“إننا نخوض أكثر من نصف معركتنا في الساحة الإلكترونية”، كلمات خالدة للإرهابي الشهير، أيمن الظواهري زعيم القاعدة، الذي قدم نصيحة لتابعيه قائلاً: “عليكم أن تدركوا أنّ كل لقطة تلتقطونها هي بأهمية صاروخ يطلق على العدو”، موضحًا بتلك العبارات الأهمية الكبيرة للشبكة العنكبوتية في الترويج لخطاباتهم ورسائلهم الإرهابية، وذلك ما يبدو ظاهريًا القصد منه منصات التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية المُشهرة عبر “الإنترنت السطحي”، إلا أنه في الواقع صار متعلقًا بشكل أكبر بالجانب الأكثر ظُلمة من الشبكة العنكبوتية وهو الـ”dark web”.
تلك المساحة الشاسعة التي ينبت فيها الشر والجرائم الوحشية بأشكالها وأنواعها التي لا يدركها العقل البشري بداية من الاتجار بالأعضاء البشرية ودعارة الأطفال وصولًا لغرف التعذيب والقتل الوحشية، إلى الإرهاب وخطابات الكراهية سواء التابعة للجماعات الإسلامية أو المعادية للإسلام على حد سواء.
نرشح لك –6 مصطلحات مرتبطة بعالم الديب ويب
كيف يؤمن الـdeep web ملاذًا آمنًا للإرهابيين؟
بحسب الدراسات؛ فإن عالم الإنترنت الشاسع الذي يظهر للمتصفحين لا يتجاوز الـ4% من إجمالي محتوى الشبكة العنكبوتية وهو ما يعرف بـ”الإنترنت السطحي”، والبقية تقبع في زوايا الـ”deep web – الإنترنت العميق”، الذي يحوي الكثير من المعلومات والبيانات غير المصرح بالوصول لها إلا لقلة قليلة تمتلك صلاحيات خاصة، عن طريق متصفحات خاصة أشهرها “Tor”، الذي يخفي هوية المُستخدم، وذلك يعد شرطًا أساسيًا للولوج إلى “الإنترنت المظلم”، كما يحتاج المستخدم عادة إلى الحصول على دعوة من أحد مُستخدميه للوصول إلى محتوى المواقع التي تحوي نطاقات تنتهي بـ”.onion”.
مع ضمان تشفير هوية المستخدم بشكل كامل ومنع أي جهة من الوصول إلى هذه الطبقة من الشبكة العنكبوتية دون صلاحيات، فإنه يتم توظيفها لممارسات غير مشروعة عبر ما يعرف بالـ Dark Web، وهو الملاذ الآمن للخارجين عن القانون من سفاحين وتجار مخدرات وأسلحة وبالتالي الإرهابيين، بمختلف انتماءاتهم، حيث يحميهم من تتبع السلطات لهم.
ماذا يفعل الإرهابيون عبر الـ”dark web”؟
نشر منفذ عملية إطلاق النار الشهيرة التي وقعت في مدينة تكساس في متجر ”وول مارت” وراح ضحيتها 20 شخصًا، في أغسطس 2019، قبل 60 دقيقة من وقوع الهجوم بيانًا عبر منصة Chan-8 إحدى منصات الـ”دراك ويب” احتوت لغته على عنصرية ومعاداة للمهاجرين بشكل ملحوظ، وعلى نفس الموقع نشر منفذ الهجوم الإرهابي على مسجدين في نيوزلندا بيان ” الاستبدال العظيم” في مارس من نفس العام، وكان أيضًا عنصريًا ومليئًا بعبارات الكراهية ضد المسلمين.
بالمثل وعلى مستوى الجماعات الإسلامية، أشارت دراسات متخصصة إلى أن 80% من المنضمين إلى “داعش” تم تجنيدهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن يحرك التنظيم تلك المجموعات وتوظيفها يحدث من خلال “الدارك ويب”، بالإضافة إلى أن بعض التقارير الصحفية أكدت استخدام الجماعات والتنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة باتت تستخدم “الشبكة المظلمة” للتواصل في ما بينها لنشر أفكارهم وتجنيد الشباب من خلال غرف الدردشة المنتشرة في الشبكة المظلمة.
أشارت دراسة صادرة عن مركز “فلاش بوينت” الأمريكي المتخصص برصد المحتوى الإلكتروني في “الشبكة العميقة”، في منتصف العام الماضي بعنوان “تكنولوجيا الجهاد.. تشريح الأدوات الرقمية للجهاديين”، إلى أن تلك التنظيمات باتت تستخدم خدمات البريد الإلكتروني المشفرة في الشبكة المظلمة ومواقع الـGPS الوهمية.
نرشح لك: أشهر 7 غرائب عن الديب ويب
وبحسب تقرير نشره موقع “عكاظ” بعنوان “«عكاظ» تقتحم «Dark Web».. القبو الرقمي لأسواق الممنوعات والجريمة والإرهاب”، استعانت به بمختصين في أمن المعلومات للدخول إلى عالم “الدارك ويب”، أن تنظيم “داعش” ذهب إلى ما هو أبعد من مجرد استخدام مواقع الشبكة المظلمة فقط، وعمل التنظيم على تطوير قدراته التقنية في الشبكة المظلمة، إذ أطلق في منتصف يناير 2015 تطبيقاً مشفراً يدعى الراوي “Alrawi” بهدف ترويج دعايته الإعلامية والأخبار ومقاطع الفيديو، وتصعب ملاحقته ومراقبة محتواه من قبل الحكومات والجهات الأمنية والوصول إليه بسبب تعقيدات الشبكة المظلمة. وهذا التطبيق غير متوافر للتحميل سوى من خلال الشبكة المظلمة وعبر روابط سرية يتداولها أفراد التنظيم من خلال برنامج التليغرام المشفر، وطرق أخرى أيضاً مشفرة.
جمع التبرعات لتسليح الجماعات الإرهابية
بحسب تقرير “عكاظ” المشار إليه، فإن الجماعات الإرهابية عكفت على إنشاء مواقع وتطبيقات داخل الشبكة المظلمة لجمع التبرعات المالية غير المشروعة لتمويل هذه التنظيمات، ومن الأمثلة على ذلك استخدام تطبيق “المحفظة المظلمة” (Dark Wallet) وهو تطبيق يقوم على إخفاء المعاملات المالية الخاصة القائمة باستخدام عملة “البيتكوين”.
وطبقًا لذلك المفهوم أيضًا يظهر على الصفحة الرئيسية لموقع داعش على “الدارك ويب”، لافتة إعلانية مكتوب أسفلها” تمويل المعركة الإسلامية من هنا”، وبالضغط عليها يدخل المتبرع إلى صفحة بعنوان “صندوق الكفاح الإسلامي” تدعو المستخدمين للتبرع للعمليات الجهادية من خلال بريد إلكتروني خاص بالمعاملات المالية كما تظهر داخل الصفحة وثيقة إلكترونية بعنوان “بيتكوين وصدقات الجهاد” وهي التي تشرح للمتبرعين كيفية إجراء معاملات سرية بغرض التبرع لدعم تنظيم الدولة الإسلامية، بحسب تقرير لموقع “المرصد المصري”، والذي أشار أيضًا لاستخدام التنظيم لـ”البيتكوين”.
وبحسب تقرير “المرصد المصري” فإن أحد الدواعش واسمه “تقي الدين المنذر” نشر عبر مدونة ” دار الخلافة” التابعة لتنظيم داعش نشره ” وثيقة بعنوان ”بيتكوين وصدقة الجهاد” دعا فيها صراحةً لاستخدام العملات الرقمية المشفرة في تمويل التنظيمات الجهادية تجنبًا لتتبع المتبرع والمتبرع إليه، بالإضافة إلى إطلاق موقع “صدقة كوينز”، التابع للجماعات الإرهابية على شبكة الإنترنت المظلم، وله أيضًا قناة على تطبيق تليجرام الذي يهدف لتمويل عدد من المشروعات من بينها مشروع يسمى “لنذهب للصيد”، وهو خاص بتوفير الأموال اللازمة لتسليح وتدريب القناصة التابعين لهيئة تحرير الشام وتنظيم القاعدة، وقد ذكرت تقارير إعلامية فرنسية فإن داعش يمتلك محفظة بيتكوين بها 9298 بيتكوين أي نحو 3 ملايين دولار.
فيما ذكرت تقارير منشورة عبر موقع ”المرجع” المختص في الدراسات حول الإسلام الحركي، أن قيادات تنظيم داعش الإرهابي في مدينة الرقة السورية، معقل التنظيم السابق، تستخدم مكاتب تحويل الأموال في عمليات الشراء الصغيرة أو المحلية، واستخدام عملات البيتكوين في المعاملات الدولية ذات مسافات طويلة، منذ عام 2014، وفي 2015 بدأ التنظيم في جمع التبرعات من خلال البيتكوين، وقد وصل إجمالي التبرعات التي وصلت لأحد القائمين على تجميعها يدعى “أبو مصطفى” إلى 5 عملات بيتكوين تقدر قيمتها بنحو 1000 دولار (في ذلك الوقت) قبل إغلاق الحساب.
التبرعات لـ الغذاء والتسليح وأشياء أخرى..
ونظرًا لأنه يسهل على مستخدمي الـ”ديب ويب” الوصول إلى ما يريدون فيتمكن الإرهابيون من الحصول على كل ما يرغبون به باستخدام تلك التبرعات بداية من المواد الغذائية، وتذاكر النقل البحري والجوي، وصولًا إلى أنواع الأسلحة المختلفة، خاصة أن تجارة الأسلحة تأتي في المرتبة الثانية على قائمة الإنترنت المظلم، حيث توفرها عدة مواقع عليه بداية من المسدسات الصغيرة إلى الكلاشنكوف والبنادق الآلية ولقنابل الصغيرة وأجهزة المفرقعات الذكية، والذخيرة بأنواعها وأشكالها، وقد تم توريط بعض المواقع المذكورة بالفعل في بعض الهجمات الإرهابية وأبرزها التي حدثت في باريس، وقد أغلقت بعض المواقع على رأسها Nucleus القسم الخاص بالسلاح خوفا من التتبع.