جدل كبير خلقته أحداث المسلسل التاريخي "الحشاشين"، بطولة الفنان كريم عبدالعزيز، والذي يقلب أوراق ماضٍ مظلم لجماعة هي الأشد إجرامًا في التاريخ الإسلامي، وهم "الحشاشين"، وقائدهم حسن الصباح الذي ولى نفسه إمامًا لطائفة النزارية المنشقة من الباطنية، في أصفهان، ونفذ عدد كبير من الاغتيالات السياسية لرؤوس الحكم فيها، ووصل بطشه لقتل أبنائه.
العمل المليء بالتفاصيل التاريخية، تفوق فيه الشق التقني على نفسه، حيث ظهرت المؤثرات البصرية والجرافيك بشكل مبهر، جعل البعض يشبهه بأكبر الأعمال الملحمية العالمية "صراع العروش" أو (Game of Thrones)، أو اللعبة الشهيرة عن نفس الطائفة (Assassin's Creed)، ولفتت بعض المشاهد بعينها مثل حلم الصباح بصعوده إلى الجنة، والمعركة الشرسة بين جيشه وجيش السلاجقة، في الحلقة الـ11، الأنظار لتطور مستوى الجرافيك في مصر، مما حاز على إشادات كبيرة.
"إعلام دوت كوم" تواصل مع محمد طنطاوي، مشرف المؤثرات البصرية، ومؤسس شركة (Trend VFX)، القائمة على تنفيذ مسلسل "الحشاشين" بالتعاون مع المخرج بيتر ميمي، والذي كشف لنا تفاصيل تنفيذ مشاهد المعركة، والمركب، والمظهر الخارجي لقلعة آلموت، ومدينة أصفهان وسمرقند.
مستوى عالمي بـ أيادي مصرية
-الشركة نفذت المؤثرات البصرية، لعدد كبير من الأعمال الفنية المهمة، وأبرزها: مسلسلات (الاختيار، والمداح، ولعبة نيوتن)، بجانب أفلام مثل (شماريخ، بيت الروبي، وشلبي) مؤخرًا، كما أننا نتعاون مع هوليوود، لتنفيذ أعمال عالمية، مثل مسلسل (the boys) الشهير، وفيلم (Lullaby).
-بدأنا منذ 6 سنوات فقط، ونحن شركة مصرية 100%، كل العاملين مصريين، وشريكي في الشركة أحمد شحاتة مصري أيضًا لكنه عاش جزء من حياته خارج مصر، وشارك في مشاريع فنية كبرى أهمها (game of thrones)، و(underworld)، وغيرهما الكثير.
-كان هدفنا منذ اليوم الأول لتأسيس مشروعنا، هو التطلع للوصول إلى المستوى العالمي في مثل هذه الأعمال، وتقديمها في الأعمال المصرية، وأيضًا تنفيذ أعمال عالمية هنا في مصر بأيادي مصرية.
-واجهتنا مشكلة في بداية تأسيس الشركة، وهي إيجاد كوادر تحقق هدفنا، لذلك بدأنا بعمل كورس احترافي لشرح تقنيات المؤثرات البصرية التي نحتاج إليها، اخترنا فيه مجموعة من الأشخاص وظفناهم معنا وقتها، هم الآن من أصبحوا مديري ومشرفي المشاريع التي ننفذها حاليًا، وقررنا منذ عامين طرح تلك الكورسات مجانًا على الإنترنت لنتغلب على مشكلة ندرة الكوادر في مصر.
عام ونصف.. مدة تنفيذ مؤثرات الحشاشين
-بدأنا العمل في جرافيك الحشاشين منذ عام ونصف تقريبًا، وكانت البداية ببناء مباني وشوارع المدن التاريخية (القدس، وأصفهان، وسمرقند) وغيرهم، ثم صورنا مشهد العاصفة التي داهمت المركب في الحلقة الثالثة، في مالطا منذ عام، وبدأنا في تنفيذ المؤثرات البصرية منذ 9 أشهر، لأن تلك هي المشاهد الأصعب، وباقي العمل نفذناه خلال الشهور الأربعة الماضية.
-الديكور والجرافيك يكمل كل منهما الآخر، فكل المشاهد التي يتعامل فيها الأشخاص من "شوتات" مقربة أو داخلية، مثل قلعة آلموت من الداخل، أو الشوارع هي ديكور، تكملة الصورة، وشكل المدن والمباني الكبرى هي مسؤولية الجرافيك التي تظهر في "الشوتات" الواسعة.
قلعة آلموت جرافيك!
-قلعة آلموت جرافيك 100%، الجبل فقط حقيقي، ورسمنا القلعة فوقه جرافيك، وهو جبل حجري عادي، كسوناه بالخضرة حول القلعة، ولكن مشاهد القلعة الداخلية كلها ديكور.
-كذلك مشهد سلم حلم حسن الصباح، السلم كان مبني جزء بسيط منه، وكملنا نحن المشهد، والديكور هو من اختار العبارات الشعرية التي تظهر عليه، وبدأنا نحن في استنساخها على الدرجات المتتالية.
لجأنا للمراجع ولم نستنسخ أو نقلد
-التشابه في ديكور ومؤثرات "الحشاشين" واللعبة الشهيرة (Assassin's Creed) منطقي، لأن جميعنا نبحث في نفس المصادر (reference) مثل لوح المستشرقين، والمخطوطات القديمة لشكل المدن القديمة، فمثلًا عندما يبحث منفذ اللعبة عن مدينة القدس القديمة، سيجد لها ملامح معينة يرسم تصوره عليها، وكذلك نحن، بحثنا عن شكل مدينة أصفهان وسمرقند والمدينة الفاطمية وغيرهم في ذلك الوقت، ونفذنا على حسب المصادر، الأمر ليس له علاقة باستنساخ أو تقليد، نحن نحاول أن نصل لأكثر شكل حقيقي.
-حتى في المشاهد الحربية مثلا، نحن لا نقلد، ولكننا نبحث عن مصادر، فمثلًا أعظم أعمال المعارك الحديثة هو مسلسل "صراع العروش" أو "سيد الخواتم"، بالتالي نشاهده للتعلم منه، لنستطيع الوصول إلى نفس الجودة العالمية التي تم تنفيذ مثل ذلك العمل الملحمي بها.
المشهد الأصعب في الحشاشين
-أصعب المشاهد في الحشاشين كانت مشهد الحلقة الثالثة، العاصفة والمركب، فالمياه في هذا المشهد كلها جرافيك ليست حقيقية، وكل "الشوتات" الواسعة للمشهد جرافيك ليست حقيقية.
-صورنا المشهد في مالطا فلديهم حمام سباحة كبير، تم تصوير المركب فيه، ولكنها مياه راكدة لا تتحرك تمامًا، ونحن صنعنا كل الأجواء المحيطة من عاصفة وأمطار وأمواج وكل ما ظهر في المشهد حول المركب.
كواليس حلقة المعركة
-الحلقة 11 ومشهد المعركة أيضًا من أصعب مشاهد العمل، لأن بها حركة كثيرة، وكانت تحدٍ كبير، لأننا كنا نراعي أن لا يلاحظ المشاهد فارق بين اللقطة الضيقة والواسعة، فكان يجب الحفاظ على التجانس بينهما، خاصة أن كمية الجرافيك الذي تم تنفيذه في هذا المشهد جبارة.
-على سبيل المثال، الديكور تم تنفيذ 30 خيمة فقط، وأقل من 30 حصان، ونحن ضاعفنا الأعداد، وكل ما تواجد في المشهد جرافيك فقط، بجانب عدد المجاميع أيضًا، فالعدد الحقيقي في حدود 30 أيضًا، ولكن العدد الذي ظهر في المشهد يتخطى الـ500.
-ولا حصان تأذى في المشاهد تمامًا، فهي أحصنة مدربة على مثل تلك المشاهد، ولقطات سقوط الأحصنة كان بعضها من ضمن تدريبهم، فهم معتادين على السقوط والقيام منه، وبعضها تم بواسطة الجرافيك، ولكن لم يصاب أي حصان، فالإصابات "جرافيك" فقط.
-وعلى الرغم من أن تلك الأحصنة مدربة على مشاهد المعارك، لكن فريق عمل "الحشاشين" أحضرها قبل التصوير بفترة كبيرة ودخلت في "تدريب خاص" جدًا، للحفاظ عليها، ولضمان استجابتها خلال التصوير، مع عدم إصابتها بأي مكروه.
-مشاهد المعركة الواسعة كلها جرافيك ونفذنا أغلبها من الصفر (from scratch)، كمشهد كرات النار.
بيتر ميمي.. مخرج مؤمن بالتطوير
-أنا أعمل مع بيتر ميمي منذ سنوات طويلة، وأكبر تعاون بيننا كان في الجزء الأول من سلسلة "الاختيار"، وكنا وقتها نحاول "فهم دماغ بعض" لذلك كان هناك الكثير من النقاشات والتعديلات، وذلك طبيعي، خاصة أن المشكلة الأكبر التي تواجهنا كصناع مؤثرات بصرية وجرافيك هو عدم تصور صناع العمل لما نستطيع تنفيذه "مبيبقوش متخيلين أخرنا فين".
-نحن نحارب طوال الوقت لإيصال فكرة بأن إمكانياتنا في الجرافيك كمصريين قد تصل لما يمكن تصوره، فنحن على درجة عالية من الاحترافية، ولكن المنتجين والمخرجين غالبًا ما يمتلكهم تخوف كبير من أن يظهر العمل "جرافيك" وغير حقيقي، خاصة من لديهم تجارب سلبية في ذلك الأمر.
-بعد الاختيار بدأ بيتر ميمي أن يثق فينا، لأنه شاهد ما نستطيع تقديمه، وما تستطيع التكنولوجيا الحديثة فعله، فبدأ طموحه في ذلك المجال يزيد بشكل كبير، خاصة أن لديه ميزة غير متوفرة في مخرجين كُثر، وهو أنه يحاول التعلم، ويبحث عن الجديد، ويتسائل كثيرًا لتطوير نفسه وعمله، وذلك مريح للغاية لنا كتقنيين.
-بيتر ميمي طور نفسه في هذا المجال، لدرجة أن هناك بعض المشاهد في الحشاشين، كانت تحتاج لتواجد مصمم الجرافيك معه، ولكنه صورها بنفسه، لم نتواجد فيها، لأنه أصبح متفتح ويفهم المطلوب منه للتصوير، وكانت تخرج بشكل صحيح تمامًا.
العمل التقني في مصر غير مقدر بعد
-أكثر العاملين في المجال الفني يعانون من التقدير المعنوي، أكثر من المادي، خاصة أن عملنا صعب للغاية، فيتطلب منها عدم النوم لأيام متتالية، فذلك الإرهاق والمجهود البدني والذهني قد ننساه بـ"التقدير"، والبعض لا يفعل ذلك، لكن بيتر ميمي يهتم به.
-نحن مهدر حقنا حتى في جوائز السينما، فكل الأقسام لديها جوائز في المهرجانات، ما عدا المؤثرات البصرية، على الرغم من أن عالميًا ازداد تقدير الأعمال التكنولوجية بشكل كبير، وهو ما وصلهم لذلك المستوى العظيم.
الخوف من التكلفة يحد من تطور الجرافيك في مصر
-في الخارج بعض الأعمال تصل 70% من قيمة الإنتاج لصالح الجرافيك، في مصر لا يزال المنتجين يتخوفون من ذلك.
-ميزانية الحشاشين المخصصة للجرافيك كانت كبيرة، وذلك منطقي لأن كم الجرافيك المستخدم فيه ضخم، ولكنه ليس مبالغ فيه، فكلما كبرت ميزانية الجرافيك كلما زادت دقته وإبداعه.
-فريق عمل الجرافيك للحشاشين تجاوز 170 شخص، من فنانين ومبدعين، وذلك رقم كبير.
الحشاشين أظهر قدرة الجرافيك
-المنتجين يتخوفون مما لا يلمسونه بأيديهم، فالإنسان دائمًا يخاف مما يجهل، ولا تزال ثقافة الجرافيك غير منتشرة في مصر، فعلى سبيل المثال، أغلب مشاهد "الحشاشين" كانت في مصر، بسبب الجرافيك، لو كان مخرج آخر غير بيتر ميمي، كان طلب التصوير خارج مصر لأنه لا يتصور قدرات الجرافيك.
-قلعة آلموت الجبل فقط في كازاخستان ولكن شكل القلعة من الخارج جرافيك، لكن الديكور الداخلي، وأصفهان ومشاهد السفر الخارجية التي تحتوي على جبال جرافيك، وتم تصويرها بالكامل في مصر، ونحن من أضفنا البقية، المشاهد الوحيدة الخارجية التي تم تصويرها فعليًا خارج مصر كانت القرية المحيطة بالقلعة، والتي ظهرت في الحلقات الأولى، وقصر ألب أرسلان الخارجي جرافيك، الداخلي ديكور، وهكذا.
-التصوير تم في مدينة الإنتاج الإعلامي، بجانب القناطر والفيوم والحزام الأخضر.
نرشح لك: شخصية "صهبان" تمثل المُشاهد.. 14 تصريحًا لـ محمد يوسف أوزو عن "الحشاشين"