"أنا كبرت في الفيلم؛ الرحلة بدأت من 2016.. بالصدفة اتقابلت مع سمر عن طريق صديقة مشتركة، وكنت وقتها مكتئبة جدا وصاحبتي نرمين قالت لي القصة.. كانت ملهمة وقررت أقابلها بأي شكل، وقالت لي: (ممكن تساعديني لو عملتي فيديو فيه كل الحالات اللي قابلتها في رحلتي).. كان تحدي، وهي سمحت لي بده".
بهذه الكلمات اختزلت المخرجة آية الله يوسف، رحلتها الممتدة على مدار 8 سنوات، لصناعة فيلمها الأول "سمر.. قبل آخر صورة"، وذلك قبل أن تعقبها بكلمات أخرى أثناء تحدثها في مناقشة أجريت على هامش العرض الثالث لفيلمها بسينما زاوية في وسط البلد، فسرت من خلالها حالة النضج التي تسللت رويدا رويدا وأحاطت بنظرتها للحياة.
كان أبرز ما قالته: "في البداية كان عندي شوية أسئلة وكنت بدور على النهاية الحلوة المفتوحة، بس بعد فترة اكتشفت إن مش هي دي الحياة ودايما بيبقى في حالات صعود وهبوط.. بس الفكرة في روح سمر إنها بتقول في آخر الفيلم لو احنا في ماتش أنا مش عايزة أسجل اجوان.. أنا عايزة أكسب".
تواصل "إعلام دوت كوم" مع آية الله يوسف، مخرجة فيلم "سمر.. قبل آخر صورة"، لكشف مزيد من الكواليس عن ذلك العمل الذي وثق الرحلة الشاقة لفتاتين ناجيتين من اعتداء طال وجهيهما بمادة كيميائية حارقة أدى إلى تشوه كبير في ملامحهما.. فبعيدا تماما عن استجداء تعاطف المُشاهد، نعرف السبب الذي دفع سمر لمساعدة الفتاة الأخرى للخضوع لعدة عمليات تكميلية لترميم ملامح وجهها التي تم طمسها عمدا من قِبل مُنتقم.
في بداية الحوار نتعرف عن بدايات "يوسف" قبل انغماسها في سنوات صناعتها للفيلم، حيث قالت إنها درست الإعلام وتخرجت عام 2010، لتعمل كمونتيرة لدى إحدى الشركات التي كانت داعمة لها بشكل كبير في رحلتها وذلك منذ عام 2012.
فمنذ تلك الفترة وحتى عام 2016، أشارت إلى أنها عملت على عدة أفلام وثائقية طويلة وقصيرة من بينها "المشاغب فتح الله محروس"، "بيوت في الرملة"، " My mohamed is different" لإيناس مرزوق، وفيلم "من القاهرة" لـ هالة جلال، الذي عملت عليه بعد بدء تحضيراتها لفيلمها الخاص.
سنوات عملها كمونتيرة في مجال الأفلام الوثائقية، شَكل لديها رغبة في أن تتجنب استغراق فيلمها الأول مدة طويلة قبل خروجه للنور، حيث أوضحت أنها تصورت خلال أول عام ونصف أن الفيلم سيكون قصيرا، إلا أن رحلة العمل استمرت 8 سنوات، تعاملت خلالها أول بأول مع كل مشكلة كانت تبادر بالظهور.
أكدت مخرجة الفيلم أنها لم تكن تتخيل مدى صعوبة موضوع الفيلم وتأثيره عليها، مفسرة أنها حينها لم تتحل بالنضج الكافي الذي يمكنها من خلاله معرفة ما إذا كان العمل صعب نفسيا أو إنتاجيا.
وكشفت آية الله يوسف، أن صناعة الفيلم مرت بعدة مراحل، إذ أن المرحلة الأولى لم تتطلب أي دعم، نظرا لأنها صورت العديد من اللقطات بالكاميرا الخاصة بها، ومن ثم اقترضت كاميرا أحدث لكنها لم تستطع التعامل معاها، هذا بجانب اقترضها بعض الأدوات الأخرى التي لم تكن تتوفر لديها مثل الميكروفون، موضحة أن فكرة انتظار الدعم وقتذاك ليس أمرا مطروحا، بالإضافة إلى أنها لم تملك وقتا يسمح بأن تبحث عن مصادر دعم لانشغالها بشكل يومي مع الفتاتين بطلتي العمل.
كان كل ذلك بالتزامن مع عملها كمونتيرة.. حيث كانت تلك المهنة حينها هي مصدر دخلها الوحيد، معلقة: "الفيلم مستقل تماما ومكنش فيه رفاهية إني أقعد متفرغة"، لافتة إلى أن الشركة التي عملت لديها أتاحت لها قدر كبير من المرونة سمحت لها بالعمل بطريقة موازية للفيلم، حتى أنهم منحوها عطلة استمرت لشهر كامل، وسمحوا لها باقتراض كاميرا المكتب، تلك المواقف النبيلة دفعتها لتعلق قائلة: "يمكن لو كنت في شغل تاني مكنتش هقدر أبقى مرنة.. فعشان كده كانت فرصة كويسة وحظي كان حلو".
المرحلة الثانية من صناعة الفيلم بدأت بدعم بسيط، وتحدثت عنها مخرجة العمل قائلة إنها بحثت عن الكثير من فرص الدعم إلى أن حصلت على أول فرصة عام 2017 وكانت عبارة عن تذكرة طيران للشارقة بقيمة 4 آلاف جنيه، واصفة إياها: كانت زقة بسيطة".
بعد مرور 5 أشهر كانت قد عادت خلالها للقاهرة.. حاولت الحصول على دعم مجددا لاستكمال التصوير، وذلك من خلال إطلاق حملة تبرعات عبر أحد المواقع الموثوقة المختصة بذلك، إلا أن المبلغ الذي حصلت عليه لم يكن كبيرا حينها، هذا بجانب أنه وصلها متأخرا عن الفترة التي احتاجتها بشدة فيه للسفر لاستكمال التصوير؛ مما اضطرها للتحدث مع بطلتي العمل عبر تطبيق "زووم"، وهو ما ظهر في لقطة خلال أحداث الفيلم.
المبلغ الذي حصلت عليه عبر موقع التبرعات، أوضحت أنه ساعد في شراء كاميرا جديدة بجانب المساعدة لإنجاز بعض لقطات بسيطة داخل مصر حينما استأنفت التصوير.
ولفتت آية الله يوسف، إلى أنها استكملت التصوير فيما بعد بمساعدات عينية، كانت مفيدة للغاية ساعدتها على التعرف على أناس آخرين ضمن ورش عالمية طورت الفيلم، من بينها أيام الصناعة ضمن مهرجان القاهرة السينمائي، والذي حصلت بفضله على 3 جوائز لاستكمال الإنتاج، وساهمت كثيرا في دعمها للفيلم، إذ سافرت لعدة دول لتطوير العمل كما حضرت ورش عمل في كندا، بالإضافة لورش أخرى أونلاين مع متخصصين في أمريكا، لذا وصفت رحلة التطوير قائلة: "كانت انطلاقة لطيفة من مهرجان القاهرة".
أشارت "يوسف" إلى أنه بجانب مهرجان القاهرةالسينمائي، شارك الفيلم أيضًا في مهرجانات أخرى مثل الإسماعيلية، وطرابلس في لبنان، والقدس.
قبل وضع اللمسات الأخيرة، أكدت أنها عملت بجد على مونتاج حوالي 100 أو 150 ساعة تصوير، موضحة أن عملية المونتاج كانت مستمرة بشكل متقطع طوال سنوات تصوير الفيلم، حتى تمكنت من الانتهاء من النسخة الأولى التي بلغت مدتها قرابة الساعتين في 2018، واستأنفت الأمر مجددا بشكل أكثر تعمقا وبشكل يومي في عام 2020 حتى وصلت للنسخة التي تم عرضها خلال العام الحالي 2024.
وقالت إنها استعانت بجهات دعم مثل " Sum of all music" التي عملت على الموسيقى والمكساج، وغيرها مثل " iefta"، " new black"، " afacc"، " hot docs blue ice docs"، " Prince claus"، كما حصلت أيضًا على حقوق استخدام أغنية "كل حاجة بتعدي" لـ كايروكي.
من ناحية أخرى، تطرقت مخرجة العمل للحديث عما جال في خاطرها إبان فترة التصوير، إذ أكدت أنها لم تكن تملك الخيار لإيقاف التصوير نظرا لأن الأمر تحول من كونه فيلما وثائقيا إلى مسئولية ملقاة على عاتقها تجاة الفتاتين، مؤكدة أنها مرت خلال تلك الفترة بحالات اكتئاب، ولم تكن تعرف ما القرار الصحيح الذي يجب أن تتخذه.. لم تكن تعلم كيف ستنهي الأمر!
تلك الفترة وصفتها "يوسف" بأنها فترة طويلة من الرفض والإحباط، معلقة: "تقريبا اترفضت من كل العالم، القبول كان 1% من الحاجات اللي قدمت عليها سواء في التمويل أو الدعم العيني أو فرص عرض الفيلم في أي مكان.. الرفض كان العنوان"، موضحة أن سبب الرفض هو صعوبة موضوع الفيلم نفسيا بالنسبة للبعض، ممن طلبوا منها تمويه وجوه الفتيات على سبيل المثال.
بالنسبة لها، أكدت أنها أصرت على أن تنسج الأحداث واللقطات بطريقة تسمح بتقبل المشاهد لهما، خاصة وأنهما واجهن رفضا كثيرا من المحيطين بهما ومن المجتمع والحياة ككل، مؤكدة أنها رأت ما بداخلهما من جمال أرادت أن تترجمه في صورة إحساس تتنقله لجمهور العمل.
ومن بين الأمور التي استعانت بها "يوسف" لتجعل لقطات فيلمها معبرة بصدق عن إحساس أبطاله، رسومات سمر التي ظهرت على مدار الفيلم والبوستر الرسمي.
ورغم أنها حرصت في العمل على أن تعبر بصدق على أحاسيس الفتاتين تجاه مصابهما، إلا أنها أكدت على أن العمل تأخر عن الوقت الذي كان من الممكن أن يقدم لهما يد العون في لحظة أفضل مما هما عليها الآن، إذ أن سمر تمر حاليا بحالة نفسية سيئة بعد أن وصلت لنقطة البداية من جديد، بجانب أنها ما زالت مهددة بعد خروج المتسبب في تشويهها من السجن.
على صعيد آخر، اختتمت مخرجة "سمر.. قبل آخر صورة"، حديثها بالكشف عن أعمالها الجديدة، إذ تحضر حاليا لفيلم بعنوان "101 راس البر"، وهو من كتابتها وإخراجها، كما تتولى إنتاج فيلم سوداني بعنوان "سماء جافة" للمخرج إبراهيم عمر.