بعد وصولها للقائمة الطويلة لجائزة غسان كنفاني.. ميسلون فاخر: "زهرة" هي صرخة في وجه العالم

فتاة سويدية ذات أصول عراقية، تعاني منذ طفولتها من العنصرية من قِبل المحيطين بها، نظرا لاختلاف لون بشرتها، وذلك بعد أن حرمتها السلطات الاجتماعية بالسويد من أبويها العراقيين المهاجرين، وقدمتها لعائلة سويدية لتتبناها بعد صدور حكم بانتزاعها من ذويها هي وأخوتها لعدم أهلية أبويها لرعايتهم، لتكشف لنا الكاتبة العراقية ميسلون فاخر، في روايتها الأحدث "زهرة" والصادرة عن دار سطور للنشر، عن جانب آخر من معاناة العرب والعراقيين داخل السويد، والتي لم يسلط عليه الضوء من قبل في عمل روائي.

الرواية بمثابة صرخة في ضمير الإنسانية ومحاولة للبحث عن الهوية وسط محاولات عديدة لطمسها وخلق مسوخ بشرية في هذه الدول التي ترفع رايات حقوق الإنسان وتنظر للعدالة بمنظور أحادي جائر، لينكشف ستر زيفها يوما بعد يوم.

وبعد وصول رواية "زهرة" للقائمة الطويلة لجائزة غسان كنفاني للرواية العربية، تواصل إعلام دوت كوم، مع الكاتبة ميسلون فاخر، للحديث عن كواليس ترشحها للجائزة، وتفاصيل مشروعها الأدبي الذي يتناول العراق ومعاناة شعبها.

- كيف ترين وصولك روايتك للقائمة الطويلة لجائزة غسان كنفاني باعتبارها جائزة فلسطينية خاصة في هذا التوقيت؟

شهد الربع قرن المنصرم نشر أعمال سردية لمبدعين حاولوا تقريب عالمنا العربي بكل امتداداته الثقافية والإبداعية بالعالم الآخر، وقد تجلى ذلك المشهد في إغناء المتخيل السردي المحلي بتفاصيله اليومية والنمطية مع ما يطفو به ذلك العالم من غموض وسحر ورهبة وتناقضات. وزارة الثقافة الفلسطينية أطلقت "جائزة غسان كنفاني للرواية العربية" بالتزامن مع الذكرى السنوية الـ50 لرحيل الأديب غسان كنفاني، في تموز 2022 وشعارها (وما زلنا ندق جدران الخزان)، حرصا منها على المنجز الذي يهتم بالهم العربي ويحمل رسائل نوعية لمشاكل يئن منها مواطني هذه البقعة من خلال خياراتها للترشيح "هو مساءلة النص الروائي"، وهو النهج الذي اعتنقه غسان كنفاني كما صرحت الوزارة بمناسبات عدة فإن الروايات التي ضمتها القائمة الطويلة عاينت قضايا عربية راهنة غير منقطعة عن ماضي هذه القضايا، وهي في مجملها كانت موفقة في قراءة مواضع الألم والخلل العربي، وفي ملامسة مشاعر الإنسان العربي وأشواقه وتطلعاته".

وضمن هذا المشهد الدموي الذي أبكي البعيد قبل القريب ومعاناة الإنسان الفلسطيني وهو تحت مظلة احتلال جائر وفاشي يحمل الترشيح الفلسطيني رمزية كبيرة ألا وهي أننا جميعا نعيش الورطة ذاتها ونحمل هموم بعض بعيدا عن المفاهيم المؤدلجة التي تخرب نفوسنا وتشتغل كثيرا على تفريقنا

- أنت العراقية الوحيدة التي وصلت للقائمة الطويلة هذا العام، كيف تجدين هذا التنوع في جنسيات المرشحين للجائزة؟

في نظري أن الرواية تكتب بأضلاع عدة لا تحمل هوية مناطقية خاصة ببلد دون الأخر وهي تكتب في ذلك المد الجغرافي الشاسع ولهذا يفضل تسميتها بالرواية العربية أانها تشترك في جملة متشابهات أشمل وأكبر من أن تتقوقع في بلد واحد وحتى اشتغالاتها متشابهة سواء الفلسفية أو الاجتماعية أو السياسية، لذا يجد الباحث عن مسارها أنها تمضي في ذات الطريق الاسفلتي المتعثر ولازالت في مرحلة التجريب في كل بلدانا العربية. في خضم هذه الأوضاع التي تعيشها المنطقة من استقطابات وخلافات حيث المتشبثين بالنضال والصمود وعدم التفريط بكل شبر من الوطن والتضحية بكل غال ونفيس وأولئك الباحثين عن التطبيع، تظهر جليا تقاطعات الرواية منسابة بهدوء وبلغة ليست واحدة ووجع غير متشابه لكنه يكشف نمطا واحدا للحياة والمجتمع من عادات وقيم ونظرة نمطية لما حولنا، لذا في نهاية هذا المشهد تنتج نزاعات وخلافات تؤدي إلى ما نحن عليه الآن من مفترقات طرق.

- حدثينا عن رواية "زهرة" وكواليس كتابتها؟ ولماذا اخترتي قضية انتزاع أطفال العرب في السويد؟

شعرت بكل الفظائع التي شعر بها الطفل المتبنى وذويه وعجزهم عن التصالح مع محنتهم، حيث لم يكونوا أحرارا في مقارعة أوجاعهم، لست أدري حتى اليوم إن كان ذلك الميل في تصوير مصيبة الأطفال وذويهم يخفي وراءه فيضا من القهر المختبئ أو حاجة سرية مكتومة للصراخ بوجه هذا العالم المتغول أو ضرورة أن نطمئن من حولنا وذواتنا بأن هناك من يدعمنا. فرحت كثيرا وأنا أحصد ابتسامات أو عبارات الإشفاق على هؤلاء، منذ تلك اللحظة علمت كيف تقاوم الظلم إذ لم تكن قادرا على إعلان موقفك وتكتم الشهادة فمن المؤكد الصمت خاويا وغير مجد، هناك طرق أخرى تتحملها إن كنت بلا شجاعة كافية وتمكنك أنت والضحية بالظفر أي مكاسب ممكنة.

- العراق حاضرة بقوة في رواياتك.. ما السبب في ذلك؟

الرحيل مؤلم وقد تعرضت لمرارته بقسوة ولم أتمكن من أن أتحرر من المكابدة في كل ما يحدث حولي، لا أتردد كثيرا في أن أضع اسما لهذا الوجع المتلبس داخل كل المهاجرين هو اسم وقور ومتعالي لكنه هزيل ومتعب ألا وهو الوطن، ربما دون أن أشترك مع غيري بما يعتريني من نفور من كل القبح الذي يحيط به لكنه يبقى متربعا على كل أحاسيسي ويرافقني على الدوام ربما الإحساس بالجدوى من التأمل دون حضور الخيبة، شجعني ذلك على استحضاره في كل ما أنوي فعله بالحياة، كلما أردنا فهم الأوطان علينا الابتعاد قليلا عنها لمشاهدتها من بعيد حين تتحول عيوننا إلى عدسات مقعرة تغير الصورة إلى دائرة كاملة. لأن رواية الماضي تعيد تعريف مفاهيمنا وترتب أماكن لاعبي النرد حيث النظر إلى الوراء ومراقبة كل الحماقات التي ارتكبناها وارتكبها غيرنا وتحملنا وزرها، تحتاج الوقوف بعيدا وتأمل ما حدث.

- كيف حاولتي التعبير عن معاناة العرب في الغرب من خلال رواية "زهرة"؟

هي ليست معادلة بها طرفين العرب والغرب بل هي معادلة القادمون من بلدانهم والمستقبلون في بلدانهم تلك العلاقة الشائكة المضطربة بين القادم والمستقبل، حيث الأول قادم معه أحلامه السرية وتطلعاته بأن يكون ابنا متربعا لتلك البقعة ويؤسس لما يعتقده فكرة حقيقية وخيط من المصادفات يجمع من خلالها كل ما لديه ليصنع معجزته "الوطن البديل"، أما الآخر الذي يجد نفسه أمام امتحانات هو في غنى عنها وعليه أن يتصرف بفروسية أمام هؤلاء الغرباء وأن يتكيف ويتغير ويتفهم. هذا كله يحتاج كما كبيرا من الوعي والقدرة على تقبل الآخر القادم من الضفة الأخرى بكل محمولاته الثقافية الغريبة ومؤدلج بكل محمولاته السياسية والدينية، هنا ينشأ الصراع الذي من الصعب إدانة أي طرف على حساب الآخر وأن التراكم المسجل لذلك الصراع يمكن البناء عليه لتحديد المسارات البحثية لقراءة خصوصية النزاع ورغم المأخذ على تسميته صراعا ولكنه يحمل كل معايير النزاعات غير أن الحاجة لحماية الطرفين محفوفة بالمخاطر ولا ينبغي التسرع في الإدانة أو الارتجال بإصدار الأحكام وضرورة البحث والتأمل للوصول إلى منطقة للفصل وإطفاء تلك الجمرة المتقدة وهذا إن لم يحصل فهناك شرف المحاولة من قبل كثيرين.

- صراع الهوية من الأشياء التي تناولتها الرواية، لماذا حاولت التركيز على ذلك؟

نحن نشبه رجل يلملم شتات عقله هذا ما يحصل لنا حين نباشر بالتفكير بهوياتنا في عالمنا الجديد، لكن ما هو التفسير لمعنى الهوية السردية وكيفية التمييز بينها وبين مفهوم الهوية؟ حيث الأولى تحمل دلالة زمانية مكانية وهي القدرة على سرد الأحداث على نحو منظم الذي يكمن على تصوير ما يخفيه التاريخ وهنا تتضاعف الحبكات التي تسمح بالانفتاح على المستقبل ما دام هو تخييلا لزمن آخر ويمنح الأحداث شكلا ويقترح عالما جديدا، أما الأخرى فهي ثمرة خرائطنا الإنسانية وهي المفهوم الأعمق والأدق لكل جينوم نحمله ومن خلاله يتم التعرف على ذواتنا. الهوية هي البصمة الجينية لكل منا لا يمكن تحييدها ولا التلاعب بخرائطها لأنها ثابتة وعنيدة قد تتلاشى أحيانا وتندمج بهويات أخرى أذا مكثنا في رحابها لتتجلى تلك التجارب في منتجنا الإنساني وتضيف المزيد من الاكتشاف والفهم لما حولنا.

- إلى من تهدين وصولك للقائمة الطويلة لجائزة غسان كنفاني؟

في هذه الظروف الصعبة والمحنة التي تمر بها فلسطين وبلداننا ونحن في مفترق طرقات لا يسعني إلا أن أقول أن البطولة التي يقدمها الشهداء بأجسادهم الكريمة والأحياء في تلك الأماكن المشتعلة بالنار والجوع والذل هم وحدهم من يستحقون شرف كلمة بطولة، أما نحن المتفرجين والذين نملك أصوات عالية وأفعالا مقصورة ونبدو مثل أقزام في فيلم كارتوني نشعر بكل الحرج، أما هذا الترشيح للجائزة فهو إهداء متواضع لكل أم فقدت أطفالها ولكل طفل فقد أمه.

نرشح لك: عن أهل الخطاب العرفاني.. كتاب جديد لـ حمدي النورج