"دع كل شيء يحدث لك جميلاً كان أو مريعاً، فقط استمر في الحركة، لا شعور يدوم"، بهذه الجملة للشاعر النمساوي راينر ماريا ريلكي، اختتمت مسرحية "حيث لا يراني أحد"، عرضها على مسرح الجيزويت لليلتين يومي الخميس والجمعة الماضيين.
وبالنظر للجملة السابقة فهل يمكن للإنسان أن يستمر في الحركة وهو تعيس؟ وهو غير راضي عما يفعل، وهو غير قادر على الاستمرار؟ تدور أحداث العمل من داخل ساعة يد قديمة، فنتعرف على حكاية عقرب الثواني المصنوع في ضواحي العاصمة وبعد مرور 20 عاماً على عمله سيتم استبداله لأنه أصبح تالفاً.
يحكي العقرب "بولا ماهر" مأساته ويفكر كيف يمكن أن يتم استبداله بهذه السهولة بعد مرور كل هذه السنوات في العمل والمشقة، كيف يمكن أن يتم الاستغناء عنه لأنه توقف عن الحركة فقط، يسقط مؤلف ومخرج العمل محمود صلاح حياة العقرب على حياة الإنسان العادي، وخاصة الطبقة الكادحة وما يعانيه من عمل يومي ومرهق ومميت، وسهولة الاستغناء عنه بكل بساطة إذا توقف عن العمل أو عانى من أزمة صحية أو ما شابه، خاصة في ظل سيطرة الرأسمالية.
في ظل تفكير العقرب الذي توقف عن العمل في حياته وكيف سيقضي آخر يوم عمل له وحيدًا يظهر له العقرب الجديد "محمود بكر"، الذي يتمثل في شاب متحمس مقبل على الحياة ينتظر المهنة في أسرع وقت، ومن خلال حواره مع العقرب القديم ستتكشف خلفيات الماضي لكل شخص فيهما، فنجد أن العقرب القديم عاش حياته وحيداً دون رفيقة وفي نهاية المطاف كان يشعر بالحزن على نهايته التي لم تعجبه بكل تأكيد فقد تم استبداله بكل سهولة وكان يحاول أن يحذر العقرب الجديد من أن يأخذ مكانه لأنه سيظل يلف فقط في حياة منهكة مستهلكة، خاصة وأن هناك الكثير من الأشخاص أصبحوا يستبدلون ساعاتهم العادية بالساعات الرقمية التي اختفى منها عقرب الثواني!
يوضح في هذا الصدد محمود صلاح، مؤلف ومخرج المسرحية الفكرة الرئيسية خلال حواره الخاص مع إعلام دوت كوم ويقول إن المسرحية تناقش الحياة من خلال إطار درامي داخل ساعة توقفت فجأة، حيث نرى الحياة الوظيفية التي يعيشها عقرب الثواني الجديد، وعقرب الثواني القديم الذي أوشك على الانتهاء أو انتهى بالفعل.
يضيف "محمود" أن العقرب القديم بمجرد إدراكه أنه مرهق يقرر أن يتوقف ليتم استبدله كأنه لم يكن، وبالتطبيق على الحياة العملية فهو بالفعل قانون العمل، كما يظهر من خلال أحد المشاهد كيف وئدت الأحلام للعقرب القديم الذي يحاول أن يُوقظ العقرب الجديد من غفلته الوظيفية، كما يحدث في مشهد حبيبته "ميرنا نديم" التي تظهر بمجرد سقوط الأمطار حيث نرى وجه التشابه بين العقرب القديم والعقرب الجديد وتكون كحلقة وصل بين الماضي والمستقبل الذي ينتظر العقرب الجديد وعدم حصوله علي الحياة المثالية التي يتخيلها أو الفتاة التي يحبها وأحلامه، مثلما يحدث في الحياة الحقيقية.