عصام عمر وطه دسوقي نموذجًا.. 3 صفات لـ"النجم" الذي يفضله الجمهور

هناك، في مدينة البندقية الساحرة، وتحديدا خلال فعاليات أحد أهم المهرجانات السينمائية جاذبية في العالم؛ البندقية، يصدح صوت محمد منير مغنيًا "شجر اللمون دبلان على أرضه"، في قاعة العرض الخاص بفيلم "البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو" لمخرجه خالد منصور، وبطله عصام عمر، الذي ألقى تحية صباحية على جمهوره، بصورٍ له من على السجادة الحمراء للمهرجان وهو يقبل علم فلسطين الذي علقه على صدره، دعمًا لجيرانه في غزة المنكوبة منذ السابع من أكتوبر الماضي، لتتهافت عليه تعليقات الإشادة والإعجاب من متابعيه. دون مجهود منه أو سعي لذلك، بجانب الاحتفاء الفني بمشاركة فيلمه في المهرجان الإيطالي ليكسر سنوات انقطاع طويلة للأفلام المصرية عن المهرجان؛ الطويلة تحديدا.

وهنا في مصر، على بعد يزيد عن ألفي كيلومتر من فينيسيا، مشهدًا آخر لـ طه دسوقي الذي أثر فيه تصريح لشاب مريض بالتوحد قال فيه إنه شعر أن طه دسوقي كان يمثل شخصيته في مسلسل "حالة خاصة"، من شدة إتقانه لدوره ونجاحه في تقديم شخصية "نديم" المحامي العبقري المصاب بالتوحد.

طه رد على فيديو الشاب من برنامج "العباقرة" عبر الأستوري الخاص بصفحته على "إنستجرام" قائلًا: "كلامك ده بـ 100 جائزة و100 تكريم، شكرا على الفرحة اللي فرحتهالي بكلامك، وشكرا لصناع المسلسل إنهم خلوني أسمع الكلام الحلو ده".


مشهدان قريبان جدًا من بعضهما، لشابين ربطت الصدفة بين مشوارهما الفني، حيث سطع نجميهما سويًا في نفس الفترة الزمنية، وكلاهما وصلا للجمهور بالطريقة المحببة له؛ الموهبة الحقيقية، والفن الذي يعبر عنهم، والبطل الذي يشبههم، لا توريث أو شللية أو دفع لصفحات تشيد بأدوارهم عنوة. مما يفتح لنا بابًا للتأمل قليلًا حول مواصفات البطل في السينما والتلفزيون. ومن جهة أخرى للتأمل في أسباب محبة الجمهور "الحقيقية" لهما.

من وحي نجومية الزعيم

التأمل الأول يأخذنا 60 عامًا للوراء، لنرى شابًا لا يزال طالبًا في كلية الزراعة يخطف قلوب جمهور مسرحية "أنا فين وأنت فين" أمام الفنان الكبير فؤاد المهندس، الذي ترك له المساحة ليبرز موهبته أمام الحضور، ويبدأ في الانتشار رويدًا رويدًا بعدما أحبه المشاهدين ليشارك بأدوار ثانوية صغيرة، كانت بمثابة سُلم المجد الذي صعد عليه خاصة سلمة "بهجت الأباصيري" التي جعلته يقفز خطوات للأمام إلى أن وصل في مطلع السبعينات إلى دور البطولة الأول بفيلمه "البحث عن فضيحة"، بعد جهد سنوات طويلة تلاها بسنوات أكثر صعوبة، للحفاظ على مجد الزعيم عادل إمام، الذي تحول إلى ظاهرة استثنائية في السينما المصرية وفي الدراما أيضًا، تجربة فريدة لم تتكرر كثيرًا، ونجاح غير مفاهيم "نجم الشباك" و"البطل الجان". لنكتشف أن الموهبة أهم.


فمن يمكن أن يقاوم سحر الزعيم على الشاشة؟ لا أحد، الكل يذهب إلى السينما ليرى ابتسامته الشهيرة وحركاته الآسرة والحية إلى الآن في ذاكرتنا الفنية على الرغم من اعتزاله وابتعاده عن الأضواء خلال السنوات القليلة الماضية في عددها والكثيرة على قلب محبيه. ولكن هل يعوض تلك السنوات جيل آخر يثور على نفس المواصفات الهوليودية في نجم الشباك؟؛ العضلات المفتولة والعيون الملونة وغيرها من المواصفات المفروضة على المشاهد، لتجسد مثالية زائفة يروج لها صناعها.

وأقصد هنا بالجيل الآخر كل من عصام عمر وطه دسوقي ويمكن ضم حاتم صلاح إليهم مثلا، ولو تأملنا الأعمال الأخيرة سنكتشف قائمة أطول من الموهوبين الحقيقيين، والمخلصين بصدق لفنهم وما يقدمونه للجمهور.

إشكالية النمبر وان

التأمل الثاني.. هو ظاهرة "النمبر وان" ولا أقصد هنا أي أحد، أنا أتحدث فقط عن الفارق بين فئتي "الفن للفن" و"الفن للشهرة أو كسب المال"، ولعلنا نسأل هنا، لماذا أحب الناس عادل إمام، وأحمد زكي، ومحمود عبدالعزيز، ونور الشريف، ويحيى الفخراني، ومحمود السعدني، وغيرهم من نجوم جيلهم، سنجد الإجابة في لقاءاتهم التي يتحدثون فيها عن الفن، فنلمس إيمانهم بما يقدموه ووعيهم بدورهم كفنانين ومؤثرين حقيقيين، فكان هدفهم الفن لا شيء غيره، لم يهتم أحدا منهم بترتيبه أو تقييمه، بالطبع هناك صراعات تفرضها عليهم الإيرادات وشباك التذاكر للسينما أو أعداد المشاهدة للدراما، ولكن هل كانوا حققوا تلك النجاحات لو كانت تلك الصراعات انتصرت وألهتهم عن فنهم؟ أو بدلا من احترام جمهورهم خاضوا معهم حروبا مثل التي نراها مؤخرا؟ لا أظن.

نفس تلك الموهبة، وهي بالفعل موهبة لا تقل عن أهمية موهبة التمثيل، وهي أن يحب الفنان فنه، ويؤمن بما يقدمه، ويحترم عقلية جمهوره، الأمر الذي وصفه عصام عمر في حديثه مع إحدى المجلات العربية بأنه أخذ عهدًا على نفسه ألا ينخرط في أعمالًا لا تعبر عن الجمهور، لا تعبر عن ثقافة مجتمعه الذي ينتمي إليه. لا المجمعات التي يعتمد بعض النجوم على تصديرها بأنها "هي دي مصر". أو لنكن دقيقين "هي دي مصر اللي بتجيب فلوس! للفنان".


لمن يستحق

وهنا نصل للتأمل الأخير، وهو متى تنتهي الواسطة والشللية والتوريث من قاموسنا وإتاحة الفرصة للموهبة الحقيقية سواء كانت تمثيل أو تأليف أو إخراج ـ الاحتفاء بخالد منصور مخرج البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو مثالا - العواميد الأساسية لصناعة عمل جيد؟

أذكر الاتهامات المسبقة ضد عصام عمر عند الإعلان الأول عن مسلسل "بالطو" والتساؤلات حول من هو ومن واسطته؟ والتي تبدت سريعا مع أول حلقات عرض المسلسل، لأنهم اكتشفوا فنان حقيقي يستحق تلك الفرصة وتناسوا سؤالهم "هو مين ده" واستبدلوه بـ"كان فين ده؟" لأنه فنان حقيقي تم اكتشافه أخيرا، وننتظر منه الكثير. ومن طه دسوقي، ومن كل الموهوبين مثلهم.

نرشح لك: "الجمهور توحد مع المسلسل".. 13 تصريحًا لـ أحمد سلطان عن مسلسل "عمر أفندي"