رغم الحديث المستمر عن الحيادية والتأكد من الأخبار عبر مصادر مختلفة الذي تحدده شبكة "سي إن إن" الأميركية إلا أن تقريرها الأخير الذي نشر اليوم عبر موقعها الالكتروني مستنداً إلى ثلاث مصادر مجهولة لم يتسم بالحياد أو حتى بمحاولة الحصول على تنوع في الأراء متبنياً رواية إسرائيلية بصورة كاملة عبر ثلاث مصادر مجهلة لم تكشف جنسياتهم في التقرير، بخلاف التعامل مع ما ذكروه باعتباره حقيقة لا تقبل النقاش.
صياغة التقرير متبنية في نسختها العربية رواية المصادر الثلاثة متجاهلة جميع التصريحات الرسمية التي صدرت من مصر منذ انتهاء جولة التفاوض الأخيرة التي حملت اسرائيل بشكل واضح مسؤولية عدم التوصل لاتفاق بعد إعلان حركة حماس موافقتها على المقترح النهائي للوساطة بعد التعديلات التي أدخلت عليه بمشاركة من الولايات المتحدة وقطر الذين شارك ممثليهم في مختلف جولات التفاوض.
مكتفياً بجملة "لم تستجب الحكومة المصرية لطلب التعليق"، لم يتضمن التقرير أي إشارة لبيانات مصر الرسمية عن جزء مما ورد في التقرير لاسيما جهود الوساطة والبيانات المتكررة بشكل يومي من الخارجية المصرية التي تتطرق لجهود التهدئة ووقف إطلاق النار بشكل دائم، مع تبني صياغة التقرير بالكامل للرؤية الإسرائيلية التي تقوم على ايقاف مؤقت لإطلاق النار من أجل إطلاق صراح الرهائن ثم اعادة استئناف القتال.
أغفل التقرير عدة أمور هامة بشكل واضح في مقدمتها نجاح جهود الوساطة المصرية وبشهادة من الرئيس الأميركي نفسه في نوفمبر الماضي بالتوصل لهدنة إنسانية جرى خلالها الافراج عن أكثر من 100 محتجز في قطاع غزة بجانب أكثر من 220 أسير فلسطيني بالسجون الإسرائيلية، مع اغفال التسهيلات المصرية لإدخال المساعدات لداخل قطاع غزة لمنع مأساة إنسانية مع الحصار الإسرائيلي غير المسبوق على القطاع وتهديد حياة أكثر من مليوني شخص داخله.
تبني التقرير رواية المصادر المجهولة وتعامل معها باعتبارها حقائق لا تقبل التشكيك، وسرد على أساسها رواية لا يمكن تصديقها مع الإدعاء بأن المفاوض المصري غير في البنود التي قدمت لإسرائيل وقدمت لحركة حماس وهو أمر لا يمكن أن يكون منطقياً في ظل اعتماد جهود الوساطة على مشاركة قطرية - أميركية باستمرار، وهو أمر امتد لجولات ولقاءات في باريس، تل أبيب، والدوحة.
ورغم تأكيدات الرئيس الأميركي جو بايدن في تصريحاته الرسمية أهمية الدور المصري في المفاوضات والاتصالات المتكررة التي أجراها مع الرئيس السيسي منذ اندلاع الحرب، إلا أن هذه الاتصالات والتصريحات المنشورة في الإعلام الأميركي لم يكن لها نصيب في التقرير الذي نشر بشكل متحيز مع الشبكة الأميركية التي تتواصل مع المسؤولين المصريين الرسميين للظهور على شاشتها بشكل مستمر ومن بينهم وزير الخارجية سامح شكري الذي ظهر على شاشتها منذ بداية الأحداث عدة مرات.
التقرير حمل بشكل واضح تشكيك غير مقبول في الدور المصري، خصوصاً وأن مصر عملت لسنوات كوسيط رئيسي بين إسرائيل وحماس، كما كانت تاريخياً راعي عملية السلام في المنطقة ولعبت دور كبير في اتفاقات عدة ساهمت في تهدئة الأوضاع، الأمر الذي يشير لوجهة النظر المتحيزة التي تبنتها الشبكة الأميركية بتقريرها.