ينافس فيلم "أهل الكهف" ضمن أفلام موسم عيد الأضحى السينمائي، واكتب إليك أسبابي لمشاهدة الفيلم بعد خروجي من قاعة السينما مباشرة والفيشار الساخن ما زال فى يدي:
الأول: إذا كنت من هواة الأدب، ستعرف أن نص "أهل الكهف" من أعظم ما كتب الأديب العملاق توفيق الحكيم، مستندا إلى وقائع تاريخية حقيقية تؤرخ اضطهاد المسيحين الأوائل من حاكم الرومان، ممزوجه بالقصة الأسطورية التي تعرف بالنيام السبعة، ودمج الأسطورة بالتاريخ خلق لها أبعاد مختلفة وإسقاطات إنسانية وسياسية عميقه مليئة بالمشاعر والعواطف الجياشة، مثل الغربة والإيمان والتضحية والحب والشجاعة وصراع الزمن وتسييس الدين، ولأول مرة يتم تجسيد القصة سينمائيا.
تسألني الآن وهل هذا فيلم عيد بذمتك؟ أقول لك لا.. هو ليس فيلم عيد بل فيلم كل الأعياد وكل الأيام، فجمال السينما فى تحقيقها للمتعة والترفيه، ولكن عظمتها في أن تغسل روحك وقلبك وتخرج من الفيلم محملاً بنفس مشاعر الأبطال، وتسأل نفسك هل آن الآوان أن أبحث عن كهف الآن يأويني من صراعات الدنيا المتوحشة.. أم ستحارب لآخر نفس؟
الثاني: قاعدة فنية قديمة تقول إن الفيلم يُكتب لمخرجه والمسرحية لمؤلفها، فالمسرحية تعتمد على فصول طويلة من الديكورات الثابتة، فالفكرة والنص والحوار البطل لذلك تصبح مسرحيه "هاملت" مثلا تُنسب طوال الوقت لشكسبير، ولن تذكر مخرجاً واحداً لها رغم إخراجها عشرات الآلاف من المرات، أما الفيلم فالصورة فيه البطل، الصورة بكل تفاصيلها من تصوير وألوان وديكور وأماكن وموسيقى والمسؤل عن ذلك كله المخرج، لذلك ينسب إليه الفيلم.
وإن كانت مسؤلية المخرج ودوره يتفاوت في الفيلم، فإن "أهل الكهف" تحديداً فيلم يُنسب تماماً لمخرجه الكبير "عمرو عرفة"، فهو ليس فيلماً يتشارك فيه الصناع بنسب متساوية، بل هو مشروع خاص جريء معقد، إذا لم يكن هناك قائد يملك وجهة النظر ويقود كتيبة ضخمة من الصناع ويقبض بيده بشدة على التفاصيل لما ظهر للنور، أو ربما ظهر باهتاً كغيره من الأعمال التي حاولت تجربة ذلك النوع من الأفلام.
وأظن أن خبرة المخرج الشاطر في مشواره السينمائي قد وصلت لأقصاها في تلك التجربة الصعبة، ليصل بهذا الفيلم لأعلى درجات التألق الفني فى مسيرته، فإذا كنت من محبي أفلام "زهايمر" و"الشبح" و"السفارة في العمارة" و"أفريكانو"، فهذا الفيلم ينادي عليك، لأنه يحمل نفس بصمة عمرو عرفة.
الثالث: ما هو آخر فيلم بطولة جماعية من بعد فيلم "سهر الليالي"؟ الإجابه مفيش. وأرجوك عندما أقول فيلم بطولة جماعية لا أقصد فيلم لنجم يتوسط مجموعة من الأقل منه نجومية، فالفيلم الجماعي هو الفيلم القائم على الحدوتة، ويتساوى فيه أدوار أبطاله مهما بلغت نجوميتهم، وفيلم "أهل الكهف" يعطي لسينما الأفلام الجماعية قبلة الحياة بعد أن أوشكت على الانقراض، فلك أن تتخيل أن الفيلم يجمع بين خالد النبوي ومحمد ممدوح وأحمد عيد ومصطفى فهمي وريم مصطفى وغادة عادل وصبري فواز وأحمد وفيق وبيومي فؤاد ومحمد فراج ورشوان توفيق وهاجر أحمد وأحمد بدير وأحمد فؤاد سليم. وفي أحد مشاهد الفيلم تستطيع أن ترى 10 نجوم في كادر واحد متعة بصرية عظيمة حتى لو وقفوا صامتين.. السؤال الذي يشغلني كيف استطاع المخرج توحيد ميعاد يناسبهم؟
الرابع: السينما المصرية لديها أزمة كبيرة في نوعية الأفلام التي تحدث في فترات تاريخية بعيدة، أفلام العصور القديمة مكلفة ومرهقة ومتعبة لكل صناعها ولا يجرؤ الكثير من صناع السينما بالمخاطرة في خوض تلك التجارب الصعبة، لذلك فهذا فالفيلم يعتبر تجديد لشبكه أعين المشاهد السينمائي ليعيش بنفسه حدوتة من حواديت قبل النوم بنفسه، بعد أن كان يقتصر دوره على سماعها فقط، كما يفتح الباب لصناع السينما لكي يقدموا المزيد من الحواديت الخيالية والأسطورية فى تراثنا بعد أن غطاها التراب من الإهمال.
الخامس: "الشيطان يكمن في التفاصيل" المثل الإنجليزي الذي تستطيع بضمير مرتاح تطبيقه على الأفلام التي تناقش أحداث الأزمنة القديمة، لتصبح هناك شعره تحول الفيلم من الدراما الكوميديا بسبب عدم ضبط التفاصيل، لعلك تذكر منذ شهور جمهور السوشيال ميديا يتناول بتنمر معارك حربية يرتدي فيها المحاربون بوكسرات قطونيل وجزم نايكي!
ومن أهم ما يميز فيلم "أهل الكهف" هو التعب على تفاصيله من أول الإنتاج السخي لمحمد رشيدي، وكتابة مختلفة لأيمن بهجت قمر، وأماكن التصوير والديكورات للمهندس سامر الجمال، واختيار الكهوف الحقيقية وساحات القتال ببراعة، والأزياء التي نفذتها بحرفية عالية ياسمين القاضي، وصورة وائل درويش المذهلة، والموسيقى التصويرية الملحمية. أما مشاهد القتال والمعارك فكانت مبهرة لدرجة أنك تشك أنك أمام فيلم مصري، والأهم من جودتها العالية هي أنها لا تسبب الاشمئزاز أو النفور، ولكن تجعلك في درجة كبيرة من الحماس وتوحد مع البطل، كأن الطعنات تخرج من سيف الممثل تخترق جلدك وأنت على كرسي السينما.
السادس: بتجربته المختلفة يقدم لك الفيلم أداء مختلفاً تماماً عن أداء نجومك المحبوبين، ولا أبالغ إن قلت إنه تم تغيير جلدهم ببراعة، استعد لأن ترى خالد النبوي ومحمد ممدوح نجوم أكشن من العيار الثقيل، ومحمد فراج توأم لأول مرة، وإعادة اكتشاف مصطفى فهمي، والأداء الخاص لغادة عادل وريم مصطفى وصبري فواز، ودور جديد جدا على أحمد عيد الذي استحوذ على إفيهات الفيلم. أما المفاجأة الحقيقية في الفيلم هي أداء رشوان توفيق الذي لا يقل عن أداء الممثل الأوسكاري أنطوني هوبكنز.. وبعد هذا الفيلم تسأل لماذا لم نستثمر موهبة هذا الرجل بشكل يليق؟!