- د. مروة وهدان
مدرس الأدب المقارن بكلية الألسن
استهل توفيق الحكيم مسرحيته أهل الكهف بآية من القصة القرآنية، بينما نفى أيمن بهجت قمر أية صلة بين فيلمه والقصة القرآنية، والغريب أنه كتب على تيترات الفيلم أنه مستوحى من مسرحية توفيق الحكيم!
رغم النفي والإثبات دعنا نتفق أن أساس العملين واحد لكن المعالجة مختلفة، اختار كل مبدع قصة أهل الكهف لتكون قالبا يقدم من خلاله فكرته ويوصل رسالته. تبنى توفيق الحكيم فكرة فلسفية طالما ظهرت في مسرحياته الذهنية وهي قضية صراع الإنسان مع الزمن، بينما اختار أيمن بهجت قمر من خلال القالب نفسه صراع الإنسان مع السلطة.
كانت القضية الرئيسة في مسرحية الحكيم هي: هل يستطيع الثلاثة العائدون من سبات عميق(مشلينيا- مرنوش- يمليخا) الاندماج مجددا في زمن مختلف وعالم بعيد كل البعد عن عالمهم الذي تركوه قبل نحو ثلاثمائة عام؟ وهل ستتحمل أجسادهم الكهلة - برغم ملامحهم الشابة - أن تعيش سنوات وسنوات أخرى وتحيا حياة جديدة وتكون بمثابة هبة إلهية تمنحهم فرصة أخرى؟!
كان الجدل بين شخصيات مسرحية الحكيم: (ميشلينيا) و(مرنوش) هو الخط الرئيس في العمل، (مرنوش) منقاد بعاطفته نحو حبيبته (بريسكا) التي تركها قبل سباته في الكهف ليجد شبيهتها بعد ثلاثمائة عام ويظنها المرأة نفسها، ذلك التشابه يمثل دافعا له للاستمرار في حياة لا تشبهه، بينما أدرك (مرنوش) و(يمليخا) الراعي أنهم كانوا مجرد آية ظهرت للناس لتذكرهم كما جاء في المسرحية: "إن القديسين لا يظهرون إلا في عصر يُنسون فيه"، وأدركوا أن مهمتهم قد انتهت ولا يمكن لأحد مهما حاول أن ينتصر في المعركة مع الزمن، فهو خاسر بلا محالة: "إنا ملك التاريخ.. ولقد هربنا من التاريخ لننزل عائدين إلى الزمن.. فالتاريخ ينتقم".
أهل الكهف في النسخة السينمائية لهم شأن مختلف، فقد اختار أيمكن بهجت قمر أن تكون شخصياته سبعة وثامنهم كلبهم، تغيرت أسماء الشخصيات الرئيسة في الفيلم ليصبح (مشلينيا) هو (سبيل) قائد الجيوش ذو الأصل العربي والذي قام بدوره خالد النبوي، و(مرنوش) هو (بولا) الذي قام بدوره محمد ممدوح، أما (يمليخا) فقد ظل كما هو في الفيلم (مليخا) الراعي الذي قام بدوره أحمد عيد وأضفى على الأحداث روحا من الفكاهة طيلة الفيلم. اللافت أن الشخصيات التي زادت في النسخة السينمائية كانت إضافة للفيلم، وثراء للمعالجة مثل شخصية الكهل الحكيم (رشوان توفيق) وحفيده الطفل الرضيع، وكذلك التوأم الذي قام بدورهما محمد فراج في شخصيتي نور ونار، اللذان يرمزان إلى صراع النفس البشرية، كل هؤلاء فروا إلى الكهف عام 250ميلادية هربا من حكم الملك (دكيوس)، الذي يقوم بقتل وتعذيب كل من يعتنق المسيحية، ليستيقظ السبعة عام 559 ميلادية "وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا". وتبدأ منذ لحظة استيقاظهم مفارقات متتابعة نتيجة سباحتهم ضد الزمان.
كانت القضية الرئيسة في الفيلم- على خلاف مسرحية الحكيم- صراع الإنسان مع السلطة وهو صراع أبدي لا ينتهي. لقد فر السبعة من هذا الصراع قبل ثلاثمائة عام ويزيد، ثم وجدوه قائمًا بل زاد خطورة. اكتشفوا أنه على الرغم من استقرار المسيحية فإن النفاق والتستر خلف قناع التدين أصبح هو سمة العصر الجديد. وسرعان ما أدركوا مرة أخرى أن هذا العصر ليس عصرهم، ولا هذا المكان مكانهم. وما لبثوا أن عادوا إلى الكهف مرة أخرى. ويوصي القائد "بولا" قبل موته صديقه (سبيل): "ارجع الكهف يا سبيل، دول منافقين مش مؤمنين، والمنافقين أخطر من الكفار"! ورغم هذا القرار الحزين، تظل هناك بارقة أمل تطل في نهاية الفيلم تتمثل في الطفل الرضيع الذي قرر الشيخ الحكيم إعطاؤه لبريسكا قبل إغلاق الكهف عليهم، ليحظى بفرصته في الحياة لعله يستطيع تغيير شيئًا في هذا العالم الذي تحكمه قوانين ونواميس لا تتبدل.