عمرو عز الدين يكتب: بسبب "عمر أفندي".. رحلة بحث مثيرة وراء طقطوقة "يا نواعم يا تفاح"

الطقطوقة الحائرة ما بين سيد درويش وبديعة مصابني والريحاني والكسّار

في بداية أحداث الحلقة الخامسة، من المسلسل المصري خفيف الظل "عمر أفندي" والمعروض حاليا على منصة "شاهد"، تابعت استعراضا رقيقا تقوده الفنانة آية سماحة، إحدى بطلات العمل في دور "زينات"، على أنغام طقطوقة "يا نواعم يا تفاح" التي خطفتني من أول استماع لها. لذلك قررت البحث لمعرفة صنّاعها الأساسيين والاستماع إلى نسخ أخرى منها أقدم أو أحدث.

"يا نواعم يا تفاح" طقطوقة من ألحان الشيخ سيد درويش وكلمات أمين أفندي صدقي، ضمن أغنيات مسرحية "ولسه" التي قدمتها فرقة علي الكسار في أغسطس 1919. قُدمت في المسرحية تحت اسم: "بتوع التفاح"، ومعها لحن عدة أغنيات أخرى، منها واحدة بعنوان "البُوهيجّية"، التي نعرفها جميعًا بـ"مخسوبكو انداس"، وذلك وفقا لكتيب المسرحية الصادر عن المشروع القومي لتوثيق التراث المسرحي بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية، والمأخوذ من مكتبة الفنان علي الكسار.

محاولة الوصول إلى النسخة التي تم تقديمها في المسرحية باءت بالفشل، لا يوجد إلا تسجيل نادر قديم جدا، مرفوع على أحد منصات الأغاني، يصعب معه تمييز الكلمات، لكن مما يمكن تمييزه وجدت أن الكلمات والألحان متغيرة بعض الشيء عن نسخة المسلسل.

أما نسخة المسلسل فهي ليست بالجديدة، بل عُرضت من قبل في فيلم (بديعة مصابني - 1975) لحسن الإمام، وهو مأخوذ عن مذكرات بديعة مصابني للكاتبة الصحفية نازك باسيلا. وهنا ينسب الفيلم لحن الطقطوقة إلى بديعة مصابني ونجيب الريحاني سويا، حيث يستمع نجيب الريحاني (فؤاد المهندس) إلى بديعة مصابني (نادية لطفي) وهي تؤدي "يا نواعم يا تفاح"، ليكتشف تشابه اللحن مع أغنية "يا أبو الكشاكش" الخاصة بمسرحيته "إش" من تأليف بديع خيري، ويمسك بها مدعيا سرقتها للحن! مع تتبع مذكرات نجيب الريحاني، وجدت أنه حكى قصة لقائه بزوجته -فيما بعد- بديعة مصابني في لبنان، وأنها كانت تغني من ألحان فرقته المسرحية، التي قام بالسطو عليها أمين عطا الله، الممثل السابق بفرقة الريحاني، والذي نسخ روايات الفرقة بما فيها اسم "كشكش بك" وعرضها في سوريا ولبنان وتغنت بها مصابني. وخلال هذا اللقاء تنبأ لها الريحاني بالوصول إلى مراتب النجوم في الفن. وهو عكس ما تم عرضه باللقطة المجتزأة من الفيلم، والمفاجأة أن لحن "يا أبو الكشاكش" هو أيضا للشيخ سيد درويش!


كلمات "يا نواعم يا تفاح"، تميزت بالجرأة والدلال وعكست قوة ومكر صاحبتها التي تقدم نفسها لمن يقدر ثمنها من الرجال في كلمات نسخة المسلسل، أو تعمل بالفعل في بيع التفاح في كلمات نسخة أخرى (وإن كان يمكن تأويلها)، وربما تم تعديل الكلمات لتتناسب مع تقديمها من جديد في عروض فنية أخرى.

تقول كلمات نسخة المسلسل والفيلم: (يا نواعم يا تفاح يا حاجة حلوة كويسة/ واللي بتبيعك بيضا وأمورة وست النسا - أنا أبيع للافندية/ اللي بيتمحكوا فيا/ واحد يروح يجيني 100/ يسيح قوام من غير كلام/ محسوبتك بنت حِنت وقِرارية مأسسة - ماليش معلم يحاسبني/ ولا شريك يعاتبني/ حبيبي اللي يكسّبني/ قرب يابيه التقل ليه؟/ محسوبتك بنت حِنت وقِرارية مأسسة).

وقد تغيرت بعض هذه الكلمات حينما قدمتها فرقة أم كلثوم بقيادة الأوركسترا للفنان عبد الحليم نويرة، مثلا تغيرت أغلب كلمات الكوبليهات ومنها: (أنا أبيع للافندية/ تفاحي سكر يا عينيا/ الواحدة كيلو وشوية/ قرب قوام من غير كلام/ محسوبتك ست شاطرة وفي التجارة مأسسة).


لم يسلم اللحن من التغيير، ومع صعوبة الوصول للنسخة الأولى، فلا يمكنني الجزم باللحن الأصلي للطقطوقة، إلا أن النسخة النادرة التي عرضتها بالأعلى ربما تكون الأقرب، وقدم الموسيقار محمد عفيفي نسخة أخرى في تسجيل له تتغير فيها الكلمات ويخرج اللحن من مقام الراست، وهو ما يختلف اختلافا كبيرا عن نسخة المسلسل من مقام العجم الذي يتحول إلى صبا مع نهاية جملة المذهب (واللي بتبيعك بيضا وأمورة وست النسا)، وهي في رأيي الأفضل.


قابلتني خلال رحلة البحث نسخ أخرى قدمها محمود شكوكو وعبد العزيز محمود والمطرب الكويتي محمد زويد، يمكن اعتبارها لا تمت لموضوعنا بصلة، ما عدا نسخة استوقفتني قدمتها المطربة الراحلة ثناء ندا، في حفل أقامه نادي الزمالك عام 1981، حيث قدمت نفس الكلمات ولحن قريب جدا من اللحن المعروف، إلا أن مقدم الحفل نسبها إلى نجيب السلحدار مؤلفا، وسيد إسماعيل ملحنًا، وهي بلا شك معلومات خاطئة تمامًا.


في النهاية، أتوجه بالشكر لصناع مسلسل "عمر أفندي" على اختيار مثل هذه الطقطوقة المميزة، لولاها ما سمعت كل النسخ أعلاه، وهو أحد الأدوار المهمة للأعمال الفنية المختلفة بإلقاء الضوء على أعمال فنية أخرى ربما يكاد يطويها النسيان. بقيت الإشارة إلى فريق عمل المسلسل، وهو تأليف مصطفى حمدي وإخراج عبد الرحمن أبو غزالة، بطولة أحمد حاتم وآية سماحة ورانيا يوسف ومصطفى أبو سريع ومحمود حافظ وعدد كبير من نجوم مصر، ويدور حول علي الذي يعيش في زمننا الحالي، ثم يجد سردابًا في قبو منزله يقوده إلى عام 1943 وتتوالى الأحداث.

نرشح لك: "دي حاجة 17 خالص".. تفاصيل مشاركة مارتينا عادل في مسلسل "عمر أفندي"