محمد صلاح البدري يكتب: الأباء لا تكذب أبداً..!

أعترف أنني توقفت عن مشاهدة التلفاز منذ فترة ليست بالقصيرة.. الأمر لا يعود إلى رداءة المواد المقدمة على شاشته فحسب.. و إنما يعود أيضاً إلى عدم إمتلاكي الوقت الكافي له بالمرة.. فقط هي ساعة الغذاء اليومية.. والتي يصر أبنائي على أن يشاهدوه خلالها.. فأختلس النظر إليه من لحظة لأخري من باب الفضول…!

وأبنائي في المعتاد لا يشاهدون إلا نوعية معينة من القنوات.. إنها تلك القنوات التي تحمل أسماء عجيبة ، فمنها ما يحمل إسما لبطل أحد افلام محمد رمضان، و منها ما يحمل إسم وسيلة المواصلات الشعبية “التوكتوك” و غيرها…

المهم أنهم جميعاً يعرضون أفلاما مسروقة رديئة الصورة طوال الوقت.. بين فترات إعلانية طويلة تصل إلى ساعات.. حتى أنك إن حاولت مشاهدة أحد الأفلام.. فأعتقد أنه ينبغي عليك أن تفرغ نفسك أكثر من أربع ساعات على أقل تقدير..!

المشكلة بدأت حين تابعت شريط الإعلانات الذي يمر تحت الصورة بإستمرار في هذه القنوات..إنها مجموعة من الإعلانات الوهمية عن “فرص محدودة” لقطع أراضٍ في الصحراء لا يعرف أحد مكانها من الأساس سوي أصحاب الإعلان..و مجموعة أخرى من الدجالين الذين يجلبون الحبيب و يفكون الأعمال.. فضلاً عن طوفان من إعلانات المنشطات الجنسية مجهولة المصدر!

لقد صدمني ماقرأته أول مرة.. و لكنني إكتشفت أن الأمر يتخطي شريط الإعلانات ليصل للمحتوى الإعلاني نفسه .. الإعلانات بالكامل عبارة عن منشطات جنسية مجهولة المصدر و التأثير..و القليل من وسائل التخسيس.. فضلاً عن الأجهزة الأمريكية لإطالة العضو و زيادة فترة الإنتصاب!!

المشكلة أنني أعمل طبيباً لمثل هذه النوعية من الأمراض تحديداً ، وأعرف جيداً أنه لا يوجد على ظهر الأرض جهاز أمريكي الصنع أو حتي مريخي الصنع يمكنه أن يستعمل لهذا الغرض!! انها وسائل لعلاج أنواع معينة من الأمراض.. و ليست لزيادة الكفاءة لأشخاص طبيعيين، فضلا عن إندهاشي لمناقشة هذه الامور علي شاشة تلفازٍ يشاهده أطفال!!

لقد خشيت في البداية أن يسألني أبنائي عن أحد هذه الإعلانات..لن يكون غريباً أن يسألوا..بل الغريب في الأمر أنهم لم يسألوا حتى هذه اللحظة…هل يعرفون هذه الأشياء؟ ..ستكون كارثة إن كانوا يفهمون ما يشاهدونه!! أذكر أني ظللت حتي العام الأول في المرحلة الثانوية لا أعرف كيف تتم العلاقة الزوجية من الأساس..!

لم أنتظر طويلاً حتي أتاني السؤال الذي كنت أنتظر.. لقد سألتني إبنتي الصغيرة ذات التسع سنوات ذات يوم عن لماذا لا أتعاطي هذه الأدوية!!!

وقع السؤال علي رأسي كالصاعقة.. يبدو أنها تعرفه..سيطر الغضب علي لبرهة و أنا ألتفت إليها متسائلا عن كيف تجرأت إلى هذه الدرجة .. و لكن زوجتي قد تداركت الموقف سريعاً.. فقد فسرت السؤال أن تلك الادوية تزيد من القوة الجسدية للرجال.. فيقوم بضرب الأشرار و يسعد بذلك زوجته .. و لهذا تبدو زوجته سعيدة و هي تجلس على طرف الفراش أمامه!!

أدركت أنها لم تنتظر لتسألني.. لقد سألت والدتها منذ فترة التي لم تجد تفسيراً لها سوى هذا .. ثم كان الإستفسار الأخر أنه إذا كان الدواء جيداً إلى هذه الدرجة …. فلماذا لا نتعاطاه جميعاً .. و لماذا لا أتعاطاه أنا تحديداً بإعتباري المدافع الأول عن هذه الأسرة؟!

إنفجرت بالضحك و أنا أجيبها أنني لست بحاجة لمثل هذه المقويات.. فأنا قادر علي ضرب جميع الأشرار دون مساعدة منه.. لم تقتنع.. عرفت هذا من نظرتها لبنيتي الضعيفة.. و لكنني أباها.. و الأب لا يكذب ابدا..!

لا أعرف إلي متي سأجيب عليها بإجابات من هذا النوع.. و إلي متى ستظل تلك القنوات تعرض هذه الاعلانات “البذيئة”.. أو على أقل تقدير ” الغير مناسبة” للعرض على شاشة فضائية مفتوحة و متاحة للجميع .. و إلى متي سأظل في نظر ابنتي الأب .. الذي لا يكذب ابدا!!