اليوم، لا أكتب دفاعًا عن الشاب الذي صفعه عمرو دياب في حفل زفاف ابنة المنتج محمد السعدي، على الرغم من أنه يستحق أن نعتذر له جميعًا، لأننا ساهمنا بشكل أو بآخر في صناعة نجوم من ورق بدت هشاشتهم واضحة أمام أعيننا في مواقف كثيرة، لكننا تغاضينا عنها وأطلقنا عليهم الأوصاف التي لا يستحقونها حتى ظنوا أنفسهم في مرتبة أعلى من البشر.
ما أثار حزني في واقعة صفع الشاب، أنَّ أصحاب الفن باتوا يجهلون القيم الفنية السامية، التي من المفترض أن يتحلى بها أي فنان سواء كان مشهورًا أو مغمورًا، لأن الفنون في مجملها أعمال إبداعية نبيلة، بينما النبل والوقاحة تضادان لا يجتمعان تحت أي ظرف.
الكثير من الفنانين الحقيقيين الذين قادوا الفن المصري إلى الريادة عربيًا وعالميًا، مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وأسمهان ومحمد فوزي وليلى مراد، وغيرهم الكثير من الأجيال الذهبية، جميعهم دون استثناء تعرضوا لمضايقات لا حصر لها من معجبين أو حتى صحفيين لكن لم نسمع عنهم أن أحدهم صفع معجبًا أو وبخ صحفيًا، كانوا يتصرفون بذكاء ونبل إنساني عميق، جعلهم أيقونات خالدة في تاريخ مصر.
في موقف شهير لكوكب الشرق يعكس كيف يكون الفنان مدرسة فنية تزرع القيم والمبادئ وتعدل السلوك وتنهض بوعي الأمة، كانت أم كلثوم تحيي حفلًا غنائيًا على مسرح الأولمبيا بالعاصمة الفرنسية باريس، لدعم المجهود الحربي للجيش المصري، وفي أثناء انسجامها في غناء "الأطلال" هام أحد المعجبين طربًا ودفعته الأشواق إلى الصعود لخشبة المسرح وتقبيل قدم "الست"، في تصرف عفوي دون مقدمات.
وبعدما ارتبك الرجل وأمسك قدمها وهي واقفة تغني لتقبيلها سقطت على الأرض، في حفل يتابعه الملايين حول العالم، تخيل كم الإحراج الذي قد تشعر به أي امرأة في تلك الأثناء، لكن ذكاء ونبل أم كلثوم كان حاضرًا، فنهضت من الأرض كأن شيئًا لم يكن وغنت المقطع الشهير "هل رأى الحب سكارى بيننا" وهي تشير إلى الرجل، الذي اعتذر وانصرف إلى مقاعد المتفرجين وتحول الموقف إلى مشهد كوميدي وفني بديع، ما زلنا نذكره بعد مرور أكثر من نصف قرن.
المعضلة الآن ليست في جودة الإبداع الفني مقارنة بزمن الفن الجميل، لكن الأزمة الحقيقية أن عمرو دياب وأمثاله الذين يتصدرون الساحة الفنية لم يستوعبوا مدرسة أم كلثوم وجيلها، ولم يوجدوا لأنفسهم مدارس جديدة، بل صاروا بلا هوية.
نرشح لك:
اقتراح تامر أمين لحل أزمة صفع عمرو دياب لأحد المعجبين