في ظل التطور المستمر الذي تشهده صناعة السينما في العالم والوطن العربي، والذي ترتب عليها ظهور تقنيات وآليات توفر أفضل صورة للمشاهد وأكثر بيئة آمنة ومريحة للممثل وفريق العمل، تضمن حقوقهم الإنسانية وتحميهم من إجبارهم على التعرض لأي انتهاك، عُقد للمرة الأولى ضمن فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان منصات للأفلام، جلسة حول مفهوم "تنسيق المشاهد الحميمية والحساسة بالسينما"، وذلك بالتعاون مع هير ستوري فيلمز.
تلك الجلسة حاضرت فيها صانعة الأفلام والمدربة ومنسقة المشاهد الحميمية والحساسة سندس شباييك، التي تعد أول سيدة عربية تهتم بالعمل في هذا المجال، الذي تم استحداثه في الصناعة عقب توثيق العديد من الانتهاكات التي تم ارتكابها ضد ممثلين وممثلات أثناء تصوير المشاهد الفنية، من بينها التحرش وغيرها.
حاور "إعلام دوت كوم" سندس شبايك، حول سبب اهتمامها بالعمل في هذا المجال، وعن تفاصيل الورشة التي قدمتها لعدد من صناع الأفلام الشباب.
انتهاكات موثقة دفعتها للعمل كمنسقة للحميمية
في البداية، أكدت "شبايك" أنها أول منسقة للمشاهد الحميمية تتحدث اللغة العربية، إذ يوجد منسق آخر من أصل سوري يعمل ويقيم في أستراليا، لذا فإن المهنة ما زال غير متعارف عليها بشكل كبير بين صناع الأفلام في الشرق الأوسط.
وأوضحت أن ما دفعها لاقتحام ذلك المجال هو أنه خلال فترة عملها في المسرح، وثقت العديد من الشهادات المبنية على قضايا النوع الاجتماعي تتضمن الكثير من حالات التحرش والاعتداءات، لذا فإن سماعها لهذه التجاوزات المتكررة في مواقع التصوير، هو ما فجر بداخلها رغبة مُلحة لمواجهتها بشكل أو بآخر، هذا بجانب مشاهدتها لعدد من المشاهد الحميمية التي تم تنفيذها من منظور ذكوري، موضحة أنه يتم خلالها إبراز المرأة بشكل شهواني يحولها لأداة جنسية –إن جاز التعبير- أكثور من إظهار جمالها، وهذا ما يتم من خلال تصوير أجزاء متقطعة من جسد المرأة بدلا عن وجهها وهو ما يوحي للمشاهد أن ما يحدث هو جريمة أخلاقية.
فرصة التعمق في دراسة هذا المجال جاءت "لشبايك" من خلال نتفليكس الشرق الأوسط، التي أعلنت قبل فترة عن إتاحة منحة لشخص عربي واحد، كانت من نصيبها بعد أن تقدمت لها، ولفتت إلى أن هذا التدريب غير متاح في مصر، كما أن تكلفته عالية حاليا.
وأشارت إلى أنه من الممكن أن ينتشر هذا التدريب داخل مصر إذا ما تم نشر الوعي بالمهنة ذاتها في الأساس، لأن الأمر حينها سيصبح خاضعا لفكرة "العرض والطلب"، خاصة وأن مدته طويلة إذ يستغرق 8 أشهر، وبعد اجتياز هذه الفترة لا يمكن منح المتدرب شهادته إلا بعد خضوعه لإشراف في مواقع تصوير لمدة 30 يوما، وهو ما يستهلك جهد ووقت كبير.
فيما أضافت، أن المحتوى العلمي لتنسيق الحميمية متاحا على مواقع الإنترنت، إلا أنه غير مُعرب لذا فهي تعمل حاليا على ترجمته وشرحه سواء من خلال الفيديوهات أو الورش والجلسات التي تقدمها.
أول ورشة لتنسيق المشاهد الحميمية في العالم العربي
وعن الورشة التي قدمتها ضمن مهرجان منصات بعنوان "تنسيق الحميمية والمشاهد الحساسة في السينما"، قالت "شبايك" إنه تم تقديمها لـ 12 صانعة أفلام سواء مخرجات أو كاتبات، وتضمنت نقاط مفصلة عن تنسيق المشاهد أكثر من الندوة التي أقيمت في سينما زاوية على مدار ساعة ونصف، للمهتمين سواء في مجال صناعة الأفلام أو آخرين لديهم الشغف بالمعرفة.
استطردت حديثها، أنها ركزت على توضيح سبب استحداث وظيفة منسق المشاهد الحميمية، وتوضيح أمثلة خاصة بالانتهاكات والتجاوزات التي حدث بالفعل في بلاتوهات السينما والتلفزيون حول العالم، وتم توضيح أمثلى مُجهلة أخرى لمواقف حدثت ف مواقع التصوير بمصر، مشيرة إلى أنها تحدثت بشكل تفصيلي عن دور المنسق والأدوات والمراحل التي يمر بها، والاختلافات والتحديات التي يمكن مواجهتها.
تصوير محمد الحديدي
الحميمية أعمق من الرومانسية بين الرجل والمرأة
تواصل "شبايك" توضيح مفهوم الحميمية، والذي هو في الأساس أعم وأشمل من من الإطار الرومانسي بين الرجل والمرأة، إذ أن أي تواصل جسدي بين اثنين من الممثلين هو عبارة عن مشهد حميمي، فمثلا يمكن أن نشاهد على الشاشة علاقة بين أب وابنته؛ حيث يقوم بحملها ليُجلسها على ساقه، فهذا يُعد مشهد حميمي، لأن هذه الفتاة لن تجلس على ساق ذلك الرجل في الحياة الواقعية، وبالتالي نحتاج في هذه الحالة لشخص مسئول يتولى مهمة تصوير المشهد دون حدوث أي انتهاك لحرية الطرفين.
كما لفتت إلى أنه بجانب ذلك فإن أي مشاهد تتضمن عنف مبني على النوع الاجتماعي حتى وإن كانت خالية من اللمس فهي مشاهد حساسة، ويندرج تحت هذا المشاهد التي تظهر فيها الممثلات بملابس كاشفة حتى وإن لم تصل لدرجة العُري، ومشاهد الاستحمام الشهيرة التي كثيرا ما تتكرر في الأفلام حتى وإن كان موافق عليها رقابيا، لأنه في هذه الحالة يجب متابعة ما يتعرض له الممثل أثناء التصوير وتقديم الدعم الفني له.
فيما أضافت أن مهام وظيفتها تقتضي أن تقدم الدعم النفسي ليس فقط للممثلين في مشاهد الاغتصاب، وإنما أيضًا لباقي فريق العمل خلف الكاميرا، هذا بجانب التأكد من دعم المخرج والمخرجة في تنفيذ رؤيتهم الفنية بما لا يتعارض مع راحة وحرية كل فرد من المتواجدين في موقع التصوير.
غرفة مغلقة وملابس حشمة تحافظ على حرية الممثل
أما الآليات والطريقة التي يتم من خلالها تنفيذ المشاهد الحميمية والحساسة، فقد قالت إنه في البداية لا بد من معرفة حدود كل ممثل وممثلة، ولا بد من موافقتهم كتابيا على إظهار أي جزء من جسدهم أو تجسيد أي فعل على الشاشة، وخلال التصوير يتوجب علي أن أحافظ على حرية وحُرمة كل ممثل وممثلة، إذ أن هذه المشاهد يتم تصويرها في غرفة مغلقة مع أقل عدد من الأفراد، ويتم التأكد من منع استخدام الهواتف أثناء التصوير بجانب عدم وجود شاشات متصلة بالكاميرا إلا إذا كانت شاشة واحدة فقط أمام مخرج العمل.
كما أكدت على أنه في المشاهد التي يتم فيها إظهار الممثل على الشاشة بشكل عاري أو تصويره وهو يجسد مشهد حميمي بشكل مفسر، فإنه يتم الحرص على أن تكون جميع مناطق العفة مغاطاة تماما بملابس حشمة ذات طبقة سميكة للغاية مصممة خصيصا وتتخذ نفس شكل ولون الجسم،وذلك لحمايتهم من أي انتهاك من أي نوع أو شعورهم بعدم الارتياح، هذا بجانب أنه يتم الاستعانة أحيانا بأجزء بلاستيكية تظهر وكأنها حقيقية عند دمجها بالأداء الحركي الذي يتم تصميمه وفقا للمشهد، والخدع السينمائية.
كلمة سر لإيقاف أي انتهاك
من ناحية أخرى، قالت إنه من بين أدوات الحماية هي كلمة سر منفصلة يتم الاتفاق عليها مع كل ممثل على حدى، تكون بمثابة نداء استغاثة لإيقاف التصوير على الفور حال وقوع أي انتهاك، لافتة إلى أنها تحرص على التواصل مع الممثلين بعد 3 أيام من التصوير للاطمئنان عليهم ولتعطيهم فرصة للتعبير عما بداخلهم إذا شعروا بالضيق أو عدم الارتياح من شيء ما.
تصوير علاء القمحاوي
قاعدة أساسية في مشاهد القُبلات
وتحدثت عن القاعدة الأساسية التي يتم اتباعها في مشاهد القُبل، حيث قالت إنه لا بد من أن يكون الفم مُغلقا تماما، كما أن يتم الاستعانة ببعض الأداء الحركي الذي يوحي بظهورها بصورة تتفق مع رؤية المخرج على الشاشة.
كشفت أيضًا سندس شبايك، التي عملت كمنسقة للحميمية في فيلمين قصيرين عربيين وعدة أفلام أخرى بالخارج، أن المبدأ الذي لا يمكن أن تتنازل عنه هو إجبار ممثل على تنفيذ أي فعل يرفضه، حتى وإن أصر مخرج العمل، لأن وظيفتها هي إيجاد حلول بديلة، وإن أغلقت كافة السبل فإن ذلك من الممكن أن يدفعها للجوء لشركة الإنتاج لوضع حد للأمر.
تحدي لا يزال قائما
واختتمت "شبايك" حوارها مؤكدة على أنها كانت تعلم منذ البداية أن العمل في هذا المجال هو تحدي كبير لا زال قائما حتى الآن، موضحة أنها تتعرض بشكل يومي للعديد من الانتقادات عبر حسابها على موقع "إنستجرام"، إلا أنها رغم ذلك تُصر على نشر الوعي بدورها للتأكيد على أنه كل مشهد حميمي تم تقديمه على الشاشة ليس بالضرورة أن يكون حدث في الواقع، لأن هناك منسق يحافظ على العادات والقيم والحدود الشخصية لكل ممثل.