منذ أن بدأ الإعلان عن الإنتاج الكبير – غير المسبوق – لفيلم "ولاد رزق 3"، وأنا أخشى أن تفسد الخلطة. ليس لأن الإنتاج السخي يفسد، على العكس، بل لأنه يرفع سقف التوقعات، وهي نقطة قد تكون في صالح الفيلم، أو ضده تمامًا، لكن شيئًا ما في (ولاد رزق) تحبه أنت مثل طبق الكشري الذي تدخل فيه عناصر كثيرة تجعله شهيًا.
تركيبة خاصة صنعها مخرجه بممثليه بإنتاجه بورقه، بل إن مؤلفه (صلاح الجهيني) صنع له (فورمات) تشبه فورمات الأفلام العالمية ذات الأجزاء مثل مهمة مستحيلة أو جيمس بوند. هناك شريك كبير، وأشرار صغار، والجهيني سيجعل الفيلم كله يدور على طريقة الفلاش باك، مع وجود تحدي كبير في الفيلم، ثم التويست التي تحتاج دائمًا لجهد كبير من صلاح في الورق ليصفق الجمهور في نهاية الفيلم لولاد رزق، أسود عين الصيرة، المنطقة الشعبية العريقة التي يمكن أن تأكل فيها الكشري مستريحًا سعيدًا، لكن لو تبدلت الخلطة، فهل ستأكل الكشري في (هاسييندا) في الساحل الشمالي مثلًا؟.. وهل سيكون بنفس الجودة، رغم إن صاحب المحل / المنتج (صارف) و (مكلف)؟.. أم أن شيئًا مع في الطعم سيتغير؟
ذهبت للفيلم حاملًا تساؤلاتي، ومنذ المشاهد الأولى ظهرت عدة فروق؛ شريط الصوت مبدئيًا لم أسمع مثله من قبل في الأفلام العربية. طارق العريان بمشهد one shot في المعركة الأولى ينفذ بحرفية شديدة. شخصيات تحافظ على بنائها بقدر الإمكان، لكن المشكلة الأكبر في بداية الفيلم بالنسبة لي كانت في (الورق)، وهكذا قلت لنفسي: "بقى تيجي منك يا جهيني؟". ترهل بعض الشيء في الإيقاع، ثم (لوي) لعنق الدراما وتغيير غير متوقع في القصة الأساسية لأسباب واهية.
في نهاية الجزء الثاني يجتمع الأعداء القدامى لولاد رزق ويستعينون بالشايب (آسر ياسين)، متوعدين أسود الأرض بالانتقام، لكن فجأة يصبح الانتقام مشهد، ويصبح (الشايب) مع ولاد رزق بجملة، وتظهر مشكلة التأمين وكأن المعرض هو ما يصرف على كل ولاد رزق رغم إن أحدهم صار يمتلك كازينو!!. هنا أيضًا تجد مشكلات أخرى في (الدراما) تحل بجملة أو موقف. غياب الفيشاوي لأنه دخل السجن، طيب ماذا عن غياب (أحمد داوود)؟، وما الداعي لشخصية (الكوري) بخلاف إنه (بيضحك) وأداه باقتدار علي صبحي؟ وما سر هذا التحول الغريب في شخصية نسرين أمين في بداية الفيلم؟ وأين أي بناء لشخصية (أسماء جلال)؟، والأهم من كل ذلك، هل سيتدارك (الورق) هذه الأخطاء وينفذ (ريمونتادا) فيما تبقى من الفيلم؟..
يضطر ولاد رزق + الشايب + الكوري لعملية خارج مصر، وفي الرياض يعترضون طريق بطل الملاكمة العالمي تايسون فيوري لسرقة ساعة بملايين الدولارات.
وهنا يبدأ جزء آخر من الفيلم، المفترض أن نخشاه أكثر، حيث سيظن البعض أن وجود الرياض مقحم لأن الفيلم مدعوم من موسم الرياض، لكن على العكس تمامًا، يمكن اعتبار الفيلم بدأ في الرياض. مطاردات ممتازة تجعلك تتذكر مطاردة طارق العريان الشهيرة في تيتو وتقارنها بمطاردة ولاد رزق لتقول: سبحان العاطي الوهاب، استغلال أمثل لموسم الرياض، واستعراض ذكي للأماكن الترفيهية هناك، بما فيها الملاهي التي توجد فيها منطقة تحاكي الأهرامات على غرار القرى الكونية، ستنسيك جودة المطاردات أسئلة منطقية مثل: أين الشرطة السعودية من مثل هذه المطاردات، وكيف خسر الفيلم خطًا دراميًا آخر لمطاردة ولاد رزق نفسهم في السعودية، وستتجاوز فكرة انتصار (قتال الشوارع) لولاد رزق على قتال المحترفين (الخواجات)، حين تسمع إفيه أحمد عز بجوار منطقة الأهرامات: "إنتوا جايين تعلموا علينا ف منطقتنا يا شوية خواجات؟".. لكن لا بأس طالما (الورق) قرر أن يصالحك، و(الصرف) بدأ يظهر بالفعل على المطاردات بعد شريط الصوت، والجالسون في السينما أصبحوا مشدوهين الآن لما يقدم عبر الشاشة. تويست آخر رائع، ثم تويست أروع، وأداء متمكن وممتع من أحمد الرافعي، وعلي صبحي، وتحول بدني في شخصية كريم قاسم، وتحول رومانسي (غريب) في شخصية عمرو يوسف، مع كوميديا شعبية تحافظ على وجودها بجدارة حتى في تتر الختام الذي كان مليئًا بخفة الظل الحقيقي غير المفتعلة، بعد نهاية غير متوقعة تفتح الطريق لجزء رابع بشر به المستشار تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه، ومدح في (صلاح الجهيني) مقارنًا إياه بأساطير عالمية في الكتابة السينمائية.
وحتى لحظة كتابة هذه السطور حقق الفيلم في ثلاث أيام عرض في مصر (قبل العيد) ما يزيد عن 20 مليون جنيه في إيرادات قياسية ستذهب به بعيدًا، لكن التقييم المنصف للعمل ربما يتأخر بعض الشئ لحسابات ربما يخشاها البعض، إلا أن الكتابة من موقع المتفرج المتابع ربما كانت حلًا مناسبًا لنتحدث ونقيم ونرسل برسائل إلى:
- أحمد عز : رمانة ميزان السلسلة . بدا غير متزن كشخصية، واعترف بذلك في إحدى الجمل، لكنه ظل محافظًا على أدائه الممتع، وفي المشاهد الأخيرة الخاصة بالحقنة سنجد أحمد عز غير الذي نعرفه يمثل من منطقة أخرى يعيد اكتشافها طارق العريان. ويبقى عز هو الضمان لجزء رابع مميز يجب أن يركز فيه على الورق (من بدري) بصحبة نفس الفريق.
- طارق العريان: مخرج كبير منذ فيلمه الأول قبل أكثر من 30 عامًا .. تخيلوا مرت 30 عامًا على طارق كمخرج سينمائي!. استفاد بشدة من الإنتاج السخي للعمل، أدار الفريق باقتدار، أصبح الدويتو الممتاز بينه وبين (مازن المتجول) مدير التصوير الكبير من الدويتوهات المريحة للعين العربية. ربما أهمس في أذنه بأن بعض الجمل ظهرت مقتطعة من سياق يوحي بأن مشاهد تم حذفها دون الانتباه لوجود (ذيول) لها في مشاهد أخرى، وهي ملحوظة يجب ألا تفوت على مخرج كبيرة مثله.
- آسر ياسين: ظلمه هذا الدور، وأظنه أدى دوره مجاملة لا أكثر لأن لديه الكثير الذي أتمنى أن يظهر في الجزء القادم.
- تركي آل الشيخ: حكى لي أستاذي د. نبيل فاروق رحمه الله عن جلسة جمعته مع المستشار تركي آل الشيخ قبل أن يشغل منصبه الحالي، وكانت سببًا في أن يكتب قصة أهداها له، كما حكى لي عن كونه شخص متقد الذكاء، وبعيدًا عن ثوب المشجع الرياضي الذي خسر معه كثيرًا في فترة من الفترات، فالرجل في غاية الذكاء إذ وثق لمهرجان الرياض بفيلم كبير سيبقى، وكأنه إعلان مستمر للأبد، وكان من الذكاء بحيث لا يتحول إلى السبكي الذي يظهر في أفلامه، وحتى ظهوره كان ضمن لقطات توثيقية غير مقحمة. أرجو فقط أن يضمن كمنتج في الجزء الرابع، ألا يتغير السيناريو طوال الوقت، وألا يقبل هو شخصيًا لي عنق الدراما لمجرد التصوير في أماكن أو إدخال شخصيات ضمن العمل، كما أتصور أن حماسه للعمل نابع من محبة حقيقية لطاقمه، لكن الأهم، والأهم بالفعل، أن يضع يده في يد صناع السينما المصرية والعربية لصناعة فيلم عالمي. فإذا كنا في الماضي نشتكي من الإمكانات مع وجود المواهب، فها هو وفر الإمكانات، ولا حجة.. المهم ألا تدخل شياطين بيننا.
- أحمد الرافعي وعلي صبحي: مفاجأة جميلة وعظيمة في الفيلم، وأداء رائع وحقيقي.
وقبل أن أنهي المقال: المد والجزر ظاهرة طبيعية، تحدث في البحار الكبيرة، وستظل تحدث، ما أتمناه أن يكون الفيلم، وما قبله من حفلات مشتركة، وما بعده من تعاون مرتقب، وما نسمع عنه من (مد) .. لا يسبق جزرًا، فإن جاء الجزر .. تذكرنا المد. السينما المصرية عظيمة، والسعودية بلد كبير تصنع نهضة مختلفة الآن، وسيكون للسينما السعودية طفرة كبيرة في قادم الأيام، فإذا تضافرت الجهود بإخلاص صنعنا معجزات حقيقية.
أخيرًا: يمكن أن نأكل الكشري في هاسييندا.. في واقع الأمر: عرفت منذ قليل أن "أبو طارق فتح هناك"، وأن "كشري التحرير" موجود في مراسي.. وبنفس الطعم والجودة العالية.