هو السؤال الذي يتبادر إلى ذهني وأنا أشاهد مسلسل "إمبراطورية ميم"، حتى أنني أتشوق لأعرف كيف سيختار المؤلف محمد سليمان عبد المالك نهاية العمل، الذي سيختلف بالتأكيد عن نهاية الرواية التي كتبها الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، وأيضاً الفيلم الشهير المأخوذ عنها.
لقد اختار عبد المالك أن تدور أحداث العمل الدرامي، على خلفية صراع بين مستثمر كبير وسكان أحد مناطق حي المعادي الأصليين – والمعروفين مجازاً بالمعاديست، حيث يصر المستثمر على شراء الفيلل في المنطقة العريقة بأي ثمن، لبناء مشروع عقاري كبير، يضمه لإمبراطوريته العقارية، وفي الوقت الذي يظل فيه هذا المستثمر هو شخص غامض، لا نعرف عنه سوى إصراره على شراء العقارات في المنطقة بأي ثمن حتى ولو كان أكبر من سعر السوق، ويبرر موظفيه ذلك بحنينه إلى المنطقة التي عاش فيها، لكنه في الوقت نفسه يريد تغيير معالمها من منطقة هادئة إلى تجمع سكني وتجاري ضخم؛ نجد على الجانب الآخر بطل المسلسل مختار أبو المجد، هو أيضاً يقاتل ليحافظ على إمبراطوريته التي أسسها بإنجاب ستة أبناء يبدأ اسم كل منهم بحرف الميم، ويصر على رفض البيع لأنه لا يرغب في التخلي عن البيت الذي ورثه عن أبيه وجده، وعاش فيه مع زوجته التي أحبها بشدة وتوفت تاركة له الأبناء ليتولى مسؤولية رعايتهم وحده، فيفعل ذلك عن طيب خاطر محيياً ذكراها.
كل من المستثمر الخفي وبطل العمل يريد الإبقاء على إمبراطوريته، وفي خضم الأحداث يبدو بوضوح الخط الدرامي للعمل و هو علاقة الأب بأبناءه، ويتم طرح تنويعات من أسباب الخلاف بين الأبناء والأب، كصراع واضح بين جيلين، مع الأخذ في الاعتبار خصوصية الجيل الحالي الذي تفصله هوة سحيقة عن جيل الآباء. لكن من ناحية أخرى يطرح المسلسل صراع أهل المعادي للحفاظ على معالمها التي تتميز بها، وهو أمر واقعي للغاية يحدث بالفعل بعيداً عن أحداث المسلسل.
لا يزال أمام المسلسل حلقات كثيرة، ستتطور فيها الأحداث ويتعقد الصراع بالضرورة، ما يضعنا أمام سؤال لا أعرف كيف ستجيب عنه الحلقات: هل سيستطيع أهل المعادي الرافضين للبيع والخروج من بيوتهم الاحتفاظ بها؟
النهاية التقليدية التي تنتصر للقيم، والتي تفضلها أغلب الأعمال الفنية، هي انتصار الخير والمتمثل في رفض القيم المادية، في مسلسل "الراية البيضا" دار الصراع بين الجمال والقبح، الذوق الرفيع والسوقية، وأختار الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة أن يترك النهاية مفتوحة عسى أن يحسمها الزمن، باعتبار أن "المعركة" لا تزال مستمرة"، كان ذلك في عام 1988، وكنا نعتقد أن قيم الجمال لا بد تنتصر، واتضح أن لقوانين الحياة رأياً آخر.
والآن في عام 2024، مع التغير الكبير الذي حدث في المفاهيم والقيم عالمياً، لا يزال الصراع اليومي بين قيم الجمال والأصالة والانتصار للذوق الرفيع، وبين قيم المادة البحتة التي لا ترى سوى المكسب المالي معياراً للتقييم، انتهى زمن عكاشة، وعبد القدوس، لكن يبدو أن في الحياة أمل لا يزال، فالمدافعين عن الجمال، وعن الحق في الملكية وحرية اتخاذ القرار بالبيع أو عدمه، انطلاقاً من التمسك بالمشاعر المرتبطة بالمكان باعتباره أكثر من مجرد حوائط وحسب، بل قيمة أسرية تُوَرث، وذكريات وكذلك أمل في المستقبل، هؤلاء لا يزالون قادرون على رفع أصواتهم والكفاح للاحتفاظ ببيوتهم.
بطل العمل مختار أبو المجد عنيد ومتمسك بمواقفه وآرائه، ويتسبب ذلك في مشاكل مع أبنائه، لكن إلى ماذا ستقود هذه العلاقة فيما يخص "البيت"، هل سيتم بيعه في نهاية المطاف، ويكون للمؤلف اختيار يبتعد عما اتجه إليه مفيد أبو الغار في "الراية البيضا"، هل انتهى زمنه؟ أم.. سيصر أبو المجد على موقفه في رفض بيع البيت وسيقنع أبناءه/المستقبل بذلك ليشكلوا جميعاً جبهة تتكاتف مع الجيران الرافضين لتغيير طبيعة المعادي/الأصالة؟