أقيمت في الفترة من 29 إبريل الماضي وحتى 5 مايو الجاري، فعاليات الدورة 33 لمعرض أبو ظبي الدولي للكتاب، والتي حلت فيها جمهورية مصر العربية ضيف شرف لهذه الدورة، فيما تم اختيار الأديب نجيب محفوظ كشخصية محورية، وسط احتفاء خاص بمسيرته الأدبية والإنسانية.
تشرفت هذا العام بدعوتي من قبل مركز أبو ظبي للغة العربية، لتقديم ورشة عمل بعنوان "التحرير والتدقيق اللغوي باستخدام الذكاء الاصطناعي"، وذلك ضمن البرنامج المهني لمعرض أبو ظبي الدولي للكتاب، كما تم استضافتي بمحور بودكاست أبو ظبي وتحديدا ببودكاست "الغميضة" الذي يقدمه الكاتب والإعلامي وليد علاء الدين، على هامش فعاليات المعرض.
وفيما يلي ملاحظاتي على الدورة 33 من معرض أبو ظبي الدولي للكتاب:
1- أعتقد أن هذه الدورة كانت استثنائية ليس فقط ببرنامجها الثقافي الذي ضمن 2000 فعالية ثقافية وفنية متنوعة، ولكن أيضا بالاحتفاء بمصر ومبدعيها، وذلك باستضافة عدد كبير ولافت من الكتاب والنقاد والمؤثرين
بالساحة الثقافية المصرية، ومحاولة تسليط الضوء على تاريخ مصر الفكري والمعرفي والحضاري وتعزيز التعاون الثقافي بين مصر ودول الخليج وخاصة الإمارات. كما أن الروح والأجواء المصرية كانت حاضرة بقوة في مراسم افتتاح الدورة 33 بحضور وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة نيفين الكيلاني ورئيس الهيئة العامة المصرية للكتاب الدكتور أحمد بهي الدين العساسي، وفقرات التنورة التي كانت تقام بشكل يومي أمام جناح الهيئة العامة للكتاب.
2- أولى المنظمون اهتماما خاصا بسيرة ومسيرة أديب نوبل، بداية من تأسيس جناح خاص لنجيب محفوظ، في واجهة المعرض أمام البوابة الرئيسية وليكون الوجهة الأولى لزوار المعرض، وقد كان تصميم الجناح مبهرا رغم بساطته، حيث أنه كان يشبه بيوت الحارة المصرية القديمة التي كتب عنها "محفوظ" في رواياته، ومقسم إلى عدة غرف تنقل لك سيرة نجيب محفوظ، بداية من الركن اللي تستمع فيه إلى صوته وهو يحكي عن عوالمه ونظرته للأدب وللكتابة، مرورا بأفيشات الأفلام السينمائية التي كتبها أو أخذت عن أعماله، فضلا عن ركن خاص يضم نسخ نادرة لرواياته، وصولا إلى ركن "قهوة الفيشاوي" التي اعتاد الجلوس عليها لسنوات.
3- روح نجيب محفوظ كانت حاضرة بقوة في كل أرجاء المعرض، فلم يقتصر الاهتمام بأديب نوبل على الجناح الخاصة بالشخصية المحورية، لكن حرص المنظمون على تقديم برنامج ثقافي ثري ومتنوع عنه وعن أدبه، من خلال عدد كبير من الندوات والمناقشات التي تناولت جوانب عدة في مسيرة نجيب محفوظ، وعلى الرغم من كوني أحد القراء المخضرمين والعاشقين لأدب "محفوظ" إلا أنني كنت حريصا على حضور أغلب الندوات التي تناولت سيرته، والجميل أنني تعرفت على جوانب في حياته وإبداعاته لم أتعرف عليها من قبل، وأعتقد أنها خطوة هامة ومميزة لتعريف الأجيال الجديدة بأدب نجيب محفوظ.
4- ما يميز تصميم معرض أبو ظبي الدولي للكتاب هو أن قاعات الندوات والمناقشات وورش العمل موجودة جنبا إلى جنب بين أجنحة دور النشر ليجد الزائر نفسه خلال سيره بين أروقة المعرض وكأنه في سوق عكاظ، فهنا جناح دولة كذا أو مركز كذا وبداخله مناقشة لرواية أو لكتاب، وبجواره جناح لبيع الكتب، وهناك ليس ببعيد ندوة عن أدب نجيب محفوظ وأثره، وبمقربة منه قاعة توقيع لأحدث الإصدارات لكاتب شاب، وعلى الجهة الأخرى ورشة عمل حول مستقبل النشر، وفي قاعة أخرى مطبخ لإعداد وطهي المأكولات من دول مختلفة وتعريف الزوار بتاريخ هذه الأكلات وثقافات شعوبها. لذا فأنت لست بحاجة للخروج من قاعات بيع الكتب لحضور ندوة أو شراء وجبة أو الاستراحة والتقاط الأنفاس، حيث توفر كل شيء حولك.
5- بالحديث عن الإتاحة، فهناك تسهيلات واهتمام بالغ بذوي الهمم وكبار السن بالمعرض، فالطرقات والممرات تم تصميمها بشكل متميز يناسب تدفق حركة المارة ومرتادي الكراسي المتحركة، فضلا عن وجود منحدرات ممهدة وفقا للمقاييس العالمية لدخول وخروج أي كرسي متحرك لجميع الأجنحة بالمعرض، بالإضافة إلى توفير المعرض لخدمات طبية للزوار وكذلك توفير كراسي متحركة مجانية للحركة داخل القاعات.
6- من الأشياء اللافتة أيضا مشاركة سور الأزبكية العريق لأول مرة بمعرض أبو ظبي الدولي للكتاب، بمشاركة 7 مكتبات، حيث شهد جناح "سوق الأزبكية" إقبالا لافتا من الجمهور، خاصة مع عرضه لمئات النسخ النادرة والقديمة من المجلات والكتب التي تتناول تاريخ الإمارات، فضلا عن إتاحته للعديد من الكتب القديمة بأسعار زهيدة تبدأ بعشرة دراهم فقط.
7- استضافة نجوم مثل إسعاد يونس وظافر العابدين وأبلة فاهيتا في ندوات مباشرة مع الجمهور أو حتى البروفيسور مجدي يعقوب الذي شارك عبر تقنية الفيديو كونفرانس، قوبل بحضور جماهيري لافت، ورغم ذلك لم يشهد المعرض حالة من التكدس أو الازدحام، ويرجع ذلك لحسن تنظيم إدارة المعرض لهذه الفعاليات الجماهيرية وكذلك الترويج لها بشكل مميز.
8- حاول المعرض استقطاب شرائح مختلفة من الجمهور من خلال تقديم هدايا متنوعة ومختلفة لزواره بداية من تذكرة مجانية لدخول متحف اللوفر بأبو ظبي والتي يتجاوز سعرها 300 درهم كذلك وقصر الوطن لكل حاملي تذكرة دخول المعرض والتي يتم الحصول عليها مجانا أيضا، فضلا عن توزيع العديد من أجنحة الناشرين والدول والهيئات المشاركة لعدد كبير من إصداراتها مجانا في محاولة لتعريف القارئ بأنشطتها وإصداراتها.
9- جناح الطفل كان مبهرا بالنسبة لي، لم يقتصر فقط على ورش الحكي والتلوين والرسم، بل امتدت أنشطته لتشمل تجارب حية مع الأطفال لبعض التفاعلات الكيميائية والقوانين الفيزيائية المبسطة، لترغيب صغار السن وزيادة فضولهم وجذبهم للتعرف على علوم الكيمياء والفيزياء بعيدا عن المقررات الدراسية الجافة.
10- لاحظت إصرار عدد من الدول المشاركة مثل تركيا والصين على نشر ثقافتهم والترويج لها بين زوار المعرض داخل أجنحتها من خلال توزيع العديد من الهدايا التذكارية والكتب للتعريف بثقافاتهم ومعالمهم السياحية وترك بصمة أو ذكرى داخل بيت كل زائر من جمهور المعرض، وكنت أتمنى أن يقوم جناح جمهورية مصر العربية بهذه المبادرة وتعريف الأجيال الجديدة بتاريخ وثقافة مصر من خلال تخصيص عدد من الإصدارات والهدايا التذكارية وتوزيعها مجانا على الجمهور، خاصة وأنها ضيف شرف هذه الدورة.
11- كنت أتمنى مع تنوع البرنامج الثقافي للمعرض وثراء محتوى الندوات والضيوف المشاركين أن يكون هناك وقت كافي ومتسع أكثر من الوقت خلال بعض الندوات الهامة والتي كان يشارك بها أكثر من متحدث ولا تتجاوز مدتها عن ساعة واحدة فقط، كنت أتمنى أن تزيد هذه المدة خاصة أن العديد من المشاركات كانت هامة وثرية للغاية حول نجيب محفوظ وسيرته.
12- استضافة السيدة أم كلثوم ابنة نجيب محفوظ وعدد من أعضاء شلة الحرافيش ورفقاء أديب نوبل مثل الأديب محمد سلماوي والأديب نعيم صبري وغيرهم كان نقطة مضيئة ومبهجة خلال هذه الدورة. كما أن البرنامج الثقافي والمناقشات التي نظمها جناح مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة على هامش المعرض طوال أيام إقامته كان الأكثر ثراء سواء من حيث الضيوف أو المواضيع التي تم مناقشتها أو الإصدارات التي تم تسليط الضوء عليها.
13- اختيار البرنامج المهني تأثير الذكاء الاصطناعي على صناعة النشر وسوق الكتب ليكون محورا رئيسيا لورش العمل التي أقيمت خلال هذه الدورة كانت خطوة ضرورية وثرية وأعتقد أنها أفادت العديد من صناع النشر في الوطن العربي. كما أن تخصيص محورا للبودكاست واستضافة العديد من المؤثرين في صناعة المحتوى من مختلف بلدان الوطن العربي، كان ضروريا خاصة مع تنامي دور وأهمية البودكاست مؤخرا.
نرشح لك: "السينما المستقلة".. كتاب جديد للناقد خالد ربيع السيد