في السنوات الأولى لظهور ما يُعرف بـ"البلوجرز" و"الإنفلونسرز"، كان أغلبهم -إن لم يكن جميعهم- يتسابقون لكسب انتشار أكبر، لعلهم في النهاية يحصلون على فرصة في مجالي الفن والإعلام، فيصبحون من المشاهير الحقيقيين الذين يظهرون على شاشات التلفزيون، وليس "شوية عيال" يظهرون على صفحات فيس بوك وقنوات يوتيوب.
وبالفعل انتقلت نماذج عديدة منهم للتمثيل والغناء والإعلام، فكان التساؤل الدائم من الصحافة آنذاك حول رأي النجوم في ظاهرة تحوّل "الإنفلونسرز" لفنانين، فكنّا نجد البعض لا يكترث، والبعض الآخر يستشيط غضباً باعتبار "الشغلانة لمّت"، وجزء أخير يرمي الكرة في ملعب القائمين على المهنة في النقابات الرسمية.
ظاهرة الفنانين التيك توكرز
أما الآن، وفي عام 2024، فيمكننا الجزم بأن الآية انقلبت، كما يقولون، وأن الظاهرة المقلقة أصبحت "تحوّل الفنانين لتيك توكرز"، فكل من تعثّرت أحواله فنياً، أو على الأقل لم يعد الدخل العائد من الفن كافياً لمتطلبات حياته، وجد فرصة ذهبية في البث المباشر على تيك توك.
يجلس في منزله، أو في أي مكان، يفتح بث مباشر، يلقي التحيات ويثني على التعليقات، ويطلب "التكبيس" والدعم. ولمن لا يفهم معنى ذلك، فهو طلب للدعم المادي، أي يقوم مشاهدوا البث بإرسال ورود وأشكال من الحيوانات وغيره، كل منها له ثمن، قد يصل لآلاف الجنيهات. تيك توك يأخذ جزءًا من هذه الهدايا، ويمنح صاحب اللايف الجزء المتبقي.
الظاهرة في سنواتها الأولى بدأت بعدد قليل من الفنانين، ربما لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، أما الآن فمن الصعب رصدهم بدقة، نظرًا لتزايد الأعداد باستمرار، إذ تحوّل الأمر لمهنة وليس مجرد تسلية، وهو ما اعترف به كثيرون، مثل الفنانة مها أحمد التي لا يكاد يمر "لايف" حتى تدخل في "وصلة خناق" مع متابعيها، الذين يتهمونها بـ"التسوّل"، لتعترف نصاً بأنها موجودة على تيك توك لأنه مربح مادياً، وحتى "تنجح في عمل علاقات مع الناس الجامدة برا، لعلّ شيخة تراها فتأخذها للعمل عندها"، على حد تعبيرها.
كذلك منى فاروق، التى توقفت مسيرتها الفنية تماماً منذ أزمتها الشهيرة مع المخرج خالد يوسف، إذ فشلت جميع محاولاتها في العودة إلى التمثيل مجدداً، فوجدت طريقها إلى تيك توك، وأصبحت تفتح لايفات لساعات متواصلة، وترد على كل من يسيء إليها بسبب أزمتها السابقة.
وصرّحت ذات مرة أنها تعتبر "اللايفات" مهنة مربحة تشبه عمل المذيعات، وأنها تجهّز نفسها وتجلس بالساعات في اللايف حتى ينتهي وقت عملها.
ما سبب الأزمة؟
النماذج كثيرة للغاية، والحكايات أكثر، لكن يمكن تلخيص أزمة لايفات تيك توك في أمرين؛ الأول هو وجود "الداعم"؛ الشخص المجهول الثري الذي يدفع أموالاً حقيقية لشراء هدايا باهظة، ويمر يوزعها على من يشاء في لايفات تيك توك، وبالتالي هو المتسبب الأول في صنع وتفاقم هذه الظاهرة.
من هؤلاء الداعمين؟ وما المنطق الذي يجعل إنساناً يدفع أمواله لآخر لا يعرفه لمجرد أنه يطلب التكبيس والدعم؟.. فإن دفع له باعتباره "محتاج" فهنا صاحب اللايف تحوّل إلى متسول بالفعل، وإن دفع بلا سبب فهنا صاحب الدعم تحوّل إلى "سفيه" يمنح أمواله لمن لا يستحقها.
الأمر الثاني هو أن الدعم من المشاهد/المتابع/المتفرج يتطلب وجود محتوى أو مُنتَج يستحق الدعم أولاً، قدّم محتوى (أياً كان نوعه) حينها ستجد من يدفع ثمن تذكرة سينما أو مسرح ليشاهدك، أو تذكرة مباراة ليستمتع بمهاراتك، أو محتوى مفيد أو كوميدي على السوشيال ميديا فيدفع مقابل الاستفادة والبهجة.
افعل أي شيء، وقدّم أي مُنتَج، وحينها احصل على مقابل كيفما شئت.. أما أن تجلس في بث مباشر ولا تفعل شيئاً سوى طلب الدعم وردّ التحية لمن يدعمك أكثر، فهنا أصبحت ومن يجمع الأموال "النُقطة" في الأفراح سواء، غير أنه يكون لديه مناسبة سعيدة ومبرر لفعل ذلك، أما صاحب اللايف فبلا مناسبة.. وبلا وجه حق!
نرشح لك: موعد عرض مسلسل "الغالب غالب" عن حياة هادية غالب
نرشح لك: "الجمهور توحد مع المسلسل".. 13 تصريحًا لـ أحمد سلطان عن مسلسل "عمر أفندي"