اسم يحيى الفخراني علامة هامة ومضيئة في تاريخ الفن المصري بشكل عام، والدراما التلفزيونية بشكل خاص. وعاد بعد غياب عامين للموسم الرمضاني 2024، بمسلسل "عتبات البهجة" المأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم صدرت عام 2005 للأديب الكبير إبراهيم عبد المجيد.
كتب السيناريست مدحت العدل المعالجة الدرامية للعمل، وأخرجه مجدي أبو عميرة. وشارك في بطولته صلاح عبد الله وجومانا مراد وصفاء الطوخي ووفاء صادق، وسما إبراهيم وهنادي مهنى.
نرشح لك :"بابا جه".. أكرم حسني ربح الرهان
ورغم الحماس الكبير للجمهور قبل عرض المسلسل، إلا أن ذلك الحماس قد انطفأ مع عرض أولى حلقات "عتبات البهجة" بداية الشهر، ورأى البعض أن العمل خيب آمالهم الكبيرة التي كانت تنتظر شيئا مميزا كما اعتادوا من الفنان الكبير يحيى الفخراني. وجرى التعامل معه كأنه لم يشارك في الموسم الحالي.
وبعد انتهاء عرض المسلسل، نحاول الوصول إلى أسباب انطفاء وهج أعمال الفنان يحيى الفخراني في آخر 3 مواسم رمضانية، خاصة بعد عرض مسلسل "ونوس" الذي شكل حالة خاصة جدا وقت عرضه.
أندرو محسن: التكرار السبب!
يرى الناقد أندرو محسن أن الفنان يحيى الفخراني كان لديه القدرة على اختيار أعمال مميزة جدا في فترة من الفترات، وكان معتادا للتجريب مع مخرجين ومؤلفين كثيرين. وفي إحدى الفترات شهد نجاحات جماهيرية متتالية في أعمال مثل "الليل وأخره" و"عباس الأبيض في اليوم الأسود" و"يتربى في عزو".
يتابع "محسن" أن "الفخراني" في تلك الفترة كان يتنقل بين صناع كثر من حيث الإخراج والتأليف. وتعاون فيها مع مخرجين مثل: نادر جلال ومجدي أبو عميرة، ومؤلفين مثل: يوسف معاطي وسمير خفاجي. وكان لدى "الفخراني" القدرة دوما في حال غياب النجاح عنه أن يعود مرة أخرى، وذلك كما حدث في مسلسل "ابن الأرندلي" الذي لم يحقق وقتها النجاح المرغوب، وعاد بمسلسل "شيخ العرب همام" الذي لم ينجح جماهيريا أيضا، لكنه ابتعد وغير الموضوع تماما وعاد بمسلسل "الخواجة عبد القادر" الذي اعتبره مغامرة كبرى مع مؤلف جديد وقتها وهو عبد الرحيم كمال، ومخرج جديد وهو ابنه شادي الفخراني وحققا نجاحا على المستوى الفني على الأقل، لأنه لم يحقق النجاح الجماهيري المعتاد لـ يحيى الفخراني.
يوضح: أعتقد أن الثنائي عبد الرحيم كمال وشادي الفخراني كانا يعطيانه مساحة أكبر لتجربة أشياء مختلفة، لذلك شاهدنا "دهشة" و"ونوس"، فكانت أدوارا مختلفة جدا حتى على "الفخراني" نفسه الذي نادرا ما كنا نراه في أدوار شريرة. "ونوس" كانت تجربة مميزة جدا -ولا أعتبرها أهم تجربة في التعاون الثلاثي- لكنها كانت ناجحة جماهيريا. يحيى الفخراني في أكثر أوقات نجوميته التلفزيونية كان لديه القدرة على التغيير والمغامرة، ما منحه سلسلة نجاحات كبيرة جدا، وصلت لمرحلة "ونوس"، ومن ثم بدأت في التراجع.
يرى "محسن" أن ما يحسب للفنان الكبير في فترة التراجع هو عودته للتجريب مرة أخرى مع هالة خليل ومحمد رجاء، في "بالحجم العائلي" قدم دراما عائلية لكنها لم تكن بالشكل المطلوب، وكانت تلك الفترة تشهد تغييرا في الدراما التلفزيونية فلم يكن العمل بالنجاح المتوقع رغم كونه أفضل من الأعمال التي تلته. ونلاحظ أن "الفخراني" من بعد "شيخ العرب همام" لم يقدم مسلسلا سنويا فكان يقدم كل عامين مسلسل، ورغم أن تلك الفترة كانت تعطيه فرصة للتحضير لكنها فشلت في "بالحجم العائلي" أيضا، لأن الموضوع لم يكن جديدا، والشخصيات المكتوبة لم تكن قوية، بالإضافة إلى أن الشخصيات التي قدمت الأدوار لم تكن بالتميز المعتاد، فنرى في الأعمال السابقة أن يحيى الفخراني لم يكن هو فقط المميز بل كان الممثلين المساعدين أيضا ممتميزين وهو شيء معتاد في مسلسلات الفخراني، وهذا لم يحدث في "بالحجم العائلي".
يستكمل: عاد "الفخراني" مرة أخرى بثنائية عبد الرحيم كمال وشادي الفخراني في "نجيب زاهي زركش"، لكنها كانت إعادة تدوير أيضا لفكرة لم شمل العائلة، وكان به مشكلة الوجوه الشابة التي لم تكن على نفس المستوى، وذلك أمر غريب. ولو شاهدنا المسلسل الأحدث "عتبات البهجة" سنرى أنه يكرر التجربتين الماضيتين بشكل أو آخر وهي لم شمل العائلة، الفرق الوحيد كان في الطبقة الاجتماعية، تكرار الموضوع أكثر من مرة جعل التجربة فقدت بريقها، وأعتقد أن أعمال السيناريست مدحت العدل لم تكن جميعها على نفس القدر من النجاح، كما أن المخرج مجدي أبو عميرة له رصيد كبير لكننا شهدنا في العمل أنه لم يجدد من أسلوبه.
إيهاب التركي: التقليدية تقتل المنافسة
يقول الناقد إيهاب التركي: أعتقد أن أزمة أعمال الفنان يحيى الفخراني الأخيرة تكمن بالأساس في أنها تميل للتقليدية وبعيدة عن التجديد والتجريب، في وقت به منافسة درامية كبيرة في رمضان، وأعمال كثيرة تحاول جذب المُشاهد بالفكرة الجديدة الجذابة.
يتابع: الدراما حاليًا تحاول تقديم المتعة والترفيه بعيدًا عن الوعظ والمباشرة. وأعمال "الفخراني" الأخيرة تركز على العائلة والقيم الأخلاقية، وهذا شيء جميل، لكن شكل الدراما والمعالجة يفتقد الجاذبية، وهذا الشيء واضح مثلًا في "عتبات البهجة" المأخوذ عن رواية جميلة للأديب إبراهيم عبد المجيد، ولكن المعالجة الدرامية والإخراج لم يكن جذابًا.
يضيف: طلة "الفخراني" كانت الشيء المُبهج الأبرز في المسلسل، ماعدا ذلك كان دراما رتيبة قديمة الطراز. وأعتقد أن الفنان يحيى الفخراني يحتاج إلى ابتكار نوعية البهجة التي يقدمها في الدراما، فالمشاهد لا ينتظر منه التوجيه والإرشاد، ينتظر منه سحر الدراما الإنسانية المؤثرة، والبحث عن فريق إبداعي للكتابة والإخراج على مستوى قدراته الفذة كممثل لديه موهبة وإحساس ورصيد كبير من محبة وإعجاب الجمهور.
علياء طلعت: السوق اختلف
تؤكد الناقدة علياء طلعت، على أن الفنان يحيى الفخراني من الممثلين ذوي القيمة الكبيرة فنيا، لكن هناك أزمة وهي عدم قدرة الفنانين على استكمال مسيرتهم الجيدة مع كبر العمر، وذلك ليس له علاقة لها بالسن على قدر حسن اختيار الأدوار التي تتناسب مع عمرهم. وبطبيعة الحال أعمال الفنان الأكبر سنا تقل عما كان في مرحلة الشباب.
شرحت "طلعت" أن كل الأعمال لا تكون مكتوبة بشكل جيد يتلائم مع الممثلين الكبار في العمر، بالإضافة إلى أن التقدم في العمر يجعل حركة الفنانين أقل مثل أي وظيفة حياتية، كما أن اختيارات الممثلين الكبار عمرا تكون مناسبة لسوق العمل الذي كانوا وقته أصغر سنا، في حين أن السوق تغير، وبعض الأعمال لا تناسب السوق في الوقت الحالي.
لفتت إلى أن مسلسل "ونوس" كان أفضل من "نجيب زاهي زركش"، والأخير أفضل من "عتبات البهجة"، وهذا شيء طبيعي لا يقلل من قيمة الفنان يحيى الفخراني أو من نجاحاته السابقة أو حب الجمهور له، لكن هناك ملاحظة هي أن الجمهور نفسه قد تغير. فالجمهور الذي كان يشاهد يحيى الفخراني في "ليالي الحلمية" تقدم في العمر، وقد يكون لا يشاهد التلفزيون، في حين ظهور جيل جديد يشاهد التلفزيون حاليا، ورغم أنه شيء محزن لكنه واقعيا، فالعمر يُغير أشياء. وليست كل الناس على قدر من الاستيعاب لنقطة تغير السوق، فعلى الممثل أن يكون لديه القدرة للتغيير.
أحمد سعد الدين: الأزمة في الكتابة
قال الناقد أحمد سعد الدين، إن الفنان يحيى الفخراني واحد من أهم فرسان الدراما خلال الـ4 عقود المنقضية، ويمتاز بقراءته للسيناريو بشكل جيد جدا، ويحدد مناطق الضعف والقوة في السيناريو قبل التصوير، كما أن ملامح وجهه معبر يُعطي المشاهد كل ما يحتاجه من انفعالات يرغب في رؤيتها.
لفت إلى أن "الفخراني" واجه بعد مسلسل "ونوس"، مشكلة عدم وجود سيناريو جيد، وممكن أن يكون الفنان الكبير يوافق على أفضل الموجود الذي يُعرض عليه، ولكن ليست كأعماله السابقة، لذلك أن أرى أن الأزمة هي مشكلة كاتب.
أكد على أن المشكلة حاليا في السيناريو الذي يُكتب لفنان في عمر يحيى الفخراني، فهو يحتاج لشخص يكتب له خصيصا شخصية تناسبه، وهذا الأمر كان موجودا في تعاونه مع الكاتب عبد الرحيم كمال، لكن الثنائي انفصلا نتيجة انشغال "كمال" في مشروعات أخرى.
أردف أنه كان متفائلا بتقديم مسلسل "عتبات البهجة" مع المخرج مجدي أبو عميرة والسيناريست مدحت العدل، ولكن عندما شاهدنا العمل وجدت أنه أقل قيمة من الأعمال السابقة، لأن "التيمة" المقدمة قديمة بعض الشيء، لذلك نحتاج إلى كاتب جيد وسنرى يحيى الفخراني يتألق مرة أخرى.