استعراضات وأغاني ولوحات فنية.. تفاصيل العرض المسرحي "الثأر ورحلة العذاب"

قدمت فرقة المنصورة القومية علي مسرح السامر بالعجوزة عرض "الثأر ورحلة العذاب"، ضمن العروض المشاركة فى المهرجان الختامي لفرق الأقاليم و الذي تقيمه الإدارة العامة للمسرح برئاسة الأستاذة سمر الوزير تحت رعاية الإدارة المركزية للشئون الفنية برئاسة الفنان تامر عبد المنعم والهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة عمرو بسيوني.


"حاصر حصارك لا مفر.. حاصر حصارك بالجنون"

"ذهب اللذين تحبهم .. إما تكون أو لا تكون"

"إننا ننتصر في حالة واحدة فقط .. وذلك حين نلعب ضدهما لا معهما"

"أو حتم عليك أن تحمل فوق ظهرك أوزار العالم"

كلها أقوال خرجت من العرض المسرحي "الثأر ورحلة العذاب" وهي محفورة فى ذهني، وأري ذلك انتصارًا للمسرح القائم على الكلمة وليس الصورة المبهرة المفرغة من أي مضمون التي انتشرت مؤخرا فى عروضنا والاتجاه لمحاكاة نماذج غريبة عن ثقافتنا.


أرى هذا أول شيء تفرد به العرض المسرحي "الثأر ورحلة العذاب"، الذي لم يغفل مخرجه في نفس الوقت رسم صور وتكوينات بديعة على خشبة المسرح و تحريك للمجاميع بسلاسة.

وكذلك خلق حالة مسرحية مفعمة بالحيوية رغم صعوبة النص المسرحي للكاتب الكبير أبو العلا السلاموني، حتى أنني شعرت وأنا أشاهد العرض أنه لمخرج ذو خبرة طويلة في عالم المسرح، ولكني لم ألتق به من قبل؛ وقد زادت دهشتي حقا عندما فوجئت في تحية العرض أن مخرجه محمد عبد المحسن ينتمي لجيل الشباب.

اعتمد عبد المحسن فى تكنيك التنقل بين لوحات العرض على استخدام الإضاءة للإنارة في منطقة بينما يتغير المنظر المسرحي في المنطقة الأخرى، كما كانت نهايات المشاهد آخذه لشكل الكادر السينيمائي.

جاء تسكين الأدوار بشكل موفق لحد كبير وخصوصا العنصر النسائي، والذي تميز فى العرض ومدربا بشكل جيد، فأجادت هالة عيد فى دور (العرافة) ودعاء عبد الباقي في دور (رباب) وهبة جمال (هند) و(الساقية) نانسي عبد الله، ومعهم سهيلة أحمد ووصال أشرف نجاة الشربيني.


لجأ مخرج العرض في أحيانا للقالب الغنائي بالعامية في صياغة بعض المشاهد، مما كان له أثر جيد فى خلق حالة من التواصل مع الصالة، وجاءت الأغاني معبرة لمسعود شومان والقالب الموسيقي لعبد الله رجال كان شديد العذوبة، خاصة استعراض الحانة والذي كان اشبه بجزء من أوبريت غنائي.

أما الديكور لسمير زيدان فبالرغم من بساطته ولكنه كان موحيا وحمل بعض الدلالات والرموز، فالخيمة غير مكتملة والهياكل المعلقة لشخوص أشبه بخيالات المآته تحمل الكثير من المعاني. كما جاء العمود المعلق في الخلفية طيلة العرض جاثما فوق مجسم يشبه الكرة الأرضية أيضاً، في إشارة ذكية لما يدور فى دراما العرض ويزيدها ارتباطا بواقعنا.

كما تنوعت مستويات لوح العرض طبقا لمستوي القوة والضعف للشخصيات فجاء كرسي قيصر فى مستوى أعلى من باقي مناطق لوح العرض الأخرى، ونجح المخرج في استغلال كافة مناطق المسرح تبعا لمناطق الصراع الدرامي للتأكيد علي ذلك.

ملابس حسام عبد الحميد أيضا كانت مناسبة لحد كبير وتنوعت وفقا لاختلاف الشخصيات، خاصة ملابس الصعاليك والحرامل على ظهورهم تارة معلقة وتارة يتم إسدالها على الرؤوس تبعا لدخولهم وخروجهم فى حالة التشخيص، ثم العودة للعب دور الرواة وملابس النساء جاءت ثرية

الإضاءة لمحمود الصاوي كانت معبرة، وخلقت مناخا ضوئيا تبعا للحالة النفسية لكل مشهد، جاء التنفيذ الموسيقي لمنير ميشيل شديد الحساسية خاصة في مناطق الموسيقي التصويرية.


على مستوى التمثيل كانت هناك حالة عالية من الأداء الواعي لأغلب الشخصيات فتميز ياسر موافي (ربيعة). وكذلك محمد بحيري في دور (قيصر) وكذلك أحمد أبو العينين في دور (قائد الحرس) وشكلا معا ثنائيا جميلا في لوحة قيصر، واجتهد أحمد رجب في دور (امرؤ القيس) وإن كان يحتاج مزيدا من التدريب نظرا لصعوبة الشخصية، ويأخذ على أحمد مصطفى في دور (عمرو) انخفاض صوته وعدم التلوين في طبقات صوته. كما أجادت مجموعة الصعاليك (محمود عثمان - نور محمد – يوسف صبري- إبراهيم الدسوقي- يوسف صبري - مروان طارق - أحمد وائل - عبد الرحمن خالد - هشام محمد - محمد طاهر).

ووضح اهتمام فريق العمل بالحرص علي النطق السليم للغة العربية الفصحى، فجاءت منضبطة إلى حد كبير.

في المجمل "الثأر ورحلة العذاب" عمل مسرحي يحترم عقل المشاهد ووقته، يستحق المشاهدة أكثر من مرة، ويحمل في طياته العديد من مواطن الجمال لفرقة بدت وكأنها فرقة محترفة وليست من فرق الهواة ويحسب لمخرجه أخذ هذا الاتجاه من المسرح الجاد، الذي يعتمد علي الكلمة بشكل أساسي والحرص على التأكيد بأكثر من أداة على رؤيته للعرض.