على مدار 28 يومًا من السباق الدرامي في رمضان 2024، أثار العمل الأضخم إنتاجيا لهذا العام "الحشاشين" جدلًا واسعًا، خاصة من الناحية التاريخية، حيث فتح المسلسل أبوابًا للنبش في ماضي الفرقة الأشرس والأكثر دموية في التاريخ الإسلامي بقيادة حسن الصباح، الرجل الفذ القوي، شيخ الجبل وأمير قلعة "آلموت".
تعرض العمل لبعض الانتقادات منذ الحلقة الأولى، سواء لأداء بعض الممثلين الفاتر، أو غير المناسب لأدوارهم، والمرادفات العامية التي يرى البعض أنها لا تليق بعمل تاريخي، علاوة على انتقادات عدم اعتماد العربية الفصحى بديلًا للعامية المصرية، وغيرها، ولكن ذلك لا يُغيب بعض العناصر المضيئة في العمل، والتي نحاول رصدها فيما يلي.
فعلى الجانب الآخر من انتقادات "تسكين" الأدوار، كان هناك شخصيات خاطفة، منذ الظهور الأول لها في العمل، وعلى رأسهم "برزك أوميد" الذي يجسده الفنان المصري الأمريكي الموهوب سامي الشيخ.
برزك أوميد، الذراع الأيمن لـ حسن الصباح، وقائد جيشه، وتابعه الأمين على مدار سنوات حكمه لقلعة "آلموت" والذي يخلفه أميرًا عليها بعد وفاته، دور صعب ومعقد للغاية، حيث يجمع بين شراسة المقاتل في أرض المعركة، وحكمة المسؤول في مجلس القلعة، وهدوء الطبع المميز في شخصيته، لم يكن لأحد أن يقدمه أفضل من سامي الشيخ، المُقل في مشاركاته الفنية المصرية.
فعكس "الشيخ" التحولات في دور "برزك" جيدًا، من سجان حسن الصباح، لمسحور بكلماته ومؤمن بعقيدته، واهبًا حياته في فدائه، ووصولًا إلى مُشكك فيه، بعد قتل الصباح لرفيقه الأوفى زيد بن سيحون، في الحلقة الـ24.
نرشح لك: عمر الشناوي: فصلت نفسي عن "بركياروق".. وكريم عبد العزيز قدم حسن الصباح بأفضل طريقة في "الحشاشين"
أحمد عيد الذي وجد نفسه
في المصطلح الشعبي نقول "فلان لقى نفسه" كناية على أن الشخص بعد رحلة من البحث عن ما يميزه وصل أخيرًا لضالته، وهو التعبير الأدق الذي يصف الحالة الفنية للفنان أحمد عيد، الذي حصر نفسه لسنوات في الأعمال الكوميدية الخفيفة، مستغلًا خفة دمه وقبوله كنجم كوميدي، لكنه أخيرًا حرر نفسه من تلك المساحة الضيقة التي لا طالما كانت شركًا تقع فيه الموهبة، فلا تظهر حقيقتها أبدًا.
فللعام الثاني على التوالي يقدم أحمد عيد دورًا دراميًا يحرر المارد بداخله، فبعد "مسعود عبدالجبار" الجبار والذي قدمه العام الماضي مع نيللي كريم وجمال سليمان في مسلسل "عملة نادرة"، يعود إلينا بأحد أهم شخصيات "الحشاشين" وأكثرهم تأثيرًا في الأحداث "زيد بن سيحون".
في مشهد افتتاحي لشخصية زيد، ينقذه الصباح من الموت، فيظهر وكأنه أحدب الظهر، وكأنه وضع شيء فوق ظهره ليبرزه، ولكن بعد دقائق، تجده يقف منتصب القامة كما طلب منه حسن ذلك، بعدما اكتشف حيلته، ومنذ ذلك المشهد، أظهر "ابن سيحون" الكثير من التحولات المرعبة في الشخصية، بداية من كونه تابع ضعيف لحسن الصباح، وصولًا لكونه أحد أهم ثلاثة أعمدة في "آلموت"، ثم العاشق الذي تحركه الغيرة أمام "ألينار"، وغيره أخرى من "برزك" زرعها الصباح، حتى أصبح خائفًا مرتعبًا من تنكيل شيخ الجبل به، ثم صحوة ما قبل الموت وكفره بعقيدة الصباح الضالة، ومواجهته بذلك في مشهد هو أفضل أحد مشاهد العمل كله والذي جمعه بحسن في السجن ثم المحاكمة وحتى القتل.
نرشح لك: سارة الشامي: "نورهان" أرهقتني نفسيا.. ولم تتغير نهاية "الحشاشين"
ميرنا نور الدين.. شابة في رداء ثكلى
أهم مفاجآت "الحشاشين" أيضًا هو سطوع نجم الفنانة الشابة ميرنا نور الدين، العاشقة المطيعة والمؤمنة بزوجها من صميم قلبها، والتي تتحول مع الأحداث لألد أعدائه بعدما قتل ابنها أمامها بدون رحمة.
تحولات كثيرة عملت عليها "نور الدين" في شخصيتها، فبدت في الحلقات الأولى شابه مزدهرة تساند زوجها بذكاء وحيلة للوصول إلى أهدافه، وترافقه في رحلاته الشاقة من أصفهان للقاهرة لعكة لأصفهان مرة أخرى، وتهرب للحفاظ على أبنائه في وقت التنكيل به، فتتحمل مشقة كبيرة وهي حامل، وتعود له لتستمر في مساندته، حتى تبدو علامات الشحوب تظهر على وجهها، فهي أكثر من يفهم زوجها، وترى أن الشيطان تملك من قلبه، فلم يعد داعية لمذهبه وإمامه بل لنفسه.
تلك التوترات في علاقتها مع وصلت إلى أوجها بعدما قرر قتل ابنه، ليس عدلًا كما ادعى، وإنما ليُظهر نفسه كإمام عادل، يقيم الحد حتى لحمه، لتظهر ميرنا بملامح ثكلى محملة بالهموم تنتظر الانتقام منه في أقرب فرصة.
نرشح لك: القلعة والمعركة وعاصفة البحر.. تفاصيل أبرز مشاهد الجرافيك في "الحشاشين"
أحمد عبدالوهاب.. ولادة نجم
وفي دور "يحيى بن سعيد"، لمع نجم الفنان الشاب والقادم بقوة أيضًا أحمد عبدالوهاب، الذي عرفنا اسمه سابقًا كمؤلف لأعمال كوميدية شهيرة، أبرزها "الخطة العامية"، ومسلسل "البيت بيتي" وهذا العام يعرض له أيضًا "خالد نور وولده نور خالد".
أحمد عبدالوهاب، قدم دور الجندي الشجاع والفارس بامتياز، فمشاهده في المعارك كانت أقرب للمثالية، سواء في حمله للسلاح أو خفته في التنقل، وحتى مشاهده المؤثرة والهامة في العمل وأبرزها قتل أصدقائه سليمان وطيفور أمامه، ثم قتله لزيد بن سيحون، وصولًا إلى مشهد إعدامه، كلها مشاهد مليئة بالدراما والتمثيل.
والجدير بالإشارة أن شخصيته في "الحشاشين"، تختلف تمامًا عن التي قدمها في "أشغال شقة" مع هشام ماجد وأسماء جلال في الموسم نفسه، فظهر في دور "فادي.. اللي بيزود الفلورز لماهيتاب"، أحد شباب السوشيال ميديا الموهوسين بالترند، وشخصيته التي قدمها العام الماضي في "1000 حمدالله ع السلامة" مع يسرا، وحاز على إشادات واسعة وقتها، وهو ما ينبئ بولادة نجم جديد.
وبمجرد ظهوره الأول نجح الفنان محمد يوسف الشهير بـ"أوزو" في لفت الأنظار إليه، فـ"صهبان البلان" الذي اقتحم حياته عمر الخيام وأخذه رفيقًا له، أثقل دور نيقولا معوض، سواء بالجدال الدائم بينهما، بين العلم وتعقيدات العلماء والشعراء، وبساطة الجهلاء المتمثلة في "البلان" الذي يمشي حذرًا دائمًا متباطئًا بسبب عمله الدائم في الحمامات وسيره على الماء والصابون.
حوارات صهبان لا يمل منها أبدًا، وهيئته أيضًا مثيرة للضحك، والراحة أيضًا، فهو شخص لا أذى منه، تستطيع أن تتفهم سبب تمسك عمر الخيام به في حياته، على الرغم من الفروقات الكبيرة بينهما.
نرشح لك: مصمم معارك "الحشاشين" يكشف كواليس معركة الليل وكيف تجنبوا إصابة الخيول
صناعة عالمية بـ أيادي مصرية
أما عن العامل الأكثر إبهارًا في الحشاشين، والنجم الأبرز، فهو المؤثرات البصرية لشركة "Trend"، والديكور لأحمد فايز، ومصممة الملابس كريستينا أمير، بجانب تصميم المعارك لـ أحمد عبداللاه ومحمد عزب، بجانب مصمم معارك أجنبي للإشراف عليها.
تلك العناصر أظهرت قوة الأيادي المصري في مجال السينما والدراما، وقدرة مصر على المنافسة عالميًا، في هذا المجال، فبناء المدن والقلعة وإتقان المعارك كان مبهر ومبشر للغاية.