حملت توصيات مبادرة "التنظيم الذاتي للإعلام" حلولًا للعديد من المشكلات التي يعاني منها الوسط الإعلامي خلال السنوات الأخيرة. هذه التوصيات لم تهمل أيًا من أطراف العملية الإعلامية، بدءًا من مقدمي الخدمة الإعلامية، ممثلين في وسائل الإعلام المختلفة، مرورًا بالعاملين فيها وبناء قدراتهم، وصولًا إلى المشاهد وحقه في متابعة محتوى نظيف.
على عكس تصورات وأفكار سابقة تم طرحها على مر السنين، لم يكن هناك تناول أعمق لمختلف جوانب الأزمة بشكل شامل يضمن تجنب تكرار الأزمات الحالية في المستقبل. وقد تطرقت الأفكار إلى تقليل أعداد المقبولين في كليات الإعلام، بجانب التنسيق بين الكليات والمؤسسات من أجل التدريب.
من الأمور التي تحسب للتوصيات وتعكس تصورًا متكاملًا للمشهد الإعلامي هو التطرق لاستخدامات الذكاء الاصطناعي وآلية توظيفه إعلاميًا، بالإضافة إلى المطالبة بسرعة إصدار قانون تداول المعلومات بما يتيح فرصة حقيقية للإعلام في الحصول على المعلومات من مصادرها المختلفة بحرية وبدون قيود.
تضمنت التوصيات ضرورة عدم تحويل مذيعي برامج "التوك شو" إلى بث أفكارهم الخاصة، وهو أمر يعيد المذيع لدوره الأصلي في نقل الخبر وليس نقل رأيه الشخصي الذي قد يحتمل الصواب والخطأ، وهي ظاهرة برزت في السنوات الأخيرة حيث أبدى العديد من المذيعين آرائهم في القضايا المختلفة، بل وربما تناقضت آراؤهم في نفس القضية خلال فترة وجيزة دون توضيح الأسباب للجمهور.
يدعم تحقيق هذه التوصية على أرض الواقع المقترح الخاص بوجود "ستايل بوك" لكل قناة يعبر عن الهوية الخاصة بها، مما يمكن على المدى القريب من تمييز المحطات المختلفة بهويتها وليس بهوية المذيع. هذا هو الحال في مختلف محطات التلفزيون العالمية، فحتى مع تنقل المذيعين بين شاشاتها، يجب على كل مذيع التأقلم مع أسلوب القناة وليس العكس.
جزء من هذا الأمر مرتبط أيضًا بتحديد مدة لبرامج "التوك شو" بنحو 90 دقيقة، وهي مدة كافية للغاية لعرض المحتوى الإعلامي وتناوله دون البقاء على الشاشة بلا وقت محدد لحلقات البرامج، مما يسبب ثرثرة في أوقات كثيرة أملًا في جذب مزيد من الإعلانات.
امتداد التوصيات ليشمل المنظومة الإعلانية عبر الدعوة لـ"ضبط مدد الإعلانات" يعكس رغبة حقيقية في عودة الجمهور لمشاهدة شاشات التلفزيون، بعدما أصبحت ظاهرة الإعلانات وطول مدتها تؤرق المشاهدين، وقد لوحظ ذلك بقوة في عدة مناسبات، خاصةً على الأعمال التي تحظى بنسبة مشاهدة مرتفعة.
ورغم أن الدعوة لحصول الإعلانات على تصريح قبل عرضها قد يراها البعض نوعًا من الرقابة المسبقة، إلا أنها دعوة في محلها بعدما تسبب غياب الرقابة عن الإعلانات في تقديم محتويات إعلانية غير لائقة على الشاشة، مع غياب الرقابة على هذا النوع من المحتوى وسعي البعض لتحقيق نسب مشاهدة مرتفعة من أجل الترويج لسلع أو جهات محددة.
جزء من التوصيات الذي يحتاج إلى بلورته بشكل أعمق في الفترة المقبلة مرتبط بالشراكة بين المؤسسات العامة وكليات ومعاهد الإعلام لتدريب العاملين. يمكن تحقيق ذلك من خلال الدورات التدريبية المكثفة، سواء للإعلاميين في المجال الرياضي أو باقي التخصصات.
الجزء الأهم في التوصيات ارتبط بحقوق المشاهد من خلال التشجيع على وجود جمعيات لحماية حق الجمهور في مشاهدة محتوى نظيف. سيكون هذا مهمًا للغاية في تقييم ومتابعة ما يبث إعلاميًا، وسيعزز ذلك تشجيع الدراسات التحليلية للمشهد الإعلامي حول اهتمامات الجمهور.
من المؤكد أنه بالرغم من عدم وجود إلزامية لتطبيق التوصيات على القنوات الحكومية والخاصة، إلا أن ما جاء فيها يحتاج إلى إرادة من القائمين على العمل الإعلامي لتحقيق الانضباط على الشاشة ودعم المحافظة على الريادة المصرية في الإعلام.