الكثير من الفنانين يفخرون أن صداقاتهم من الوسط الفني محدودة، ويؤكدون خلال لقاءاتهم التلفزيونية أنهم لا يختلطون كثيرا بباقي الفنانين، ويحتفظون بصداقات من خارج المجال الفني. ويكتفون بـ”المعزّة الشخصية الفنية” فقط. يمكن تفهم هذا الأمر بتغير التركيبة الشخصية للفنانين الآن. لكن في زمن آخر ومع فنانين آخرين، الصداقة ليست فيلما سينمائيا يجمعهم، أو مسلسل ينجح لهما سويا، لكنها رحلة حياة، وصعود مشترك من الهواية إلى الاحتراف، وثقة تُكتسب من المواقف الصعبة التي تمر عليهم.
من بين الصداقات الفنية التي أثبتت نفسها مع مرور الوقت، صداقة قوية جمعت بين الفنان صلاح السعدني والراحل نور الشريف، حتى أن شائعة وفاة انطلقت نحو السعدني عقب وفاة الشريف من شدة حزنه عليه.
ومن الأمور الجيدة إعلاميا، وجود لقاء بين الفنانين الكبيرين من إنتاج تلفزيون الإمارات وحملت الحلقة عنوان “لقاء الذكريات” لعب خلالها السعدني دور المحاور أمام الشريف. من هنا يحاول إعلام دوت أورج أن يرصد مراحل وأسباب استمرار هذه الصداقة.
نرشح لك: وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني
صلاح السعدني الذي سبق الشريف في دخول عالم الفن، لم يخل نور الشريف من أن يقول أنه عمل كومبارس خلفه عندما كان طالبا في عامه الأول في المعهد العالي للفنون المسرحية، وذلك في عملين هما “ليلة الامتحان” و”لا تطفئ الشمس”. يقولها الشريف بحب شديد لصديقه، كما يشير بتأثر إلى أنه نال شهرة بعد ذلك أكبر من السعدني، بعد أن سبقه في الدخول لعالم السينما، وكانت وقتها تخطف الأنظار أكثر من الدراما التلفزيونية التي يملك فيها السعدني رصيدا كبيرا ومشرفا.
وحتى بعيدا عن المواقف المشتركة والصداقة التي جمعتهما، يبقى لكل منهما ميزة تجمعهما وهي الكفاح حتى الوصول لمكانة مهمة في الفن العربي، حيث ذكر السعدني في حوار سابق كيف مُنع من العمل في فترة السبعينيات بسبب سجن شقيقه الكاتب الكبير محمود السعدني، نتيجة مواقفه تجاه السادات، وكيف عطل ذلك صلاح خلال مسيرته الفنية، حتى استطاع في أوائل الثمانينات أن يعود بأعمال فنية وسينمائية متميزة.
نرشح لك: صلاح السعدني.. الفنان الذي أجرى حواراً صحفيًا في "صالون حلاقة"
تلاقي فكري
يقول السعدني لنور الشريف في الحوار الذي جمعهما: “نحن أبناء ثورة 23 يوليو ونؤمن بعروبة مصر وقومية هذه المنطقة العربية”، هذه الجملة تُلخص ببساطة الخلفية السياسية والفكرية التي أتيا منها، كلاهما عاش في أحياء شعبية، فالسعدني الذي عاش فترة كبيرة في منطقة الجيزة، كان يجد قربا اجتماعيا من صديقة الذي تربى في منطقة السيدة زينب.
تحدثا خلال الحوار عن دور الفن في خلق وجدان عربي واحد، وكانا هما يملكان هذا الوجدان الواحد بالفعل، وحاولا بعيدا عن السياسية أن يوضحا مفهوما أبسط عن الوحدة العربية، التي يمكن تحقيقها فنيا إذا خرج عمل جاد يُجسد القضايا العربية الاجتماعية، بعيد عن السياسية وحبالها الطويلة.
غير ذلك، لا يخفى أن لكل منهما وجهة نظر تظهر مرة من الأعمال التي قدمت لهما، أو حتى من اللقاءات التي أجريت، وبالرغم من أن لقاءات التلفزيونية السعدني قليلة إلى حد كبير لكن تظهر آراءه واضحة من خلالها أو من خلال أعماله الفنية.
نرشح لك: 10 ملامح إنسانية في مسيرة حسن أرابيسك
نفوس صافية
أبدى السعدني إعجابه بتعريف الصداقة الذي نقله الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل على لسان الدكتور محمود فوزي رئيس وزراء مصر الأسبق وهو “الصديق هو الذي تستطيع أن تجلس معه لساعات طويلة دون أن تتبادلا كلمة ودون أن ينقطع خط الحوار بينكما”. كان يقصد بالمقولة صديقة نور الشريف، الذي يفهمه حتى وإن لم يتحدثا كثيرا، شاركا بعضهما نفس الأحلام بفن راقي ومجتمع حر في وطن قوي مستقل.
لحظة ميلاد للعلاقة الأبدية التي ربطت بينهما كانت عندما نجح دور نور في فيلم “السراب” وقرر السعدني الذي اعترف نور أنه بدأ في الفن قبله، أن يحتفل به، وكانا وقتها يسكنان في شقق مفروشة في مواجهة بعضهما، ويشهد نور على الروح الرياضية التي تميز بها السعدني، الذي قال له وقتها “هعزمك شُكك”، وأضاف الشريف: “احتفال لا أنساه طوال حياتي وكان هذا الاحتفال أفضل من الجائزة العالمية التي نلتها عن الفيلم”.
يشهد السعدني لصديقه أنه دائم الحلم ونهم في كتابة المذكرات ويذكر ذلك تحديدا خلال تواجدهما معا في أسيوط للعمل بفيلم “الزمار” إخراج الراحل عاطف الطيب. كذلك تحدث بإعجاب عن المسرح الخشبي الصغير الذي بناه نور الشريف في ورشة زوج عمته في مرحلة سكنه بمنطقة السيدة زينب، وكيف أفاده في أفكاره عن الفن وعلاقة الممثل بالمخرج وحركة الممثلين في موقع التصوير أو المسرح.
أعمال جمعتهما
ليست كثيرة، لكنها هامة ومميزة، أهمها فيلمي “الزمار” و “زمن حاتم زهران”. “الزمار” أنتج عام 1985 وأخرجه عاطف الطيب الذي قال عنه السعدني أنه “يكاد ينتحر فنا ويعمل 68 ساعة في اليوم”، وشارك في هذا الفيلم عدد كبير من النجوم مثل محسنة توفيق، وتوفيق الدقن، وبوسي، وغيرهم، ولعب خلاله السعدني دور “عبد الله” الذي يملك مقهى صغير، فتح بابه لـ”حسن الزمار” وكان سندا له في مشوار عمره القصير داخل القرية.
لمشاهدة الحوار كاملا|